الجمعة: 04/10/2024 بتوقيت القدس الشريف

وحدات سكنية طينية بالقطاع مقترح الأونروا فلماذا يرفضه الكثيرون؟

نشر بتاريخ: 06/01/2010 ( آخر تحديث: 06/01/2010 الساعة: 17:03 )
غزة- تحقيق معا- منتصف الشهر الماضي قبل ان يطوي عام 2009 صفحته كان هناك مقترحا لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" لإنشاء وحدات سكنية من الطين هدفها إيواء العائلات الفلسطينية المشردة بالعراء بعد أن دمر الاحتلال منازلها ولم يتم إعادة إعمارها لعام كامل.

مقترح قوبل بالرفض التام من قبل اتحاد المقاولين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، اقل ما قيل عنه انه يعطي مسكنات إضافية للشعب الفلسطيني بعد نكبته في عام 1948 ويتجاهل موضوع إعادة الإعمار كما تجاهلت الحلول الأممية السابقة مواضيع عدة من ضمنها حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وأراضيهم التي شردوا منها وتعويضهم عن ممتلكاتهم التي سلبها المحتل الإسرائيلي.

أما على أرض الواقع وبعيدا عن لغة السياسة فإن لهذا المقترح آثار ونكبات اقتصادية وبيئية وخيمة على المجتمع الغزي عدا عن آثاره وسلبياته السياسية التي تقول للغزيين: "عليكم التكيف مع واقع الحصار" وبذلك تضعف كل النداءات المطالبة برفعه والداعية لفتح المعابر وإدخال مواد البناء لضمان إعمار حقيقي للقطاع الذي دمرت فيه قرابة 3 آلاف وخمسمائة منشأة سكنية بشكل كامل وخمسين ألف منشأة بشكل جزئي ومتفاوت.

الرافضون كثر منهم اتحاد المقاولين الذي يقوم بعملية إقناع لكافة المقاولين لكفهم عن طرح عطاءات لهذا المشروع والذي يقترح إنشاء 119 وحدة سكنية من الطين في محافظات قطاع غزة.

البدء بهذا التحقيق حمل خبرا جديدا وهو ما قال عنه اتحاد المقاولين الفلسطينيين بالقطاع حول موافقة وكالة الغوث على الجلوس مع كافة أعضاء المجلس التنسيقي لإعادة إعمار القطاع المشكل مؤخراً والتنازل مؤقتا عن فكرة بناء المشروع والبدء بحل مبدئي لا يتجاوز طرح عطاء لبناء 6 وحدات سكنية كتجربة أولى.

اما الاونروا ذاتها فيؤكد الناطق باسمها عدنان أبو حسنة انه لم يتم بالمطلق التوصل لهذا الحل بل سيتم البدء بالوحدات الست كبداية للمشروع الذي لن يتم إلغائه من منطلق أنه مشروع إسكالن إنساني مؤقت كبديل عن الخيمة وبيوت الصفيح.

مخاطر سياسية

أما مخاطر المشروع سياسيا والتي يرفض المقاولون وغيرهم التجاوب معه بناء عليها فكما يقول رئيس الاتحاد في رام الله المهندس عادل عودة، أن أسباب الاتحاد لرفضه كثيرة أهمها أن هذا المشروع سيخلق العديد من المخاطر والمشاكل السياسية والبيئية والاقتصادية، ما يؤكد على أن الحصار وإغلاق المعابر سيستمر، وسيفرض علينا التفكير في كيفية التعايش في ظل هذا الحصار، وان مشروع إعادة اعمار غزة الذي طرح في مؤتمر شرم الشيخ لن يكتب له النور، ما يعني أن قضية اعمار غزة أصبحت قضية وهمية، متسائلا:" فبدلا من أن يؤجل الاعمار، لماذا لا تؤجل الخلافات ونبدأ بالإعمار؟
أما رئيس الاتحاد في قطاع غزة م. أسامة كحيل فيصف هذا المشروع بالانتحار الاقتصادي والبيئي ويقول أن المخاطر السياسية المحدقة به كبيرة تتمثل في أنه عبارة عن مسكن اعتاد المجتمع الدولي على منحه للشعب الفلسطيني منذ تشريده في العام 1948 وان الحديث عن انه مشروع مؤقت هو حديث عار عن الصحة لأن الحلول السابقة التي سيقت للشعب الفلسطيني كما يقول قيل حينها أنها مؤقتة إلا أنها اليوم دائمة وإستراتيجية يبنى عليها عدا عن أنها تضعف الضغط الدولي اللازم على الاحتلال لرفع الحصار وفتح المعابر.

