الإثنين: 06/01/2025 بتوقيت القدس الشريف

سياسة اسرائيل في المناطق "C" تمنع 70% من الفلسطينيين من البناء فيها

نشر بتاريخ: 24/12/2009 ( آخر تحديث: 24/12/2009 الساعة: 15:28 )
بيت لحم- معا- تناول تقرير خاص صادر عن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية للامم المتحدة سياسة التخطيط وتقسيم المناطق التي تتبعها السلطات الإسرائيلية في المنطقة "ج" في الضفة الغربية.

وبناء على هذه السياسة، يمنع الفلسطينيون فعليا من البناء في حوالي 70 بالمائة من أراضي المنطقة "ج"، كما تطبق إسرائيل في نسبة 30 بالمائة المتبقية سلسلة من القيود التي تلغي عمليا إمكانية الحصول على تراخيص للبناء، ولا تسمح السلطات الإسرائيلية من الناحية الفعلية للفلسطينيين عامة بالبناء إلا ضمن الخطة التي صادقت عليها إسرائيل، وتشمل هذه الحدود أقل من واحد بالمائة من مساحة المنطقة "ج"، ومعظم هذه المساحات عليها مبان بالفعل.

ونتيجة لذلك، وحسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية للامم المتحدة، فإنه لم يعد أمام الفلسطينيين من خيار سوى البناء "غير القانوني" مما يعرض مبانيهم لخطر الهدم كما يعرضهم أنفسهم للتهجير القسري، ولهذه السياسة المتبعة آثار واسعة النطاق على جميع سكان الضفة الغربية.

كما وطبقت الحكومة الإسرائيلية منذ بداية الاحتلال في عام 1967 سلسة من التدابير التي تقيد استخدام الفلسطينيين للأرض والموارد في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتمثل أحد الأساليب الرئيسية التي اتبعتها إسرائيل لتحقيق ذلك في تطبيق سياسات تقيد تخطيط وتقسيم المناطق في المجتمعات الفلسطينية، وما زال مفعول هذه القيود ساريا على ما يزيد عن 60 بالمائة من أراضي الضفة الغربية التي صنفت في اتفاقيات أوسلو المبرمة في تسعينات القرن الماضي باعتبارها المنطقة "ج".

وبالرغم من أن الاتفاق المرحلي الموقع عام 1995 دعا إلى نقل الصلاحيات والمسؤوليات في مجال التخطيط وتقسيم المناطق في المنطقة "ج" من الإدارة المدنية الإسرائيلية إلى السلطة الفلسطينية تدريجيا، إلا أنّ هذا النقل لم يطبّق قط.

ونتيجة لذلك، وبالرغم من أن التدابير المتفق عليها في الاتفاق المرحلي كان من المفروض أن تبقى سارية المفعول لفترة لا تتجاوز عام 1999، إلا أنه وبعد 10 سنوات، ما زال إنشاء أي بناء في المنطقة "ج"، سواء كان ذلك البناء منزلا خاصا، أو حظيرة حيوانات أو حتى مشروع بنية تحتية ممولا بأموال جمعت من التبرعات، يستلزم الحصول على تصريح من الإدارة المدنية الإسرائيلية، التي تخضع لوزارة الجيش الإسرائيلية.

وتحظر سياسة التخطيط التي تطبقها الإدارة المدنية الإسرائيلية عمليا على الفلسطينيين إقامة أي بناء فلسطيني في حوالي 70 بالمائة من المنطقة "ج"، أو ما يقرب من 44 بالمائة من الضفة الغربية، وذلك في المناطق التي خصص أغلبها لاستخدام المستوطنات أو الجيش الإسرائيلي، وهذه تشمل المناطق التي وضعت في نطاق اختصاص المجالس المحلية والإقليمية في المستوطنات الإسرائيلية (ومعظمها أعلن في السابق على أنها أراضٍ "مملوكة للدولة")، والمناطق التي أغلقها الجيش الإسرائيلي لغرض التدريب، إضافة إلى المحميّات الطبيعية، والقواعد العسكرية الإسرائيلية و"منطقة عازلة" حول الجدار.

أما في نسبة 30 بالمائة المتبقية من المنطقة "ج" (أي حوالي 18 بالمائة من الضفة الغربية)، فتُطبّق سلسلة من القيود الأخرى التي تحد بصورة بالغة من إمكانية الحصول على تراخيص بناء.

