يحدث عندنا- تعمل شهرا كاملا مقابل الحصول على 200 شيقل!
نشر بتاريخ: 08/12/2009 ( آخر تحديث: 08/12/2009 الساعة: 18:04 )
جنين- تحقيق معا- يكثر الحديث عن التمييز ضد المرأة بأوجه مختلفة في المجتمع الفلسطيني؛ ويعده البعض نوعا من الترف الزائد بحكم المؤشرات التي تستخدم لقياس هذا التمييز، فيما يعتبره آخرون مخالفا لقيم وتوجهات المجتمع.
ولكن عمليات البحث والتقصي تشير إلى تمييز صارخ في بعض المجالات بشكل يتطلب الوقوف عنده، لأنه يخرج أحيانا عن حدود المقبول دينيا وأخلاقيا واجتماعيا وحتى قانونيا، ولعلّ التمييز في العمل بات يحتل مرتبة هامة في درجة الاهتمام بسبب كثرة المشاكل التي تكتظ بها النقابات في هذا المجال.
وذكر عضو اتحاد نقابات عمال فلسطين رياض كميل أن التعامل في القطاع الحكومي لا إشكالات جوهرية فيه لأن القوانين تتعامل مع الموظفين بنفس الدرجة؛ لافتا إلى أن الكارثة تكمن في التعامل مع النساء في القطاع الخاص، وتساءل: "هل لك أن تتخيل أن امرأة تعمل شهرا كاملا مقابل 200 شيقل!".
وأشار كميل إلى أن اتحاد نقابات عمال فلسطين يتلقى عشرات الشكاوى في هذا الإطار؛ حيث تتركز الانتهاكات بشكل صارخ في أربعة مجالات عمل رئيسية هي: العاملات في رياض الأطفال، الغزل والنسيج، السكرتارية في المكاتب والشركات المحلية، العاملات في المحال التجارية.
عشرة شواقل في اليوم
وقالت سهام خالد وهي عاملة في إحدى رياض الأطفال في جنين: "تجبر النساء العاملات في مشاغل الخياطة على العمل لساعات طويلة تصل إلى أكثر من عشر ساعات في اليوم الواحد".
وأضافت "لكن الاستغلال الأكبر يتم في الأجور، فتحت بند الخياطة غير الماهرة تكون أجرة اليوم الواحد للعاملة من 10-15 شيقلا (3 دولارات)، ولكن إذا تم التعامل معها كخياطة ماهرة يصبح أجرة عملها اليومي 25 شيقلا (7 دولارات).
والمؤسف في الموضوع، حسب خالد، أن الفتاة تتحول إلى فتاة ماهرة في الخياطة ولكن صاحب المشغل يستمر في التعامل معها كعاملة غير ماهرة سنوات طويلة، كما أن العاملات في هذا القطاع ليس لهن أي حقوق وفق قانون العمل، لا من حيث التأمين الصحي، أو إجازة الأمومة والرضاعة، أو مكافأة نهاية الخدمة".
بدورها، قالت منسقة المركز الفلسطيني لتعميم الديمقراطية وتنمية المجتمع "بانوراما" في جنين أماني سباعنة: "لا تقل معاناة العاملات في رياض الأطفال كثيرا عن العاملات في قطاع الغزل والنسيج، ففي محافظة جنين على سبيل المثال يوجد 147 روضة أطفال يعمل فيها 450 معلمة في ظروف سيئة للغاية".
وأضافت "يبلغ متوسط الراتب الشهري لمعلمة في روضة الأطفال 300 شيقلا شهريا (80 دولارا) ويضاف إلى ذلك أنها لا تتقاضى راتبها خلال عطلة الصيف وعطلة ما بين الفصلين، ولا تتمتع بأي حقوق كإجازات مرضية مثلا.
وأشارت إلى أن لدى مؤسستها حالة موثقة لمعلمة كانت تتوسل لصاحب الروضة التي تعمل بها من أجل منحها إجازة مرضية ليوم واحد؛ ولكنه رفض ذلك بقسوة.
ولفتت سباعنة إلى أنها تعمل على تشكيل مبادرة مجتمعية للتصدي لحقوق العاملات في رياض الأطفال؛ حيث تم توجيه رسالة إلى وزير العمل في الحكومة الفلسطينية في الضفة أحمد مجدلاني بهذا الخصوص.
