المشهد الإسرائيلي خلال العام 2005: إنتخاب الحل أحادي الجانب وترسيخ مقولة غياب الشريك
نشر بتاريخ: 20/04/2006 ( آخر تحديث: 20/04/2006 الساعة: 16:07 )
رام الله- معا- صدر حديثاً عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية- مدار
"تقرير مدار الاستراتيجي- 2006 المشهد الإسرائيلي 2005"، المشتمل على 6 فصول وملخص تنفيذي، ويقع في 232 صفحة، أعدته نخبة من الأكاديميين والمتخصصين الفلسطينيين في الشأن الإسرائيلي.
ويتناول التقرير أهم ما طرأ على المشهد الإسرائيلي من تطورات وأحداث ذات مغزى استراتيجي عام 2005، في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، إلى جانب فصل يرصد أوضاع الفلسطينيين في إسرائيل وسلوك المؤسسة الرسمية تجاههم.
ويكتسب تقرير "مدار" هذا العام، أهمية إضافية من طبيعة التغيرات الدرامية التي هزت المشهد الإسرائيلي في العام 2005، حيث يتوسع التقرير في تغطيتها ويتعمق في تحليلها، واضعا إياها في سياقها التاريخي والمجتمعي، مستقرئا تفاعلاتها وانعكاساتها على السلوك السياسي الإسرائيلي.
وفيما يلي نص خلاصة التقرير، والتي تم الإعلان عنها يوم الخميس في ملتقى نظمه "مدار" بمدينة رام الله: يخلص تقرير مدار الاستراتيجي 2006 ، إلى أن إسرائيل قد عمدت خلال عام 2005 إلى مواصلة السعي للإجهاز على ما تبقى من العملية التفاوضية مع الجانب الفلسطيني بتكثيف محاولة تهميشه حتى النهاية، وطرح مشاريع تسويات أحادية الجانب كالانسحاب من طرف واحد، ثم البدء بطرح وترويج مشروع ترسيم الحدود النهائية والدائمة لإسرائيل من جانب واحد.
وتوقع معدو التقرير أن تركز إسرائيل في الفترة المقبلة على مواصلة التعامل مع القضية الفلسطينية ومع الدول العربية من خلال فرض سياستها ورؤاها بصورة أحادية دون تقديم أي تنازلات من طرفها، إضافة إلى محاولة نقل اهتمامات العالم إلى ميادين صراعية أخرى غير ميدانها، مستفيدة من غياب الدور العربي الفاعل والمؤثر، ومن الغطاء الذي يوفره دعم الإدارة الأميركية، والصمت شبه المطبق من الاتحاد الأوروبي عما يجري على الساحة الشرق أوسطية عامة.
ويرى التقرير، أن المشهد الاسرائيلي الداخلي شهد تواصل ظاهرة عدم الاستقرار السياسي وازدياد حدة الصراعات الحزبية داخل الأحزاب والتيارات السياسية، ما أدّى إلى تأكيد انهيار الأحزاب الأيديولوجية وبداية التحول إلى الأحزاب ذات القيادة الفردية أو سلطة الشخص، وحزب "كديما" هو نموذج واضح لهذه الظاهرة.
من جهة أخرى كان وصول عمير بيريتس إلى قيادة حزب العمل تغييرا ملحوظا في قيادة الأحزاب السياسية التقليدية التي كانت رازحة تحت قيادة اشكنازية (اليهودية الغربية)، فتحولت إلى قيادة سفارادية (اليهودية الشرقية). أكد هذا التغيير للمجتمع الاسرائيلي عامة أن الشرقيين بإمكانهم قيادة حزب وكذلك حكومة، وهم ليسوا قيادة دينية فقط كحزب شاس(حزب المتدينين الشرقيين). هذا التحول زاد من مظاهر الشرخ الطائفي في إسرائيل.
وطرح التقرير الخاص بالمشهد العسكري- الأمني عدة قضايا برزت خلال العام 2005 وفي مقدمتها مواجهة إسرائيل وتفعيل ديبلوماسيتها في كل ما له علاقة بالملف النووي الإيراني، والتعامل مع الملف السوري، وحزب الله والسعي الاسرائيلي الحثيث والمتواصل من أجل وصولها إلى تحقيق تفوق عسكري في الشرق الأوسط كجزء من خطة بناء مجال حيوي يضمن لإسرائيل تفوقها وتقدمها عسكريا وتكنولوجيا (خاصة التكنولوجيا العسكرية) على الدول العربية المحيطة بها وأيضا على ايران وتركيا.
