الجمعة: 04/10/2024 بتوقيت القدس الشريف

كلمة رئيس الوزراء خلال افتتاح المؤتمـر الدولي للاسرى باريحا

نشر بتاريخ: 24/11/2009 ( آخر تحديث: 24/11/2009 الساعة: 13:45 )
اريحا - معا - افتتح د.سلام فياض رئيس الوزراء اليوم الثلاثاء المؤتمـر الدولي حول قضية الأسرى في سجون الاحتلال في مدينة اريحا، وجاءت نص كلمته على النحو التالي:

اسمحوا لي في البداية أن أتوجه لكم جميعا، وللوفود الدولية بصورة خاصة، بالشكر والتقدير الكبيرين، باسم شعبنا الفلسطيني والأخ الرئيس محمود عباس (أبو مازن)، على مشاركتكم في هذا المؤتمر الدولي حول قضية الأسرى الفلسطينيين في سجون ومعتقلات الاحتلال الإسرائيلي. فهذه المشاركة تمثل بالنسبة لنا وقفة تضامن إلى جانب أسرى شعبنا وحقهم في الحرية، وهي تحمل دلالات كبيرة، تتجاوز البعد الإنساني وحتى القانوني، رغم ما لذلك من أهمية، لتعبر عن وقفة الضمير الإنساني الذي تمثله مؤسسات حقوق الانسان، وكافة القوى المحبة للعدل والسلام مع أسرى الحرية، وما تشكله قضيتهم من حالة اجماع وطني في ضمير كل فلسطينية وفلسطيني. فكما تعلمون ويعلم العالم بأسره، بما في ذلك مؤسسات حقوق الإنسان الدولية، فإنه لا يكاد يخلو بيت في الأراضي الفلسطينية المحتلة لم يتعرض أحد أفراده للاعتقال من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي على مدار سنوات الاحتلال الطويلة والقاسية، الأمر الذي يجسد وحدة المعاناة في حكاية كفاح شعبنا، ويظهر في نفس الوقت الإرادة الجماعية في رفض الاحتلال والإصرار على نيل الحرية والاستقلال.

نعم أيها السيدات والسادة، إن مشاركتكم في هذا المؤتمر تشكل بالنسبة لنا حدثاً هاماً ونوعياً لتأكيد التضامن مع شعبنا وأسراه الأبطال في وقت نسير فيه بثبات، نحو الحرية بمعناها الواسع... الحرية التي يسعى شعبنا لنيلها في وطن له، كحق طبيعي كباقي شعوب الأرض.

واسمحوا لي أيضا، أن أتوجه من على هذا المنبر إلى أسرانا الأبطال القابعين في سجون الاحتلال، إلى الأطفال منهم والأسيرات، إلى المرضى والمعزولين، إلى الإداريين والمحكومين والموقوفين وأسرى الدوريات، ومن كل الفصائل، وفي القلب منهم جميعا أسرى مدينة القدس، وفي مختلف السجون، في عسقلان والنقب، وفي نفحة وبئر السبع، وعوفر ومجدو وسالم وهداريم وجلبوع وتلموند، وفي الرملة والجلمة والمسكوبية وبيتاح تكفا وشطة والدامون وحوارة وعصيون وكل مراكز التحقيق والتوقيف ومصادرة حرية هؤلاء الأبطال. وأقول لهم جميعا، لستم وحدكم، فشعبكم يقف موحدا خلف قضيتكم، ولستم وحدكم في معركتكم من أجل الحرية. فالسلطة الوطنية تعقد هذا المؤتمر بالتنسيق والتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني، وخاصة المعنية بقضايا حقوق الإنسان، والمؤسسات الدولية المعنية بقضايا الأسرى وحقوق الإنسان في فلسطين، بهدف حشد الدعم الدولي للإقرار بحقوقكم ومكانتكم كأسرى حرب تنطبق عليكم كافة المعاهدات والمواثيق الدولية، وفي مقدمتها اتفاقيتا جنيف الثالثة والرابعة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، بالإضافة إلى اتفاقية لاهاي، واتفاقية مناهضة التعذيب.

