الأربعاء: 25/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

والدة الشهيد مشهور لـ"معا": تسلُمُنا لرفاته كأنه يعود الينا حياً

نشر بتاريخ: 12/12/2009 ( آخر تحديث: 12/12/2009 الساعة: 18:00 )
رام الله - خاص معا - لم تجد الحاجة أمينة يوسف علي (75 عاما)، افضل من الاحتفاظ ببعض ملابس ولدها مشهور العاروري في خزانتها طيلة 34 عاما لكي تتذكره كلما شاهدت تلك الملابس، سيما ان الاحتلال حرمها من رؤيته حتى بعد استشهاده وما زال يحتجز جثمانه في مقبرة الأرقام.

ورغم ان تلك الام علمت بنبأ استشهاده قبل 33 عاما، الا انها مازلت تنتظر عودة رفاته اليها، لالقاء نظرة عليه ووداعه قبل ان يتم إعادة دفنه من جديد حسب التعاليم الإسلامية، وقالت الحاجة امينة لـ "معا" 34 عاما وأنا انتظر عودته الينا لان تسلم جثمانه نعتبرها كأنه يعود ألينا حيا.

وتحرص الحاجة امنية على اخراج بنطال وجاكيت مشهور من بين ملابسها بين الفينة والاخرى لانها تعتبر ذلك الية تواصل بينها وبينه وتقول " كلما اشتقت اليه اذهب للخزانة لكي اشتم رائحته من خلال ملابسه التي كان يستخدمها قبل سفره للخارج من اجل مواصلة تعليمه الجامعي".

وتعود قصة مشهور العاروري الى عام 1975 حينما قرر مغادرة الارض الفلسطينية والسفر للخارج من اجل استكمال دراسته الجامعية، حيث التحق بصفوف الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، ولم يمض وقت طويل حتى عاد الى فلسطين متسللا من الحدود الاردنية على رأس مجموعة فدائية مؤلّفة من ثلاثة مقاتلين فلسطينيين الشهيد حافظ وحيد أبو زنط من نابلس والشهيد خالد أبو زياد من مواليد البصة من قضاء يافا، حيث عبرت تلك المجموعة بتاريخ 17 أيّار 1976، الحدود الأردنيّة واستهدفت الدورية حسب أوامر قيادتها الوصول إلى مدينة نابلس، غير أنها اصطدمت بكمين قرب معسكر الجفتلك، حيث وقعت معركة عسكرية استمرت لساعات استشهد فيها الثلاثة.

ومنذ ذلك الحين والحاجة امينة تتابع اية معلومات تدلل على مكان وجود ولدها مشهور حيث كانت سلطات الاحتلال تتكتم عن الافصاح عن اية معلومات حول مكان دفن جثمانه خاصة وان علمت باستشهاده من قريب لها يعمل كان يعمل في دولة الكويت حينها.

وتقول الحاجة امينة، وصلنا نبأ استشهاد مشهور بعد اسبوعين من تنفيذ العملية العسكرية ولكننا لم نعلم مكان دفن جثمانه، واستمر هذا الحال طيلة هذه المدة الطويلة.

وتستعد عائلة العاروري الذي تعيش في قرية عارورة شمال رام الله، لاستقبال رفات مشهور بعد ان حصل محامي مركز القدس للمساعدة القانوني على هيثم حطب على قرار القائد العسكري في الضفة الغربية بالموافقة على تسليم جثمان الشهيد إلى أسرته.

ويقود هذا القرار الاسرائيلي الذي يمثل افراجا عن رفات الشهيد، الى اعادة الحاجة امينة الى الايام الاولى التي تلقت فيه نبـأ استشهاده والالم والحزن الذي شعرت فيه باستشهاده، لكنها تؤكد في الوقت ذاته ان عودته اليها سيؤدي الى انهاء فصل طويل من معاناة الانتظار.

وتقول الحاجة امينة بافتخار" مهما كان الجرح بليغ وصعب، فاننا ننتظر بفارغ الصبر تسلمنا رفاته"، مؤكدة ان ما قام به مشهور يرفع له الرأس والمعنويات لانه قدم روحه من اجل وطنه".

وأضافت " لا استطيع ان اعبر عن فرحتي بنبأ امكانية تسلمنا رفات ابننا الشهيد، وها نحن ننتظر تنفيذ هذه القرار بفارغ الصبر".

