الجمعة: 27/09/2024 بتوقيت القدس الشريف

أبو زيد: قضية الشيخ جراح تجسد فشل المجتمع الدولي في انهاء الاستيطان

نشر بتاريخ: 10/12/2009 ( آخر تحديث: 10/12/2009 الساعة: 22:29 )
القدس -معا- قالت المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأوسط ( كارين أبو زيد ) أنه من الصعب تحقيق الهدف الذي إلتزم به المجتمع الدولي بتأسيس دولتين تكون القدس عاصمة مشتركة لهما في ظل النشاط الإستيطاني وإنتهاك حقوق الإنسان الأساسية واللذين يعاني منهما المجتمع الفلسطيني في القدس الشرقية , ووصفت النشاط الإستيطاني بأنه متعدد ومعاد وبأنه وما يرافقه من عنف وتوتر يعمل على تسميم الأجواء .

وقالت كارين أبو زيد في الكلمة التي ألقتها بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان من جانب البيوت المصادرة في حي الشيخ جراح ظهر اليوم " لهذا السبب بالذات , فإنه من المناسب أن تأتي آخر زيارة رسمية لي إلى القدس كمفوض عام للأنوروا وبمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان , إلى ضاحية الشيخ جراح حيث يتجسد فشل المجتمع الدولي في تحقيق الوعد الذي قطعه الإعلان العالمي وحيث يتمثل ألم وبشاعة الطرد والتشريد والإحتلال ظاهرا وبشكل مأساوي " .

وأكدت كارين أبو زيد في كلمتها أمام أهالي حي الشيخ جراح والإعلاميين أن الأمم المتحدة ترفض الإدعاءات الإسرائيلية بأن هذه الحالات من مصادرة البيوت هي مسألة خاضعة للسلطات البلدية والمحاكم المحلية وقالت بأن تلك الإجراءات والممارسات تعد إنتهاكا للإلتزامات المفروضة على إسرائيل بموجب القانون الدولي.

وأرادت من خلال إختيارها للشيخ جراح لإلقاء كلمتها أن تذكر المجتمع الدولي بالمهمة غير المنتهية في هذا الحي وفي غيره من الأماكن في الضفة الغربية وقالت في ختام كلمتها مخاطبة المجتمع الدولي " إن المطرودين والمشردين ينبغي أن يشاهدوا أن خسارتهم معترف بها وأن الظلم الذي وقع عليهم قد تمت معالجته , وإن السلام ممكن ولكنه ممكن فقط لو قمنا بالإصرار على إنسانيتنا العالمية ".

وتأتي هذه الكلمة لها قبل أقل من شهر من إنهائها مهام منصبها كمفوض عام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين التي تنتهي في نهاية العام الحالي .
كلمة المفوض العام للأونروا كارين أبو زيد بمناسبة زيارتها الرسمية الأخيرة إلى القدس وبمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان

وفيما يلي خطابها:

تقوم الاونروا – وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين اليوم بإحياء الذكرى السنوية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهي مناسبة تمثل دلالة واضحة وقوية على التصميم الدولي لضمان التمتع الكامل بحقوق الإنسان وجعله واقعياً معاشا للبشرية جمعاء. إن التطلعات النبيلة لهذه الوثيقة السامية تجلب معها التزامات حقيقية تقع على كاهل الدول؛ وهي التزامات ثبت بأنها عالمية ولا تقع حصراً ضمن نطاق أي سلطة أو تشريع محدد.

ولهذا السبب بالذات، فإنه من المناسب بأن تأتي آخر زيارة رسمية لي إلى القدس كمفوض عام للأونروا، وبمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، إلى ضاحية الشيخ جراح حيث يتجسد فشل المجتمع الدولي في تحقيق الوعد الذي قطعه الإعلان العالمي وحيث يتمثل ألم وبشاعة الطرد والتشريد والاحتلال ظاهراً وبشكل مأساوي.

لقد قلت سابقاً أن "فلسطين" هي كناية عن الطرد والتشريد. وأن الطرد، إلى جانب الاقتلاع والتشريد، يعتبر سمة رئيسة في التجربة الفلسطينية، بل وحقيقة تكوينية للهوية الفلسطينية. إن الحقيقة وراء ذلك لا تنبثق من الطرد والتشريد الأولي الذي حدث للاجئين الفلسطينيين في عام 1948 فحسب، بل وتتعداه أيضاً لتشمل حقيقة أنه وبعد 61 عاماً فإنهم وذريتهم لا يزالون في حالة نفي إجباري ويناضلون من أجل الحفاظ على بقائهم فوق ما تبقى من وطنهم.

