غياب الحوار والعقل المحب وقلة الدخل.. أسباب تدفع للمشكلات الأسرية
نشر بتاريخ: 29/04/2006 ( آخر تحديث: 29/04/2006 الساعة: 11:36 )
غزة- معا- رأى عدد من المواطنين والمختصين في علم النفس، أن غياب الحوار, والعقل المحب, والتسامح بين الأفراد, من شأنه أن يحدث الشجار بين أفراد الاسر, والذي قد يتطور ويتسع لتدخل فيه أسر وعائلات أخرى.
ولمعرفة الأسباب المؤدية إلى حدوث المشاكل بين أفراد الاسرة, أجرت مراسلة "معا" عدة لقاءات مع العديد من ربات البيوت والأخصائيين في الفلسفة وعلم النفس, تبين من خلالها وجود عدة أسباب جوهرية للشجار العائلي, وقد قدموا بعض المقترحات للخروج منها.
حسن ميّ النوراني دكتور الفلسفة وعلم النفس والداعي إلى تأسيس حزب الحب يرجع نشوب المشاكل الأسرية إلى الخلافات بين الأفراد والتباينات في وجهات النظر حول مسألة من المسائل وغياب ما أسماه بالعقل المحب حيث فسر لحظات الغضب بتلك اللحظات التي تصبح السيطرة فيها للعقل المتوحش ما قبل التطور, وأن العقل الغاضب لا يفكر بالعواقب, وأن الأفراد بتعزيزهم لمبدأ الحب يستطيعوا التغلب على الخلافات وتفادي نشوب الشجارات, وأن التروي والمرور من العصبية الضيقة إلى المعالجة الايجابية للأمور هي من أنجح الوسائل لإشاعة الحب والتغلب على الشجارات الأسرية وكل أنواع الشجار والخروج منها بسلام.
وينصح النوراني باعتماد أسلوب العد من 1 - 10 قبل الرد على الإساءة لما يعقبه من ردود أكثر عقلانية وإقناع, مبيناً في ذلك بأن الضمير الأخلاقي غير غائب من حياة الأفراد وأنه حتى الحيوانات لها ضمير أخلاقي.
ويذكر النوراني بحادثة قتل فيها الأسد صاحبه, ولوجود ما أسماه بالضمير الأخلاقي قام الأسد بعد ذلك بالانتحار, لافتاً إلى أن الشجار العائلي لم يكن ظاهرة جديدة تواجهها الأسر ولكن الجديد يجب أن يكون في وجود أفراد قادرين على نشر الحب وروح التسامح ويكون الجديد هو التخفيف منها بشكل كبير يظهر من خلاله تطور المجتمعات.
وقال النوراني إن النبي (صلى الله عليه وسلم) ربط بين الإيمان والحب في قوله" لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولن تؤمنوا حتى تحابوا".
ومن جانبها رأت المواطنة نهى عليان أن تمييز الآباء في المعاملة بين الأبناء هو من المسببات التي باتت واضحة ومتكررة في العديد من العائلات لحدوث المشاكل الأسرية, مبينة أن تمييز الأخ الأكبر في المعاملة من قبل الآباء على حساب باقي إخوته قد يخلق نوعاً من الشجار بين الأبناء.
وذكرت أن أكثر ما يزعج الأخوة الصغار في غالب الأحيان عدم السماح لهم بالتعبير عما يضايقهم وسماعهم من الأهل دوماً" لما أخوك الكبير يتكلم أنت تسمع وبس", و" لازم تحترم أخوك الكبير مهما يعمل", ويغفل بعض الآباء عن المردود السلبي على أبنائهم حيث يشعر الأبناء الأصغر سناً بهذا التمييز شيئاً فشيئاً مما يولد الحساسية المفرطة بين الأبناء.
وتتابع, يمنح الأهل الثقة في أغلب الأوقات للابن الأكبر دون النظر إلى ما قد يصدر عنه من أخطاء في الوقت الذي من الممكن أن يصدر عن الإخوة الأصغر سناً رأياً أكثر نضجاً ووعياً مما يضطرهم فجأة وعلى أي موضوع سيفتح للنقاش فيما بعد داخل الأسرة من الانفجار والتعبير عن هذا الضيق بالشجار.
وترى المواطنة أم سمير بارود والتي تجاوزت الستين من العمر أن المشاكل الأسرية قد تنشب من اعتقاد الأبناء بأن الأم تحب أحدهم أكثر من الآخر بمداعبتها أحد الأحفاد أكثر من الآخرين.