وما يُشغل فكر القيادة الإسرائيلية ضمان ضعف كافة الدول العربية المحيطة بها، ومواصلة تسديد ضربات موجعة للفلسطينيين، وذلك لخلق أمر واقع معتمدا أن الأمن الاسرائيلي هو الأهم، وأن "الإرهاب" الفلسطيني ما زال يُلاحق الإسرائيليين.
وحظي الجيش الاسرائيلي بقسط وافر من التطوير بدعم من الولايات المتحدة الأميركية، خاصة في مجالات حوسبة السلاح في ميادين عسكرية متنوعة، إضافة إلى إدخال أسلحة متقدمة في وحدات الجيش الاسرائيلي تفوق كل ما تمتلكه الجيوش العربية".
وعلى صعيد المشهد الاقتصادي استمرت ظاهرة التناقضات والتقلبات التي أدت إلى ظاهرة عدم الاستقرار الاقتصادي، وهذا ما يتلاءم مع عدم الاستقرار السياسي أيضا.
أما التحول الذي تكرس في العام 2005 فكان بصورة مركزية في البنية الاقتصادية نحو اقتصاد العولمة، هذا التحول كان احد الأسباب الرئيسية في خلق مجتمع فقير داخل إسرائيل التي تميزت إلى فترة قريبة بكونها دولة رفاه اجتماعي، وما كان لظاهرة العولمة إلا أن تخترق الاقتصاد الاسرائيلي. فسياسة حكومة شارون، بشخص وزير ماليتها السابق نتنياهو، أفسحت المجال لنهج الخصخصة بوضع أصابعه القوية في المجال الاقتصادي في إسرائيل.
وكان للسياسة المالية لإسرائيل في العام 2005 دور بارز في تصفية دولة الرفاه الاجتماعي لصالح الاستثمار المالي المحلي والأجنبي الذي تقوده فئة من الأغنياء. وكان للإصلاحات الضريبية التي أعلنتها الحكومة الإسرائيلية دور في خلق مجتمعات فقيرة، بل مدقعة في الفقر، مقابل مجتمع ثري للغاية، ما وسّع الفجوات الاقتصادية والاجتماعية بين الفئتين(الأغنياء والفقراء)، وجرّاء ذلك بدأت الطبقة المتوسطة تغيب رويدا رويدا عن ميدان النشاط العام في إسرائيل.
وانعكست هذه التغييرات في ازدياد نسبة البطالة والإجرام والفساد الإداري والسرقات والتمييز بين شرائح المجتمع الاسرائيلي. كل هذه وغيرها مثلت سمة فارقة للحالة الاجتماعية في إسرائيل خلال العام 2005.
وتعمق خلال العام 2005 الشرخ بين إسرائيل كدولة ومؤسسات وبين المواطنين الفلسطينيين فيها، نتيجة مواصلة سياسة التمييز وتهميش وإقصاء المجتمع الفلسطيني داخل إسرائيل، ومنعه بكافة الطرق من المشاركة الفاعلة في حياة الدولة، مثل تولي مناصب إدارية رفيعة المستوى أو وظائف مفتاح مركزية في الجهاز الوظيفي في إسرائيل( الإشارة هنا إلى وظائف تحمل سمة القرار).
وتكشفت الأحوال عن جوهر هذا الشرخ مع ميل الحكومات الإسرائيلية ومؤسساتها الرسمية إلى التشديد على إبراز يهودية الدولة وديمقراطيتها في آن واحد معًا. هذه الازدواجية التي تسعى الحكومات الإسرائيلية إلى خلقها وتأكيد وجودها ما هي إلا ازدواجية غير منطقية وتندرج في إطار الصراع السياسي والعسكري بين إسرائيل والفلسطينيين والدول العربية، وبناء عليه لم تحسن الحكومة الإسرائيلية من معاملتها لمواطنيها الفلسطينيين، بل أنها صعّدت سياسة التمييز والفصل بين المجتمعين المكونين لإسرائيل(بالرغم من أن إسرائيل تعرف ذاتها بأنها دولة الشعب اليهودي)، والكيل بمكيالين في سبيل وضع اليد نهائيا على ما تبقى من أراضي الفلسطينيين العرب في إسرائيل.
حرر التقرير د. جوني منصور، وشارك فيه كل من أنطوان شلحت، ممدوح نوفل، د. مسعود إغبارية، فادي نحاس، د. حسام جريس، د. خولة أبو بكر، د. أسعد غانم والأستاذ امطانس شحادة.