الخميس: 26/09/2024 بتوقيت القدس الشريف

كرة القدم تسجل في الجزائر ومصر هدفاً قاتلاً *د. صالح بن بكر الطيار

نشر بتاريخ: 25/11/2009 ( آخر تحديث: 25/11/2009 الساعة: 15:52 )
اظهر التنافس الرياضي في كرة القدم بين منتخب الجزائر ونظيره المصري مدى هشاشة العلاقات العربية – العربية حيث تبين من خلال تداعيات ما جرى
ان العرب يملكون كل الإستعدادات للدخول في مواجهة مع بعضهم دون ادنى اعتبار للرابط القومي وللتاريخ المشترك وللمصالح البينية التي هي في
حقيقة امرها تشبه القلاع التي يتم تشييدها على الرمال والتي تسقط فور ما يلامسها الموج .
لقد كان من الطبيعي ان يحتدم التنافس بين منتخبي الجزائر ومصر خاصة وأنه على ضوء نتائجه ستحدد من سيصل الى المشاركة في بطولة العالم العام 2010 . ولكن لم يكن طبيعياً ان يتدخل الساسة وأن يعتبروا ان فوز أي فريق هو هزيمة نكراء للفريق الأخر ، وأنه انتصار لبلد على بلد شقيق ، وأن تصبح المنافسة جزءاً من استراتيجية الدولة ومن امنها القومي ومن كرامتها الوطنية. او ان يتدخل الصحافيون ويكتبون مقالات نارية تستحضر عند المصريين امجاد الحضارة الفرعونية ، وعند الجزائريين انجازات المناضل الكبير عبد القادر الجزائري وثورة المليون شهيد .
كما من غير الطبيعي ان تتحول الشوارع في البلدين الى ساحات للشتيمة والردح وكيل الأتهامات والمس برموز الدولتين ، وأن يتم استدعاء السفراء وتقديم مذكرات الأحتجاج . ولو كانت الدولتان متجاورتان لما تردد المسؤولون في حشد الجيوش وأعلان حال الأستنفار العام .
ولو فتشنا عن اسباب مباشرة لتفاقم الخلاف المصري – الجزائري لما وجدنا ، ولكن يبدو ان ما حصل ليس سوى صورة مصغرة عن حقيقة الواقع العربي حيث بات من السهل على أي دولة عربية الدخول في صراع مع دولة عربية اخرى لأنعدام الحس القومي الذي كان سائداً في القرن العشرين ، وإنتفاء الأهتام العربي بقضية مركزية كانت تجمع الكل حولها مثل القضية الفلسطينية . فلقد اصبح لكل دولة مصالحها الخاصة بها ، وشبكة علاقات ذاتية ، وأنتماء نابع من مفهوم الدولة المستقلة وغير المعنية بأي دولة عربية اخرى .
وإذا كان هناك اليات لا زالت تجمع العرب ضمن اطاراتها الفضفاضة مثل جامعة الدول العربية وما ينبثق عنها من مجالس ومنظمات فإنها ليست اكثر من اليات شكلية لم تعد تعكس حقيقة الإنتماء العربي وأن كل دولة عربية تنتظر على ما يبدو ان تعلن الدولة الأخرى وفاة هذه الأليات . ولكم تمنينا لو لمسنا هذا الحشد السياسي والإعلامي والشعبي العربي حين تعرض الوزير فاروق حسني لشتى انواع الضغوطات من قبل اسرائيل وبعض الدول الغربية عندما ترشح لمنصب مدير عام منظمة الأونيسكو حيث خرجت المنافسة بينه وبين المرشحين الأخرين عن كل اصول التعامل الدولي .. كما
لكم تمنينا لو لمسنا هذا الحشد عندما طالبت الجزائر الحكومة الفرنسية بتقديم اعتذار عن فترة استعمارها دون ان تلقى أي اهتمام من ذوي الشأن في باريس ..
ولطالما ان الشيء بالشيء يذكر الم تجري خلال نفس الفترة مباراة بين ايرلندا وفرنسا وقد عمد خلالها اللاعب الفرنسي الشهير تييري هنري الى دفع الكرة بيده ومن ثم تسليمها الى زميله ليسجل هذف التأهل الى بطولة العالم دون ان يؤدي ذلك الى استغلال ما حدث سياسياً وأعلامياً وشعبياً بين فرنسا وأيرلندا بل بقيت المسألة محصورة في اطار الأتحادات الرياضية المعنية بهذا الشأن ؟ ألم يكن من الأجدى ان تبقى الأختراقات التي حصلت بين منتخب الجزائر ومصر ضمن اطرها الرياضية دون ان تصبح قضية دولة وامة ومصير شعوب ؟ أم ان العرب هم العرب اقوياء على بعضهم وضعفاء امام الأخرين . وحتى وإن مارسوا لعبة كرة القدم فإنهم لا يتوانون عن تسجيل اهداف قاتلة في شباك بعضهم .!!

*رئيس مركز الدراسات العربي الاوروبي