الجمعة: 27/09/2024 بتوقيت القدس الشريف

خلق شعب يهودي

نشر بتاريخ: 30/11/2009 ( آخر تحديث: 30/11/2009 الساعة: 18:22 )
كتابة : أليس دوبرو
ترجمة : نوال حاج خليل

" لقد طرد الرومانيون اليهود من الأرض المقدسة وأجبروهم على الترحال في اوروبا لمدة الفي عام حتى استطاعوا بعدها المطالبة بحقهم بوطنهم". حتى عندما كنت طفلة صغيرة , لم تبدوا لي هذه القصة صحيحة. بدأت أقرأ عن المواطنين اليهود الموجودين في أماكن ليس من المفترض ان يكونوا فيها مثل الصين, اثيوبيا, اسيا الوسطى والهند.ليس هذا فقط بل وجدت انهم يشبهون الناس الذين يعيشون بينهم, وهذا ما لا يتوافق طبعا مع رواية الكتاب المقدس او قصة الشتات. اذا كنا نحن اليهود جميعا – باستثناء من اعتنق الدين حديثا" – من سلالة داوود و سليمان , اذا ما هو تفسير بعض التناقضات في الرواية .

لحسن الحظ, جاء في هذه الفترة كتاب المؤرخ الاسرائيلي شلومو ساند "اختراع الشعب اليهودي" "The invention of Jewish People" . ان المؤلف قد جمع ودرس التاريخ والأثار وحتى المورثات البيولوجية لليهود, ليصل الى نظرية ( لو وضعت للبحث والنقاش من قبل الأكاديميين) لكانت مذهلة, ومفادها, ان التاريخ اليهودي الذي نعرفه اليوم, هو تطوير اوروبي حديث , نسج الأساطير الخيالية ,وتجاهل الحقائق التاريخية المثبتة لهذا الدين العريق.

ربما سيكون مفاجأة ان نكتشف أنه ليس هناك تاريخا مكتوبا لليهود كشعب, منذ عهد جوزيف حتى القرن التاسع عشر ( جوزيف هو القائد والمؤرخ اليهودي الذي شارك في انتفاضة اليهود ضد الرومان في القرن الأول الهجري ¬– المترجمة ). ان السبب في رأي ساند هو انه لم يكن هناك شعباً يهودياً .

ان اليهودية ليست قومية ,انها دين اعتنقه جماعات مختلفة منذ القدم ومن ثم تركوه. مهما تكن القصة , فان ساند قد شكل قضية قوية ضد رواية الكتاب المقدس الجديد التي استخدمها المسيحيون واليهود الجدد لدعم الأساس الديني للصهيونية. يمكن تلخيص رواية المؤرخ ساند كالتالي:

• ان اليهود لم يطردوا من يهودا, فقد اعدم الرومان قادة الثورة, لكنهم لم يطردوا المواطنين, سواء في يهودا او اي مكان آخر,بقي اليهود في الشرق الأوسط, ليتحول غالبيتهم الى مسيحيين ومن ثم الى مسلمين بعد القرن الثامن .

• ان ظهور اليهود في اوروبا منذ عهد الرومان, لم يكن مصحوباً بقصة شعب طرد من ارضه وبدأ الترحال من مكان لآخر.
• اليهود, كما المسيحيين والمسلمين لاحقا, كانوا يدعون الناس الى اعتناق الدين, لذلك فاٍن اعداداً كبيرة من الشرق الأوسط وشمال افريقيا واوروبا , اصبحوا يهوداً.

• يهود اليوم هم خليط متنوع من اناس اختاروا ان يبقوا يهوداً, فهم ليسوا سلالة مباشرة لشعب اسرائيل القديم أو لسكان يهودا, ومن الممكن ان يكون بعضنا لايحمل دم شرق أوسطي على الاطلاق.

وكما يقول المؤرخ ساند, كلما تعمقنا بدراسة التاريخ, " كلما وجدنا أنه ليس هناك اي قاسم عرقي علماني مشترك, يجمع بين معتنقي الدين اليهودي في آسيا , أفريقيا أو اوروبا. كل ماكان يجمعهم هو ثقافة دينية يهودية, ولم يكونوا أمة مشتتة . لذلك يمكن القول أن الرواية الدينية اليهودية , وكذلك قصة العقاب الجماعي بسبب صلب المسيح , هي اختلاقات تمت في عصر الظلام الأوروبي.

اذاً , ربما تكون نبوءة كاتب الخيال العلمي اليهودي الأميريكي اسحاق اسيموف في كتابه " كانت حياة جيدة "It’ been a good life” , قد تحققت . لقد قال في كتابه " من الممكن جدا ان يكون يهود شرق اوروبا , قد انحدروا من سلالة الخازاريين (شعوب جنوب روسيا و شرق اوكرانيا وأذربيجان - المترجمة-), أو من الشعوب التي حكموها . ربما أكون واحدا منهم . لاأحد يعلم. و لا احد يهتم ."

في الحقيقة , أنا أهتم . انه من المشوق نوعا ما , أن أعرف من أين يمكن ان يكون اجدادي الأوروبيين قد اتوا. وأظن انه مهم جداً أن يتم دائماً دحض الرباط العرقي في الصهيونية الجديدة. ربما يكون لبعض اليهود علاقة تاريخية بالأرض التي تسمى الأن اسرائيل, ولكن هذا لايمكن بأي حال ان يبرر خلق دولة ذات دين واحد فقط.

يقول ساند في ملاحظاته المكتوبة,ان الناس الذين نسميهم فلسطينيين هم بالتأكيد يضمون أحفاد يهود وشعوب أخرى سكنت تلك الأرض عبر مئات السنين , وتغيرت فيها حكومات وأديان بشكل دائم .

لايوجد نقاء كامل . لايوجد نقاء كامل . وهذه الأرض , مثل غيرها,ملك للناس الذين يعيشون عليها , دون اي اعتبار لتاريخ اندثر .