إن هذا الإقرار الذي نسعى إليه هو جزء من إستراتيجية عمل منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية مع المجتمع الدولي لإلزام إسرائيل بقواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وقرارات الشرعية الدولية. فلم يعد بإمكان إسرائيل الاستمرار في القفز عن قواعد القانون الدولي وعن المكانة القانونية للأراضي الفلسطينية كأراضي محتلة، ولا الاستمرار في انتهاك المكانة القانونية للأسرى الفلسطينيين كأسرى حرب، وما يترتب على ذلك كله من حقوق، في مقدمتها حق الأسرى في الحرية، كما حق شعبنا في الخلاص من الاحتلال، ونيل الحرية والإستقلال.

عندما نتحدث عن قضية الأسرى والأسيرات في سجون الاحتلال فنحن نتحدث عما يزيد عن 760 ألف فلسطيني وعربي تم اعتقالهم منذ عام 1967، منهم ما يقارب ثلاثة عشر ألف أسيرة، وحوالي 25 ألف طفل في انتهاك واضح لاتفاقية حماية الطفولة. وقد شملت هذه الاعتقالات أبناء وبنات شعبنا من كافة مدن وقرى ومخيمات الأراضي الفلسطينية المحتلة، بالإضافة إلى أبناء شعبنا من أراضي 1948. وما يزال آلاف الأسرى حتى اليوم يقبعون في سجون الاحتلال، وموزعين على أكثر من 23 سجنا ومعتقلا ومركز تحقيق وتوقيف، ويعيشون ظروفا قاسية جداً، ومعظم هذه السجون والمعتقلات تقع داخل إسرائيل، الأمر الذي يشكل بحد ذاته انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي واتفاقيات جنيف.

إن هؤلاء الأبطال الذين ضحوا بحريتهم من أجل حرية الوطن والشعب هم ليسوا مناضلين فقط، بل إن لكل واحد منهم قصته الإنسانية. فهم ليسوا مجرد أرقام كما تسعى مصلحة السجون إلى تحويلهم، بل إنهم بشر طبيعيون لهم أحلامهم وتطلعاتهم الإنسانية للعيش مع عائلاتهم، والمساهمة في تقدم ورقي مجتمعهم، كما أنه ونحن نتحدث عن هؤلاء الأبطال ومعاناتهم ومكانتهم لدى أبناء شعبنا، علينا ألا ننسى أن لكل أسير وأسيرة، أماً وزوجةً أو زوجاً، وأباً وإبناً وإبنة، ناهيك عن ذكرياتهم الجميلة في سهول وجبال ووديان بلادنا. ولعلني أجزم أن ما سجلته ذاكرة الأسرى، من إنتاج ثقافي وأدبي وإنساني رفيع وثَّق تجربتهم ومعاناتهم، لم يكن معزولا عن أحلامهم الجميلة ليس فقط بنيل الحرية، بل وبذكريات أجمل عاشها كلّ منهم مع أحبته، وأحلام مشروعة لدى كل منهم للمشاركة في بناء مستقبل أفضل لعائلاتهم ولكل أبناء شعبنا في كنف دولتنا المستقلة التي عبدّوا طريقها مع رفاقهم الشهداء، وعلى رأسهم الرئيس الخالد ياسر عرفات مع شهداء الحركة الأسيرة، وكل الشهداء، الذين قدموا أرواحهم في سبيل حرية الوطن واستقلاله. لهم جميعا منّا الإجلال والوفاء.