ولكن ما مصير أموال المؤتمرات الدولية لإعادة إعمار القطاع يقول كحيل:" إن كافة التعهدات الدولية للضغط علي إسرائيل لفتح المعابر وإدخال مواد البناء خلال مؤتمرات إعادة الإعمار بدءا من مؤتمر شرم الشيخ الذي عقد بعد الحرب مباشرة مرورا بالمؤتمرات التي عقدت في لبنان اسطنبول وغيرها من دول العالم فإن هذا المشروع يأتي بالاتجاه المعاكس تماما لكافة التوجهات الوطنية والإقليمية الدولية".

ويتخوف كحيل من ان هذا المشروع يساق على انه فقط لـ 120 وحدة سكنية فيما يدور الحديث كما يعتقد عن مباني أضعاف هذا العدد بكثير بالإضافة إلي أن هناك العديد من المؤسسات كانت بصدد تتبع خطوات تلك المؤسسة ولكنها تراجعت بعد أن تم تسليط الضوء على ما ينطوي عليه هذا المشروع من مخاطر سياسية وبيئية واجتماعية وأمنية واقتصادية.

مخاطر اقتصادية

أما المخاطر الاقتصادية الناتجة عن المشروع فهي تتمثل كما يقول م. عودة بمواد التشطيبات الداخلية لوحدات الطين السكنية، والتي سيتم استيرادها عبر الأنفاق ما يعني أن كلفة هذه المشاريع ستكون عالية جدا.

ويوضح كحيل ذلك بقوله أن كلفة المساكن الطينية في ظل كون كل عناصر المنزل عدا الحديد والاسمنت من مواد التشطيب والتي تشكل ما لا يقل عن 70% من التكلفة سيتم استيرادها وهي تتجاوز فعليا أضعاف التكلفة إذا أخذنا بعين الاعتبار أسعار الأراضي وأثر البناء الأفقي وتحميله على تكلفة الوحدة مقابل البناء بالاسمنت لعدة طوابق فتكون مضاعفة مرات كثيرة وكذلك عدا الأثر الاقتصادي على الزراعة فإن التكلفة بالتأكيد ستكون خيالية على الاقتصاد وهو الأمر الذي لم ينتبه له (على محمل النية الحسنة ) من فكروا بذلك والذين فكروا فقط بالكلفة المباشرة والتي هي أيضا مرتفعة نسبياً.

وعن تكلفة البناء الطيني للوحدة الواحدة يقول كحيل أن الأ0ونروا تحدثت عن تكلفة لا تتجاوز 10-12 ألف دولار إلا أن الاتحاد يرى انها لن تقل عن 18 ألف دولار أميركي وهو ما لا يقل كثيرا عن بناء الوحدة السكنية من الخرسانة المسلحة.

مخاطر بيئية

لا يخفى ان قطاع غزة لا تتجاوز مساحته الإجمالية 360 كيلو مترا مربعا فقط ومعظم أراضيه رملية اما مساحة الأراضي الزراعية ذات التربة الطينية فهي قليلة جدا خاصة إذا ما تم احتسابها بعد التجريف الاسرائيلي المتواصل وحربه الخيرة على غزة وقيامه بإلقاء القنابل الفسفورية عليها الأمر الذي لم يتم بعد معرفة مدى خطورته البيئية.

كحيل قال أن هناك ثمان نقاط لمخاطره البيئية ذكر منها أولا صغر مساحة الأراضي ذات المساحة الزراعية، عدا عن تجريف الاحتلال لها، والقنابل الملقاة عليها، وفي حال تم إقامة هذا المشروع فإنه سيأتي لانتقاص المساحات الزراعية ولن يكون مقدرا له سوى التمدد الأفقي ولا مجال بالمطلق للتمدد الرأسي وسيقضي على المساحات الخضراء وبالتالي سيقلل نسبة الهواء المشبع بالأوكسجين المستمد من الأشجار والمزروعات.