واعتبر مركز القدس للمساعدة القانونيّة وحقوق الإنسان الذي يقود الحملة الوطنية للكشف عن مصير الاف المفقودين والافراج عن جثامين الشهداء الذين تحتجزهم اسرائيل في مقابر الارقام، هذا القرار بانه يمثل تطور جديد على صعيد الحملة الوطنيّة لاسترداد جثامين الشهداء والكشف عن المفقودين.

وحسب طلب الالتماس الذي قدمه المحامي الى محكمة العدل العليا الاسرائيلية فانه يطالب بالسماح لعائلة الشهيد مشهور صالح الوصول إلى قبر ابنها للتأكد من انه توفي بالفعل، عبر استخدام فحص الحمض الريبي النووي "DNA"،على ان يتم بعدها نقل الجثمان إلى مدفن العائلة في بلدته عارورة، ليتسنى لذويه الدفن حسب التقاليد الإسلامية.

وأوضح المركز أن الالتماس قد طالب السلطات الإسرائيليّة، في حالة عدم تسليم الجثمان، بأن تسمح زيارة قبر الشهيد بشكل دوري من قبل ذويه للصلاة عليه. إضافة إلى ذلك، فقد أكد الالتماس أهمية إبلاغ الأهل بشكل رسمي بمكان الدفن وإعطاء شهادة رسميّة تؤكّد الدفن حسب التقاليد الدينيّة الإسلامية.

وتعتبر "إسرائيل" الدولة الوحيدة في العالم التي تفرض عقوبات على الجثث، حيث تحتجز اعداداً غير معروفة من جثث الشهداء الفلسطينيين والعرب الذين استشهدوا في مراحل مختلفة من الكفاح الوطني، واقامت لهذه الغاية مقابر سرية عرفت باسم مقابر الأرقام، حيث كشف النقاب عن أربع مقابر كهذه، فضلاً عن احتجاز جثث أخرى في ثلاجات.

ويعرف المركز هذه المقابر بإنها عبارة عن مدافن بسيطة، محاطة بالحجارة بدون شواهد، ومثبت فوق القبر لوحة معدنية تحمل رقماً معيناً،ولهذا سميت بمقابر الأرقام لأنها تتخذ الأرقام بديلاً لأسماء الشهداء. ولكل رقم ملف خاص تحتفظ به الجهة الأمنية المسؤولة، ويشمل المعلومات والبيانات الخاصة بكل شهيد.

وحسب ما نشره المركز من معلومات عن مقابر أرقام فهي موزعة على النحو التالي ، مقبرة الأرقام المجاورة لجسر " بنات يعقوب " و تقع في منطقة عسكرية عند ملتقى الحدود الإسرائيلية – السورية – اللبنانية، ويوجد فيها ما يقرب من 500 قبر فيها لشهداء فلسطينيين ولبنانيين غالبيتهم ممن سقطوا في حرب 1982.

اما المقبرة الثانية فهي الواقعة في المنطقة العسكرية المغلقة بين مدينة أريحا وجسر داميه في غور الأردن، وهي محاطة بجدار، فيه بوابة حديدية معلق فوقها لافتة كبيرة كتب عليها بالعبرية " مقبرة لضحايا العدو " ويوجد فيها أكثر من مائة قبر، وتحمل هذه القبور أرقاماً من " 5003 – 5107 " (ولا يعرف إن كانت هذه الأرقام تسلسليه لقبور في مقابر أخرى أم كما تدعي إسرائيل بأنها مجرد إشارات ورموز إدارية لا تعكس العدد الحقيقي للجثث المحتجزة في مقابر أخرى).

وهناك مقبرة " ريفيديم " وتقع في غور الأردن، اما المقبرة الرابعة فهي مقبرة " شحيطة " وتقع في قرية وادي الحمام شمال مدينة طبريا الواقعة بين جبل أربيل وبحيرة طبريا، وغالبية الجثامين فيها لشهداء معارك منطقة الأغوار بين عامي 1965 – 1975.

وفي الجهة الشمالية من هذه المقبرة ينتشر نحو 30 من الأضرحة في صفين طويلين، فيما ينتشر في وسطها نحو 20 ضريحاً، ومما يثير المشاعر كون هذه المقابر عبارة عن مدافن رملية قليلة العمق، ما يعرضها للانجراف، فتظهر الجثامين منها، لتصبح عرضة لنهش الكلاب الضالة والوحوش الضالة، معتبرا ان مقابر الأرقام تمثل إهانة لإنسانية الإنسان، في حياته وبعد موته.