وللحصول على ترخيص للبناء، يجب أن يكون البناء المقترح متوافقا مع المخططات التنظيمية – الإقليمية، أو الهيكلية أو المفصلة، ولا تسمح السلطات الإسرائيلية للفلسطينيين عموما بالبناء إلا في حدود مخطط تفصيلي أو خاص للإدارة المدنية الإسرائيلية، ولا تشمل هذه المخططات سوى أقل من واحد بالمائة من المنطقة "ج"، معظمها عليه مبان أصلا.

ولم يصادق على مثل هذه المخططات سوى في عدد قليل من القرى الفلسطينية الواقعة في المنطقة "ج" وهي لا تلبي احتياجات المجتمعات الفلسطينية، وعلاوة على ذلك، تستبعد معظم الأراضي المملوكة ملكية خاصة أو عامة والواقعة على أطراف هذه القرى والضرورية لتطورها.

وفي معظم القرى الواقعة في المنطقة "ج"، والتي لم تعد الإدارة المدنية الإسرائيلية مخططات تنظيمية فيها، يسمح نظريا بإقامة عدد محدود من الأبنية، ولكن بشرط أن تستوفي هذه الأبنية إمكانيات البناء المحدودة التي تسمح بها المخططات الإقليمية الموضوعة في عهد الانتداب في الأربعينات، هذه المخططات تصنف معظم المنطقة "ج" كمنطقة "زراعية"، وهي غير ملائمة لتلبية الاحتياجات الحالية.

والتفسيرات الإسرائيلية المقيدة لهذه المخططات تجعل من المستحيل، على الفلسطينيين الحصول على تراخيص بناء وفقا لها، حيث لا يمنح النظام الحالي الذي تطبقه الإدارة المدنية الإسرائيلية أي دور للفلسطينيين في تقسيم المناطق في أراضي المنطقة "ج"، كما لا يُسمَح لهم بالمشاركة بأيّ معطيات تتعلق بتطوير المخططات الخاصة بمجتمعاتهم أو في الموافقة على البناء، فقد قضت التعديلات الإسرائيلية التي أدخلت على قانون التخطيط الأردني الذي كان ساري المفعول في بداية الاحتلال على مشاركة المجتمع الفلسطيني في مثل هذه المهمات، وجعلت المسؤولية عنها متمركزة في يد الإدارة المدنية الإسرائيلية.

ونتيجة لسياسة التخطيط المقيدة هذه، فإن عشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين يرغبون في البناء في معظم أجزاء المنطقة "ج"، لم يجدوا أمامهم خيارا آخر سوى البناء غير المرخص في أراضيهم من أجل تلبية احتياجاتهم من السكن معرضين مبانيهم لخطر الهدم ومعرضين أنفسهم للتهجير القسري.

وخلال عام 2009، سجل مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة 180 عملية هدم نفذتها السلطات الإسرائيلية لمبان يمتلكها الفلسطينيون في المنطقة "ج"، ونتيجة لذلك جرى تهجير 319 فلسطينيا من بينهم 167 طفلا.

وتعد المجتمعات المستهدفة بعمليات الهدم هذه من أكثر المجتمعات ضعفا في الضفة الغربية، وبالرغم من توقف عمليات الهدم منذ منتصف تموز/يوليو 2009، إلا أن السلطات الإسرائيلية واصلت توزيع أوامر وقف البناء والهدم على سكان المنطقة "ج" حيث يتهدد آلاف المباني خطر الهدم.

وتشير معلومات أصدرها مكتب المدعي العام الإسرائيلي في أوائل كانون الأول/ديسمبر 2009 إلى أن حوالي 2,450 مبنى من المباني التي يمتلكها الفلسطينيون في المنطقة "ج" هدمت نظرًا لعدم حصولها على ترخيص للبناء خلال 12 عاما الماضية.

وتسهم سياسة التخطيط الإسرائيلية في المنطقة "ج" مباشرة في ظروف الحياة التعيسة التي يواجهها الفلسطينيون القاطنون في الضفة الغربية، فبالإضافة إلى الصعوبات التي يواجهها أولئك المهجرون جراء عمليات هدم المنازل، فإنّ عدم القدرة على تنفيذ البناء القانوني يؤثر بصورة مباشرة على توفير الخدمات الأساسية للسكان وأسباب العيش كذلك.

فعلى سبيل المثال، رغم نقل مسؤولية توفير الخدمات التعليمية والصحية للفلسطينيين القاطنين في المنطقة "ج" إلى السلطة الفلسطينية بناء على الاتفاق المرحلي، إلا أن الصعوبات التي يتواجهها السكان في الحصول على تراخيص البناء من الإدارة المدنية الإسرائيلية لإنشاء أو توسيع المدارس والعيادات تعيق بدرجة كبيرة الوفاء بهذه المسؤولية.