ما زال يقبع في سجون الاحتلال ثلاثمائة وسبعة وعشرون أسيرا معتقلين منذ ما قبل اتفاقية أوسلو، وهم "الأسرى القدامى"، وإن أقل واحدٍ منهم مضى على اعتقاله 15 عاما، بينهم مائة وسبعة أسرى مضى على اعتقالهم أكثر من عشرين عاما، وباتوا يعرفون بعمداء الأسرى، بل إن هناك اثني عشر أسيرا أمضوا أكثر من ربع قرن في سجون الاحتلال، بعضهم محتجزة حريته منذ 32 عاما وهم عميد الأسرى نائل البرغوثي، المعتقل منذ 4/4/1978، وفخري البرغوثي المعتقل منذ 11/6/1978، وأكرم منصور الذي أمضى في المعتقل ما يزيد عن 30 عاما، وهو حاليا في حالة صحية صعبة وسيئة للغاية. هذا بالإضافة إلى ثلاثمائة وسبعة وثلاثين طفلا دون سن الثامنة عشر، وألف وخمسمائة حالة مرضية العديد منهم في حالة خطيرة، ويعانون من أمراض القلب والسرطان والفشل الكلوي وغيرها من الأمراض الصعبة والمزمنة، ولا يتلقون العلاج المناسب، بل ويعانون من الإهمال الطبي، مما تسبب في استشهاد تسعة وأربعين أسيراً على مدار السنوات الماضية. إن هذه الظروف اللإنسانية التي يعيشها الأسرى تحث المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان في العالم على التدخل الفوري لوضع حد لهذه المعاناة الانسانية.

إن السلطة الوطنية الفلسطينية تدعو المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان إلى تحمل المسؤولية، والتحرك الفوري والجاد لإلزام إسرائيل بقواعد القانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة، ليس فقط فيما يتعلق بأرضنا المحتلة، وضرورة وقف الانتهاكات التي تتعرض لها في مجال الاستيطان، بل وكذلك وقف ما يتعرض له الإنسان الفلسطيني من انتهاكات، وخاصة الأسرى منهم.

إن استشهاد أكثر من 200 أسير بعد الاعتقال داخل السجون والمعتقلات بسبب الإهمال الطبي أو التعذيب أو القتل العمد، أو نتيجة استخدام الضرب المبرح أو الرصاص الحي، يؤكد ضرورة العمل على كشف أسباب وفاتهم، وإلزام إسرائيل بوضع حد لممارساتها القمعية واللاإنسانية ضد الأسرى، بما في ذلك السماح للجان طبية مختصة ومحايدة لتولي مسئولية تقديم العلاج الفوري المناسب للمرضى منهم.

إن الصمود الأسطوري الذي يسجله الأسرى الأبطال رغم كل هذه الظروف اللانسانية إنما يعكس إرادة شعبنا وصموده وتشبثه بأرضه. وفي هذه المناسبة، ومن هذا المنبر، فإنني أتقدم لهم جميعا بالتحية، وفي مقدمتهم الأطفال والنساء وعلى رأسهن أقدم أسيرة الأخت آمنة منى, وعمداء الأسرى وعلى رأسهم نائل وفخري البرغوثي وأكرم منصور، والقادة الأسرى وفي مقدمتهم الأخ مروان البرغوثي، والأخ أحمد سعدات، وأدعو إلى إطلاق سراحهم جميعا وبصورة فورية، كمقدمة لإطلاق سراح جميع الأسرى دون تمييز أو شروط. وهنا فإنني أؤكد على موقف السلطة الوطنية بأنه لن يكون هناك اتفاق نهائي مع الحكومة الإسرائيلية دون إطلاق سراحهم جميعا.

إن النجاح في تحقيق هذه الأهداف، والوفاء لقضية الأسرى، وحشد الدعم الدولي المطلوب لها، يتطلب منا جميعاً الارتقاء إلى مستوى المسؤولية الوطنية الملقاة على عاتقنا. إن هذا الأمر يستدعي موقفاً فلسطينياً وعربياً شاملاً، يضع حداً لكل محاولات تعطيل المصالحة، ويستنهض طاقات شعبنا الموحدة، باعتبار ذلك أساساً لمواجهة كافة المخاطر المحدقة بمشروعنا الوطني وشرطاً لا يمكن القفز عنه لضمان تحقيق أهداف شعبنا وانجاز تطلعاته، والتي قدم الأسرى حريتهم قرباناً لها، وفي مقدمة ذلك حق شعبنا في إقامة دولته المستقلة كاملة السيادة على كامل الأراضي المحتلة منذ عام 1967، في قطاع غزة والضفة الغربية، وفي القلب منها القدس الشريف.