إن القدس الشرقية تحتل مكانة خاصة في وجدان وأفئدة الشعب الفلسطيني، وذلك كونها – ضمن جملة من الأسباب التي تعطي هذه المدينة أهمية استثنائية – المكان الذي تتجه إليه نيتهم لتكون، في يوم من الأيام، عاصمة لدولتهم الخاصة بهم. وفي الوقت الذي يلتزم المجتمع الدولي فيه بتحقيق هدف تأسيس دولتين تكون القدس عاصمة مشتركة لهما فإنه من الصعوبة بمكان تخيل كيف يمكن تحقيق ذلك في ضوء النشاط الاستيطاني وفي ظل انتهاكات حقوق الإنسان الأساسية واللذان يعاني منهما المجتمع الفلسطيني في القدس الشرقية. إن الأثر الذي يحدثه النشاط الاستيطاني في المناطق الحضرية، والذي يبدو أنه يحدث دون أي بوادر للمساءلة والعقاب، متعدد وحاد. إن التجاور الوثيق بين ثقافتين، كالذي يبدو في البناية التي خلفي، مع ما يرافقه من عنف وتوتر، يعمل على تسميم الأجواء.

وفي هذا المكان تحديداً الذي أخاطبكم منه اليوم، تكمن واحدة من أكثر الحالات التي تلقي بظلالها على المئات من اللاجئين الفلسطينيين القانطين في هذه البقعة. فمنذ منتصف الخمسينات من القرن الماضي، كانت مجموعة مكونة من 28 عائلة فلسطينية لاجئة، بما فيها عائلات الكرد وغاوي وحنون، تعيش في الشيخ جراح بعد تشريدهم القسري من بيوتهم وأراضيهم في فلسطين عام 1948، بما في ذلك أيضاً القدس الغربية وقد وجدوا طريقهم إلى هنا كجزء من برنامج إسكان فريد تم تطويره ما بين الحكومة الأردنية والأونروا في عام 1954. وكان الهدف من وراء ذلك هو مساعدتهم في أن يصبحوا مكتفين ذاتياً استعداداً لذلك اليوم الذي سيتم فيه تحقيق حل دائم لمحنتهم ومحنة المئات من الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين الآخرين.

وحتى هذه اللحظة، فإن أربعاً من العائلات الثمانية والعشرين قد فقدت بيوتها في الشيخ جراح، مشردة ما يزيد عن 55 شخصاً بينهم ما لا يقل عن 20 طفلاً. و في الوقت الحاضر، تجد ثماني عائلات أخرى نفسها تقع في دائرة الخطر المباشر للإخلاء القسري بعد أن تم تسليمها أوامر بإخلاء منازلها، مهددا بتشريد ما يصل إلى حوالي 120 شخصاً آخر. وفي كافة الانتهاكات التي حدثت حتى يومنا هذا، حل المستوطنون مكانهم في ظل حماية ومساعدة فاعلة من السلطات الإسرائيلية. إلا أن الأرقام لا يمكن أن تصف المعاناة الإنسانية والصدمة التي كانت السمة المميزة لعمليات الإخلاء القصرية هذه.

السيدات والسادة،

لقد قيل لنا أن عمليات الإخلاء القصري تلك في الشيخ جراح هي نتيجة نزاع ناجم عن التنازع على ملكية تلك الأراضي بين الفلسطينيين والإسرائيليين؛ و إنها في جوهرها لا تعدو أكثر من مسألة شخصية يتم التعامل معها من خلال المحاكم المحلية. أن الأمم المتحدة ترفض الإدعاءات الإسرائيلية بأن تلك الحالات هي مسألة خاضعة للسلطات البلدية وللمحاكم المحلية. إن تلك الاجراءات والممارسات تعد انتهاكا للالتزامات المفروضة على إسرائيل بموجب القانون الدولي.