ويضيف لذلك ان الطين معروف عنه أنه مسكن للحشرات وهي بحد ذاتها مشكلة بيئية وصحية خطرة في ظل الحصار وإغلاق المعابر وقلة الأدوية المدخلة للقطاع، وكذلك فإن الطوب الطيني يمتص الماء بدرجة كبيرة ويصبح هشاً وفي حال القصف أو حدوث أي اهتزاز بالقرب منه فأنه سيهدم فوق رؤوس قاطنيه.

اتحاد الصناعات يرفض أيضاً
رئيس الاتحاد العام للصناعات الفلسطينية علي الحايك تحدث بلهجة شديدة القوة رفضا لهذا المشروع الذي قال انه يحول غزة لأفغانستان جديدة وسمتها الطين وانه لا يجوز كما يقول أن يكافأ سكان القطاع ببناء بيوت طينية لهم، ومرفوض ايضاً أن يصبح هدف الدول المانحة هو الطين وايواء الناس في مساكن طينية عدا عن ان هذا المشروع كما يقول يهدف لتصحير القطاع بعد عمليات تصحيره عبر التجريف والتدمير الاسرائيلي المتواصل.

أما أثره على قطاع الصناعات الإنشائية فيقول الحايك أنه يعمل على قتله بعد الضربات التي تلقاها بفعل العدوان الاسرائيلي والحصار والإغلاق المتواصل للمعابر فبدلا عن تشغيل آلاف العمال الذين يعملون بهذا القطاع فإنه يضيفهم إلى قوائم البطالة ولا يقوم بتشغيل إلا عدد قليل منهم.

ويؤكد أنه بالإضافة إلى توقف 3900 مصنع مجمل مصانع القطاع فإن من بينها 30 مصنع طوب، و30 مصنع باطون ومئات مصانع البلوك فأنها ستتوقف بالكامل.

ويدعو الحايك للبدء بمشاريع إعمار حقيقية كتلك التي بدأ بها الاتحاد لاستعادة بعض عافيته من خلال ركام المباني المدمرة والاسمنت المهرب من الأنفاق والذي يستخدم في اعادة اعمار بعض المنشآت وقد ساهم بإعادة العمل بهذا المصانع بنسبة 15-20% من طاقتها الفعلية وذلك برغم الحصار.

قبلت الأونروا؟ لم تقبل؟

كحيل أكد أن الأونروا استجابت لرفض اتحاد المقاولين وقبلت الجلوس معه والتحدث عن مشروع مبدئي لا يتجاوز إنشاء ست وحدات سكنية كبديل عن انشاء 119 وحدة كان مقترحها الأول، وأمام ذلك فإن جلسات ستعقد لطرح العطاء مجددا على المقاولين لاختيار الشركات القادرة والأقل تكلفة.

وكان الاتحاد قد بذل جهده مع كافة المقاولين الذين تجاوبوا مع المشروع في بدايته وحصلت على إجماع منهم بالعزوف عن هذا المشروع لحين التفاوض مع وكالة الغوث التي وافقت على تأجيله لدراسة مشروع مصغر قبل البدء به أو إلغائه كما يقول كحيل.

وفي هذا الإطار يؤكد الناطق باسم الأونروا ان كافة الأخبار حول إلغاء المشروع عارية عن الصحة وأن الأونروا ماضية به وانه تم إرساء بناء ست وحدات سكنية طينية على إحدى الشركات المتقدمة بعطاء، في حين سيبدأ بعدها مباشرة باقي الوحدات التي لن تتجاوز ضع مئات لإسكان عائلات مشردة كحل إنساني مؤقت.