إن وثيقة برنامج عمل الحكومة تتمحور حول مسؤوليات السلطة الوطنية للدفاع عن مصالح شعبنا، ودورها في بناء مقومات وركائز ومؤسسات الدولة الفلسطينية وبنيتها التحتية. وهي تستهدف بشكل جوهري استنهاض طاقات شعبنا، كل شعبنا، وتعزيز انخراطه في عملية إنجاز المشروع الوطني بصورة عملية وملموسة، من خلال توحيد جهوده في ورشة بناء تجعل من استكمال بناء مؤسسات دولتنا الفلسطينية وسيلة إضافية، بل ورافعة مركزية، تعجل في إنهاء الاحتلال، وتعيد لشعبنا ثقته بنفسه، وبقدرته على الانجاز، وتضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته إزاء حقوق شعبنا الوطنية وفي مقدمتها حقه في تقرير مصيره ونيل حريته واستقلاله. فإنهاء الاحتلال عن كامل الأراضي الفلسطينية منذ حزيران 1967، وفي القلب منها مدينة القدس الشرقية، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة عليها، يشكلان مفتاح السلام والأمن والاستقرار في المنطقة. وفي هذا المجال، فإنني أؤكد للعالم بأسره، وخاصة للشعب الاسرائيلي، أن شعبنا يرفض بشدة دولة الفتات، وكافة الحلول الانتقالية المؤقته التي يجري ترويجها من قبل قادة اسرائيل. فما نسعى إليه هو الخلاص من المرحلة الانتقالية، وقيودها المجحفة، وليس الدخول في مراحل انتقالية جديدة. نعم، لإن ما يسعى اليه شعبنا، وتعمل السلطة الوطنية على تحقيقه، هو الخلاص التام من الاحتلال ومراحله الانتقالية، والدخول في عهد جديد هو عهد الحرية لشعبنا وأسرانا، عهد الدولة المستقلة كاملة السيادة، وحدودها الشرقية مع الأردن فقط، وعاصمتها الأبدية هي القدس الشريف... دولة تحقق الرفاهية لشعبنا وتضمد جراح أسراه، وتضمن مستقبلاً أفضل لكل مواطنيها.

إن جوهر ما ورد في وثيقة "فلسطين:إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة" يبني ويراكم على صمود شعبنا وما حققه في السنوات الأخيرة من إنجازات، وهي خلاصة وعي شعبنا وقدرته على بلورة أولوياته، في سياق سعيه المتواصل لتجسيد دولته المستقلة... دولة المؤسسات وحكم القانون، واحترام مبادئ حقوق الانسان.

ونحن نعمل، أيها السيدات والسادة، على بناء مؤسسات هذه الدولة وفق أعلى المستويات والمعايير الدولية، المؤسسات القوية والقادرة على تقديم أفضل الخدمات لشعبنا، وتحقيق التنمية، فإن ما تحقق من انجازات في هذا الطريق يبعث على الثقة بقدرة شعبنا على بناء دولة ترقى لطموحاته وتطلعاته وتضحيات أبنائه.

نحن نتقدم يومياً ونراكم الانجاز تلو الآخر لبناء وترسيخ ركائز ومقومات دولتنا المستقلة وعلى قاعدة التكامل والمشاركة بين مؤسسات السلطة الوطنية والمجتمع المدني والقطاع الخاص، وفي إطار المسؤولية الشاملة لمنظمة التحرير الفلسطينية كمرجعية عليا لشعبنا ومؤسساته الرسمية والشعبية. وهذا حق لشعبنا، بل واجب عليه أيضا. ونحن نعمل على تحقيق ذلك في غضون العامين القادمين بما يحقق التنمية المطلوبة، ويرسي دعائم الحكم الرشيد في تلك المؤسسات، ويضمن الاستثمار الكامل لمواردنا الطبيعية، بعيداً عن القيود والتصنيفات المجحفة التي فرضتها المرحلة الانتقالية، والتي آن الأوان أن تنتهي. فليس من أرضنا المحتلة منذ حزيران عام 1967، وفي مقدمتها القدس الشرقية والأغوار وغيرها من المناطق المسماة (ج)، مناطق متنازع عيها. فكلها تشكل مجالاً حيوياً لبناء مؤسسات دولتنا وبنيتها التحتية. ونحن لا نراهن في أي من هذا إلا على أنفسنا، وشعبنا يعلم أن طريقه ليست مفروشة بالورود.