وبصورة مماثلة، لا تستطيع السلطة الفلسطينية الشروع بأي مشروع واسع النطاق لتحسين البنى التحتية في المنطقة "ج" دون الحصول على موافقة الإدارة المدنية الإسرائيلية.

أما بالنسبة لمربي الماشية والمزارعين، فقد تضررت مصادر رزقهم نظرا لعدم قدرتهم على بناء حظائر للماشية أو إنشاء بنية تحتية زراعية، إلى جانب قدرتهم المحدودة في الوصول إلى الأراضي المصنفة على أنها مناطق تدريب عسكرية ومحميات طبيعية.

أما بخصوص المجتمع الدولي، فإن صعوبة الحصول على ترخيص بناء، بما في ذلك مشاريع البنى التحتية الأساسية، يصعب من محاولتها توفير المساعدات الإنسانية الأساسية لبعض المجتمعات الأكثر ضعفا في الضفة الغربية.

ومع زيادة وتوسع السكان الفلسطينيين، فإن الضرر الذي تلحقه سياسة التخطيط والتنظيم المدني الحالية يزداد خطورة، نظرا لحاجة الفلسطينيين الماسة، أكثر من أي وقت مضى، للحيز الضروري لنمو مجتمعاتهم الطبيعي.

إضافة إلى ذلك، فإن استمرار سيطرة إسرائيل على التخطيط وتقسيم المناطق في المنطقة "ج" "أصبح "قيدا يزداد خطره بصورة متواصلة على النشاط الاقتصادي الفلسطيني، كما أفاد البنك الدولي.

في حين أن الإدارة المدنية الإسرائيلية وضعت قيودا صارمة على حركة البناء الفلسطيني في المنطقة "ج"، إلا أنها وضعت ممارسات الموازية للمستوطنات الإسرائيلية، وبالرغم من تقاعسها عن وضع مخططات تفي بمتطلبات القرى الفلسطينية الواقعة في المنطقة "ج"، فقد أقرت مخططات تفصيلية لجميع المستوطنات الإسرائيلية تقريبا الواقعة في الضفة الغربية.

وليس ذلك فحسب، ففي حين أن الفلسطينيين مستبعدون من المشاركة في عملية التخطيط، تشارك المستوطنات مشاركة كاملة في نشاطات التخطيط وتقسيم المناطق وغالبا ما تكون مسؤولة عن نشاطات التنفيذ داخل مناطق الاستيطان، لقد أسهمت سياسات التخطيط هذه في توسع المستوطنات الإسرائيلية بما يخالف القانون الدولي.

وبالرغم من إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي أواخر شهر تشرين الثاني/نوفمبر عن تجميد جزئي للبناء الجديد في المستوطنات، إلا أن هذا التجميد محدود النطاق والمدة الزمنية، كما كان لتأسيس المستوطنات الإسرائيلية تبعات خطيرة على الشعب الفلسطيني، بما في ذلك تقليص مساحات الأراضي المخصصة لاستخدام الفلسطينيين وتطورهم، وفرض قيود صارمة على الحركة، والتعرّض لعنف منهجي على أيدي المستوطنين.

وان إسرائيل بصفتها الدولة المحتلة، تقع على عاتقها -وفق القانون الدولي الإنساني- مسؤولية ضمان تلبية الاحتياجات الأساسية للشعب الواقع تحت الاحتلال، فإسرائيل ملزمة أيضا بإدارة احتلالها بأسلوب يأخذ بالحسبان منفعة السكان الفلسطينيين المحليين، لا أن تنقل شعبها للعيش في الأراضي المحتلة.

وكذلك، يجب على إسرائيل، وفق قانون حقوق الإنسان الدولي، أن تضمن تمتع الأشخاص الواقعين تحت سلطان قضائها بحقوقهم الإنسانية، بما في ذلك الحق في السكن الملائم، والرعاية الصحية، والتعليم، والمياه، وغيرها من الحقوق.

ومن أجل تحسين الوضع الحالي، يجب أن توقف الحكومة الإسرائيلية فورا عمليات الهدم في المنطقة "ج"، وأن تتبنى تدابير تضمن تلبية احتياجات الفلسطينيين من التخطيط، إضافة إلى ذلك، وبناء على عدم شرعية المستوطنات وفق القانون الدولي الإنساني، يجب على إسرائيل أن تتوقف عن نقل سكانها المدنيين إلى المستوطنات المقامة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأن تجمّد جميع النشاطات الاستيطانية وأن تفكك البؤر الاستيطانية.