وكما صرح الأمين العام قبل أيام قليلة، فإن الأمم المتحدة "قلقة" من استمرار عمليات التدمير والإخلاء وتثبيت المستوطنين. وإن الأونروا تدعو السلطات الإسرائيلية بإعادة كافة عائلات اللاجئين الفلسطينيين التي تم تشريدها أو إخلاؤها بالقوة من منازلها من الشيخ جراح، كما في أماكن أخرى، وان تضمن كرامة وحقوق وحريات أولئك الأشخاص وان يحظىوا بالحماية في كافة الأوقات. إن رغبة السلطات الإسرائيلية في دعم مطالبات أراضي ما قبل عام 1948 في القدس الشرقية، وفي نفس الوقت الذي تعارض مطالبات اللاجئين الفلسطينيين بأراضي ما قبل عام 1948 في القدس الغربية وغيرها من المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية ليس إجراءاً تمييزيا فحسب، بل ويقوض أسباب السلام أيضاً.

السيدات و السادة،

بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، فإنني أود أيضاً أن أسلط الضوء على محنة مجموعة تضررت كثيراً، ألا وهم البدو في الضفة الغربية. وباعتبارها السلطة المحتلة، فأن إسرائيل لا تزال مسؤولة عن ضمان تلبية الاحتياجات الرئيسة للشعب الواقع تحت الاحتلال. إلا أن العديد من البدو اللاجئين والمجتمعات الرعوية التي تم تشريدها في الأصل من أراضيها في عام 1948 يعانون اليوم من آثار متعددة للتشريد من المنطقة المصنفة إسرائيلياً كمنطقة (ج)، حيث يتم اقتلاعهم بالقوة من بيوتهم، ويبدو هذا واضحاً بشكل أكبر في محيط القدس الكبرى ومنطقة الأغوار والأراضي القريبة من المستوطنات وتلك المحاذية للجدار.

إن هذه التجمعات تعاني من انعدام الأمن الغذائي والفقر المدقع حيث أن الأراضي الرعوية تستمر بالتضاؤل وحيث أن إمكانية الوصول إلى الموارد الطبيعية مقيدة بشكل شديد من قبل السلطة المحتلة. وعلاوة على ذلك، فإن تدمير المنازل والإخلاء القسري وسبل العيش المتهالكة والفقر ومضايقات المستوطنين تعد المحفز الأساسي لعمليات التشريد التي تتعرض لها اليوم المجتمعات الرعوية في المنطقة (ج) بحيث وصلت سبل التأقلم لديهم، والمتهالكة أصلاً، إلى أقصى حدودها. إن احترام حقوقهم الكاملة لهي مسألة ملحة للغاية.

كما أنه يتم أيضاً استخدام إلغاء "حقوق الإقامة" ضد السكان الفلسطينيين في القدس الشرقية. واستنادا للتقارير الصحفية، فقد سجل العام الماضي رقماً قياسياً لعدد السكان الفلسطينيين في القدس الشرقية والذين تم تجريدهم من "حقوق الإقامة" من قبل وزارة الداخلية الإسرائيلية. وبالإجمال، قامت الوزارة بإلغاء إقامات 4577 مقدسي من القدس الشرقية في عام 2008، وذلك أكبر بواحد وعشرين مرة من معدل السنوات الأربعين الماضية.

أيها الأصدقاء،

أختتم حديثي من حيث بدأت مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. إن الفقرة الاستهلالية في ديباجة الإعلان تذكرنا بأن "الاعتراف بالكرامة المتأصلة والحقوق المتساوية وغير القابلة للتصرف لجميع أفراد الأسرة البشرية هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم". ولا يوجد مكان يمكن أن تتجلى فيه تلك العبارات فيما يخص الطرد والنفي الطويلين أكثر مما هي لدى اللاجئين الفلسطينيين. وفي الوقت الذي تستمر فيه حالة طردهم وتشريدهم وصولاً إلى الجيل الرابع، فأنه سيكون من الجيد أن نذكر أن نفس الجمعية العمومية التي أقرت الإعلان لحقوق الإنسان في العاشر من كانون الأول عام 1948 هي التي مررت القرار 194 في اليوم التالي مباشرة لتقرر بأن "اللاجئين يرغبون بالعودة إلى بيوتهم والعيش بسلام مع جيرانهم يجب أن يتم السماح لهم بفعل ذلك في أقرب وقت ممكن عملياً"

وفي هذا اليوم، ومن هذا المكان، فإنني أود أن أذكر المجتمع الدولي بالمهمة غير المنتهية في الشيخ جراح وفي غيره من الأماكن في الضفة الغربية. إن المطرودين والمشردين ينبغي أن يشاهدوا أن خسارتهم معترف بها وأن الظلم الذي وقع عليهم قد تمت معالجته. إن السلام ممكن، ولكنه ممكن فقط لو قمنا بالإصرار على إنسانيتنا العالمية.