إن مضمون وثيقة برنامج عمل الحكومة يعكس إرادة شعبنا وصمود أسراه البواسل لبناء مستقبله بنفسه، ومراكمة الانجازات التي تحققت تحت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا. كما أن هذه الوثيقة تشكل أداة فعالة لإبراز عناصر الوحدة والقدرة على الانجاز. فهدف إقامة الدولة يوحد شعبنا بكل أطيافه، بديلاً عن التشرذم الذي لا يؤدي إلا إلى إطالة عمر الاحتلال، واستمرار المعاناة وفي مقدمتها معاناة الأسرى. فما أحوجنا اليوم، لإعادة الوحدة للوطن، وإغلاق فصل الانقسام المأساوي والكارثي في تاريخ شعبنا وقضيته العادلة، لنعيد الأمل لشعبنا بالانتصار، ولأسراه بحتمية تحريرهم.

لقد قدم شعبنا تنازلاً تاريخياً ومؤلماً في مبادرة السلام الفلسطينية عام 1988، تمثل في قبوله بدولة فلسطينية على 22% فقط من أرض فلسطين التاريخية. وعلى العالم أن يدرك أنه لا مجال لمزيد من التنازلات، وسيظل شعبنا وأسراه صامدين ومتمسكين بخيار السلام الدائم والحقيقي الذي يضمن السيادة الكاملة على أرضنا، ويمكن شعبنا من بناء مستقبله في دولته المستقلة، ويؤمّن حلاً لقضية اللاجئين وفقاً للقرار 194، كما أكدت على ذلك كله مبادرة السلام العربية. وما زال شعبنا بقيادة الرئيس محمود عباس (أبو مازن) يحمل غصن الزيتون الذي رفعه الرئيس أبو عمار في الأمم المتحدة عام 1974، ويؤكد تمسكه بحقوقه الوطنية كما عرفتها الشرعية الدولية دون انتقاص، ويرفض فرض الرواية الإسرائيلية التاريخية بديلاً عن المرجعية التي حددتها الشرعية الدولية للعملية السياسية، أو الاستمرار في تعطيل الاجماع الدولي حول ضرورة انهاء الاحتلال والالتفاف عليه من خلال ما يسمى بالحلول الانتقالية أو الجزئية.

ومع ذلك، ورغم الظلم التاريخي الذي لحق بشعبنا، إلا أن رغبته في تحقيق السلام العادل الذي يضمن له إنجاز حقوقه الوطنية في الحرية والاستقلال والعودة، لم تتراجع ولن تتراجع. وكما قال شاعرنا الكبير محمود درويش "إن أيدينا الجريحة ما زالت قادرة على حمل غصن الزيتون اليابس، من بين أنقاض الأشجار التي يغتالها الاحتلال، إذا بلغ الإسرائيليون سن الرشد، واعترفوا بحقوقنا الوطنية المشروعة، كما عرفتها الشرعية الدولية، وفي مقدمتها حق العودة والانسحاب الكامل من الأراضي الفلسطينية المحتلة في العام 1967، وبحق تقرير المصير في دولة مستقلة ذات سيادة، وعاصمتها القدس. إذ لا سلام مع الاحتلال ولا سلام بين سادة وعبيد. وأضيف لا سلام مع الاستيطان ولا سلام بين سجين وسجَّان.