وتستطرد موضحة بأنه قد يتميز أحد الأحفاد عن الآخرين بهدوء الطبع وخفة الظل واعتماده الدائم المناداة على جدته والبحث عنها والجلوس في حضنها مما يجعله الأقرب لها وأنه لا يوجد أسباب أخرى لاهتمامها بذلك الحفيد.
وتنصح بارود الأمهات أن يعتمدن التوازن في الاهتمام بين الأحفاد جميعا لتفادي ردود الفعل الصادرة من الأبناء كما أن عليهن عند معاتبة الأبناء لهن بهذا الشأن أن لا يغضبن من هذا الظن المخالف لشعورهن وأن يوضحن سوء الفهم هذا بكل ود وحب حتى لا يتطور إلى شجار.
وبدورها اعتبرت أم محمد (42 عاماً) أم لتسعة أبناء أن عدم توفر دخل للأسرة قد يخلق نوع من أنواع الشجار حيث نصحت جميع الزوجات التحلي بالصبر لكي لا يتطور العتاب والشجار البسيط بين الزوجين إلى شجار عنيف لا تحمد عقباه.
واستعرضت أم محمد تجربتها في هذا قائلة:" زوجي كريم جداً وحنون على الآخر ولو خيروني بين كنوز العالم وهو على فقره لاخترته ولكن..!!" مضيفة أن المتطلبات الحياتية اليومية في الفترة الأخيرة في ظل الالحاح الشديد من أبنائها على تلبية المتطلبات المدرسية إلى جانب مصروفات البيت التي لا تنتهي على حد تعبيرها أصبحت كل هذه الأمور تضغط على أعصابها مما أفقدها صبرها الذي توفر لديها في السابق وجعلها تعاتب زوجها عتابا غاضباً وتطلب منه البحث عن فرصة عمل داخل القطاع وتدعوه إلى عدم الاستسلام لمنع إسرائيل العمال الفلسطينيين من العمل.
وتتابع أم محمد أنها تتفهم الضغط النفسي الواقع على زوجها من سوء الوضع الذي يعاني منه العمال العاطلون عن العمل وأن ذلك العتاب أرادت منه إعطاء دفعة قوية لزوجها لكي يتطلع إلى الأفضل دائما وأن لا يستسلم للأزمات.
ونصحت رشا ( 30 عاماً) بتقديم بعض التنازلات لتسيير الكثير من الأمور التي قد تظهر بين الأزواج أو حتى على مستوى الأسرة بوجه عام مبينة أن الكثير من القضايا لا تعالج بالعنف والعناد.
وتتابع قائلة:" لا أتذكر يوماً بأنه نشب بيني و بين زوجي أي شجار, ذلك لأننا نعتمد أسلوب الحوار الذي يقدم كل منا خلاله بعض التنازلات للآخر" مستطردة القول" أتذكر ما قالته لي أمي عندما تزوجت بأنني إذا كنت زوجة صالحة فان معاملة زوجي لي ستكون ممتازة وأن التنازل واعتماد الحوار هو من الحكمة وليس من الضعف.
وترى رشا أن تقديم التنازلات من كلا الطرفين هو الحل الأمثل لتفادي أي شجار قد ينشب داخل الأسرة, معبرة عن انزعاجها ممن تكون ردات فعلهم عنيفة وتفتقر شخصياتهم إلى الميل للحوار من أجل معالجة الأمور مبينة أن التدافع والتشاحن بين الأفراد قد يؤدي إلى القتل أحيانا ويفسد ذلك الترابط الأسري الجميل.
وبدوره أكد أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر محمد عبد الواحد أن التعامل مع المواقف بحكمة من شأنه إحداث التغيير في سلوك الآخرين نحو تهذيب النفس وتفادي نشوب أي شجار قد ينشب بين أفراد الأسرة ضاربا من الأمثال في حياة الصحابة ما يفيد المجتمع الفلسطيني المعاصر حيث قال: إن عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف كان قد حضر يوماً إلى منزله فوجد زوجته عابسة فسألها عن السبب فأجابت: ما وجدت أسوأ من أهلك وعشيرتك فرد قائلا:" إذا أيسرنا آتونا وأن أعسرنا تركونا" مبيناً لها أن الأهل يطالبون أبناءهم عندما يشعرون بأنهم في يسر من المال وأنهم يسقطوا عنهم جميع الحقوق الملزمين بها نحوهم إذا واجهتهم ضائقة مالية ليبين لها مدى رحمة الأهل بأبنائهم.