وحسب أبو حسنة فإن الأونروا قبل طرحها المشروع اشترطت عدة اشتراطات وهو ان يكون لصاحب البيت بيت مدمر سيتم البناء بجانب بيته وليس على أنقاضه كي لا يفقد حقه بالبناء الاسمنتي في حال دخلت مواد البناء، كما يقول أن منظمة العمل الدولية ومهندسين يشرفون على المشروع الذي ثبت قوته وانه سيكون بديل عن الخيمة ولن يرهن صاحب البيت المدمر لتنبؤات فتح المعابر وإدخال مواد البناء.

ويضيف:" فنحن غير واثقين من امكانية رفعه الحصار وفتح المعابر في حال تمت صفقة شاليط وبالتالي لا يمكن رخهن هؤلاء المشردين لحلول الخيام أو استخدام الحديد والاسمنت المهربين من الأنفاق".

ويؤكد انه في حال قامت الأونروا ببناء بيت اسمنتي واحد من الاسمنت المهرب فإن هذا يعني انه لا حصار اما في حال أقدمت على بناء بيوت طينية فإنه خير دليل على ان الحصار لا زال مفروضا على سكان القطاع.

ويعود ليؤكد على أن الحل مؤقت وان تكلفة بناء بيت مساحته 60 متراص لا تتجاوز 10 آلاف دولار أميركي أما بيت مساحته 80 متراص فإن تكلفة بنائه لن تتجاوز 13 ألف دولار وقد تقدمت إحدى الشركات بالعطاء للبدء بالمرحلة الأولى.

وعن استخدام التربة الطينية رفض ابو حسنة هذا المسوغ للرفض قائلا ان الحديث يدور عن كمية قليلة من التربة وليس ما يقضي عليها.

وزارة الاسكان بالقطاع

وزارة الإسكان والأشغال العامة بالحكومة المقالة قالت أنها صرفت مبالغ مالية تقدر بـحوالي 23 مليون يورو استهدفت 8800 حالة من المتضررين بالقطاع خلال العام الماضي وأن هناك 2750 حالة من اللاجئين تلقوا مساعدات تقدر بحوالي 12 مليون دولار من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين وحوالي 2000 حالة من غير اللاجئين تلقوا مساعدات تقدر بـ 9 ملايين دولار من UNDP ومؤسسات أخرى وكان ذلك بمثابة إسعاف أولي لشراء بعض المنازل وتأمين الاحتياجات اللازمة.

وعلمت معا ان الوزارة على مشارف إنهاء تجهيز ألف وحدة سكنية استخدمت فيها ركام المباني المدمرة خلال الحرب وفي المستوطنات المخلاة والحديد والاسمنت المتوفرين بالأسواق عدا عن هذه المباني ستكون متعددة الأدوار ولا تبعث على القلق.

البديل فني وسياسي

كحيل يقول ان الحل يكمن بالجلوس علي طاولة مستديرة تجمع كل من لهم علاقة بإعادة الاعمار وعلى رأسهم قطبي السلطة في غزة ورام الله و عدم تسييس ملف الاعمار و إلقاء اللوم في تأخير هذه العملية على الآخر و الخروج بصوت واحد ولغة واحدة ومواقف منسقة للضغط على إسرائيل وبكل الوسائل المتاحة لفتح المعابر وإضافة شرط لعودة المفاوضات مع إسرائيل لا يقل أهمية عن شرط وقف الاستيطان وهو رفع الحصار عن غزة.

هذا علي المستوى السياسي أما علي المستوى الفني فيقول أنه يمكن بناء وحدات سكنية لإيواء المتضررين باستخدام الركام الناتج عن المباني سواء التي تركها المحتل خلفه في المحررات التي اندحر عنها أو المباني التي دمرت بفعل الحرب وبالاسمنت المتوفر في الأسواق السوداء أيضا.

ويؤكد كحيل ان الاسمنت المتواجد بالسوق حاليا والذي لا يتجاوز سعر الطن الواحد منه 950 شيكل صالح لأعمال البناء وإعادة الإعمار كما هو الحديد المتاح والذي أكد ان سعر الطن منه لا يتجاوز 4 آلاف شيقل اسرائيلي وبالتالي فهو حل منطقي لإعادة الإعمار عدا عن أنه يضمن التوسع الرأسي كبديل عن التوسع الأفقي الذي يقضم الأراضي في قطاع غزة على قلتها.