من منطلق الحرص الأكيد على مستقبل السلام العادل والدائم في المنطقة، دعوني أؤكد بأنه آن الأوان لان يستخلص المجتمع الدولي العبر من الأسباب التي أدت إلى تعثر العملية السياسية، وعدم تمكنها من الوصول إلى الأهداف المرجوة منها. فإعادة المصداقية لعملية السلام تتطلب أساساً إلزام إسرائيل بالوقف الشامل لكافة أشكال الاستيطان في كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفي مقدمتها القدس الشرقية ومحيطها، كمقدمة لانطلاق عملية سياسية جادة ومتوازنة تفضي إلى إنهاء الاحتلال. إذ، وكما تبيّن حالة الاستعصاء القائمة حالياً، والتي نشأت بسبب عدم قبول إسرائيل بالوقف الشامل للاستيطان، فإنه لم يعد ممكناً أن تظل العملية السياسية رهينة، كما هي منذ ما يزيد على 16 عاماً، لما لإسرائيل، وهي القوة المحتلة، من استعداد لتقديمه، بديلاً عن الالتزام بمرجعيات تلك العملية المتمثلة في قرارات الشرعية الدولية، ورؤية حل الدولتين والمبادرة العربية للسلام، بما ترك أمر إنهاء الاحتلال لإسرائيل لتقرر بشأنه.

إن تصويب مسار العملية السياسية لا يمكن أن يتم إلا بتحمل المجتمع الدولي بنفسه لمسؤولية إنهاء الاحتلال، وذلك من خلال تنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة لإنهاء أطول احتلال شهده التاريخ الحديث، وضمان حق شعبنا في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشريف.

إن ما يؤكد قناعتنا بضرورة تولي المجتمع الدولي لمسؤولية إنهاء الاحتلال هو أن التحركات الدبلوماسية الأخيرة التي قادتها الولايات المتحدة بالنيابة عن اللجنة الرباعية الدولية، لا بل والمجتمع الدولي برمته، لم تفلح في انتزاع التزام من إسرائيل بالوقف الشامل للاستيطان، وهو أمر تمهيدي ليس إلاَّ، ولا ينطوي في جوهره إلا على إلزام إسرائيل بالتوقف عن خرق القانون الدولي. وهنا فمن حق شعبنا أن يتساءل، إذا كان هذا مصير التدخل الدبلوماسي الدولي فيما يتعلق بأمر تمهيدي بسيط، فكيف له أن يشعر بأية ثقة فيما يتصل بجوهر عملية السلام المتصل بقضايا الوضع الدائم؟ ما الذي يطمئنه بأنه لن يواجه في وقت لاحق بموقف دولي يقول بأن هذا هو كل ما استطعنا تحصيله من إسرائيل بشأن الحدود على سبيل المثال، أو القدس، أو اللاجئين؟ هذا ما نعنيه بأن أمر إنهاء الاحتلال هو مسؤولية يجب أن يضطلع بها المجتمع الدولي، ولاينبغي أن يترك للقوة المحتلة، وهي إسرائيل، لتقرر بشأنه، فإعلان إسرائيل قبل أيام عن توسيع مستوطنة جيلو جنوب القدس، يؤكد أهمية استمرار الاصطفاف الدولي لإلزام إسرائيل بالوقف الفوري والتام لكافة الأنشطة الاستيطانية في مجمل الأراضي الفلسطينية، بما فيها القدس، كاستحقاق لا يمكن القفز عنه أو تجاوزه. وهنا فلا بد من الإشارة إلى أن ما نسعى له ليس الوقوف معنا ومعاداة الآخرين بقدر ما نتطلع إلى ضرورة الانتصار لقيم العدالة والشرعية الدولية، والعمل من أجل حماية مستقبل السلام في هذه المنطقة. فلا مناص للمجتمع الدولي من تحمل مسؤولياته لتحقيق ذلك، وبما ينصف شعبنا بعد ما يزيد عن واحد وستين عاماً من النكبة، واثنين واربعين عاماً من الاحتلال، ويحقق الحرية لشعبنا، وأسراه البواسل.

أجدد لكم شكري وتقديري على المشاركة في هذا المؤتمر، وأتوجه مرة أخرى لأسرانا الأبطال بأن يوم الحرية قريب، وأن حريتكم هي جزء لا يتجزأ من حرية الوطن والشعب. ولعائلاتهم أقول، نحن معكم، وسلطتكم الوطنية ستظل دوماً إلى جانبكم، فهذا أقل الوفاء الذي نقدمه لكم يا أسرى الحرية.