استغلال متعدد الأوجه
وبيَّن عضو اتحاد نقابات العمال حسن أبو صلاح إلى أن وضع العاملات في قطاع السكرتارية لا يقل سوءا؛ حيث يبلغ متوسط راتب العاملة في هذا القطاع بين 400-600 شيقلا شهريا (100-140 دولارا)، ولا يتمتعن بأي حقوق نص عليها قانون العمل الفلسطيني رقم (7) لعام 2000.
وأكد أبو صلاح أن هذه الفئة تحديدا أكثر عرضة للابتزاز الجنسي من باقي المهن من قبل المشغلين.
وتشكو كثير من النساء من حالات تحرش جنسي من قبل المدراء والمشغلين، ولكن المشكلة أن قسما كبيرا من هؤلاء العاملات لا يجرؤن بحكم ثقافة المجتمع على الإدلاء بشكاوى مكتوبة. وسردت عاملة تحفظت على ذكر اسمها جزءا من ممارسات التحرش الجنسي الذي تعرضت له إحدى العاملات في جنين.
وأضافت: أن المرأة مدانة في المجتمع في كل الحالات؛ لذلك لا تبادر النساء إلى تقديم الشكاوى حول هذه التحرشات؛ مشيرة إلى أنها نصحت زميلتها بتقديم شكوى ولكن عوائق اجتماعية كبيرة كانت بالمرصاد.
وينوّه أبو صلاح إلى أنه لا يجب أيضا إغفال معاناة العاملات في المحال التجارية؛ حيث يبلغ متوسط راتب العاملة في هذا القطاع بين 400-600 شيقلا شهريا (100-140دولارا) ولا يتمتعن بأي حقوق نص عليها قانون العمل الفلسطيني.
القانون لا يساعد
وأكد كميل أن جزءا من المشكلة يكمن في عدم وجود قانون فلسطيني يحدد الحد الأدنى للأجور؛ وقال: "طالبنا وما زلنا نطالب بإقرار مثل هذا القانون، وعندها سيصبح بالإمكان مقاضاة مشغل مستغل بحكم القانون".
وأكمل "لقد بات إقرار هذا القانون أمرا ملحا بالرغم من أنه لن يحل المشكلة بشكل جذري، لأن الحالة الاقتصادية السيئة ستجبر النساء العاملات على الالتفاف على القانون، وحينها سنجد أن العاملة توقع على عقد خمسين شيقلا في اليوم، ولكنها تأخذ عشرين من خلال اتفاق باطني مع المشغل طالما أنها تعاني من ضائقة اقتصادية وغياب البديل".
وأوضح كميل "حاليا يوجد أشكال مختلفة للتحايل على القانون؛ فمثلا في أحد حالات نزاع العمل وجدنا أن المشغل جعل الموظفة توقع على عقد بأجرة عمل يومية بلغت عشرين شيقلا، ولكنه في حقيقة الأمر يعطيها خمسين شيقلا، حتى يقلل من قيمة مكافأة نهاية الخدمة مستقبلا والتي تحدد بناءً على الراتب الشهري".
وشدّد على أنه "لو كان لدينا قانون يحدد الحد الأدنى للأجور، فلن يتمكن المشغل من عمل ذلك، وعند ذلك سيساعد القانون في تقليل بعض أوجه الانتهاكات.
وطالبت سباعنة وزير العمل بالتحرك لعقد لجنة الأجور التي من المفترض أن يقوم مجلس الوزراء بتشكيلها بناء على توصية من وزير العمل حسب المادة 86 من قانون العمل رقم (7) لسنة 2000م وتحديد الحد الأدنى للأجور.
كما دعت لتفعيل دور وزارة العمل في الرقابة على تطبيق هذه القوانين على العاملات في القطاعات المذكورة والتأكد من حصولهن على أجور لا تقل عن الحد الأدنى للأجور؛ وعملهن لساعات لا تزيد عن 45 ساعة أسبوعياً.
كما أكدت على ضرورة حصولهن على يوم راحة واحد على الأقل في الأسبوع مدفوع الأجر والحصول على الإجازات المدفوعة الأجر المنصوص عليها في القانون حسب الفصل الأول والثاني والثالث من الباب الخامس بالإضافة إلى الباب السابع من قانون العمل رقم (7) لسنة 2000م واللوائح التنفيذية الخاصة بها.