الجمعة: 04/10/2024 بتوقيت القدس الشريف

اليوم السابع عشر للحرب على غزة- إنقاذ المنقذين

نشر بتاريخ: 12/01/2010 ( آخر تحديث: 12/01/2010 الساعة: 16:39 )
غزة- معا- بينما كان المدنيون الفلسطينيون يهربون من برج حمودة الواقع في بلدة جباليا شمال غزة، كان الدكتور عيسى صالح، البالغ من العمر (28 عاماً)، والمسعف أحمد أبو فول، البالغ من العمر(25 عاماً)، في طريقهم لإنقاذ وإسعاف الجرحى، بعد أن قصفت الطائرات الإسرائيلية البرج بصاروخ واحد بينما كان السكان يحاولون الهرب. بدأ الدكتور عيسى والمسعف أحمد بالبحث عن الجرحى والقتلى. وبينما كانا يحاولان إخراج جثة أحد القتلى قامت الطائرات الحربية الإسرائيلية بإطلاق صاروخ أخر على البرج. ما أسفر عن مقتل دكتور عيسى وإصابة أحمد.

أجرى مركز الميزان لحقوق الإنسان مقابلة مع المسعف أحمد أبو فول وسأله حول كيفية تغلبه هو وزملاءه على الصدمة التي ألمت بهم خلال عملية الرصاص المصبوب. أجريت المقابلة بعد مرور حوالي عام على عملية الرصاص المصبوب، التي كان فيها المسعفون والمتطوعون أهدافا للطائرات الإسرائيلية. كان الدكتور صالح واحدا من بين سبعة عشر عاملا في مجال الصحة والمهمات الإنسانية الذين قتلوا أثناء تأديتهم الواجب خلال العدوان.

إنقاذ المنقذين:

"هل يمكنك أن تتخيل ذلك؟ المسعفون يخرجون لإسعاف غيرهم من المسعفين؟؟؟" يتساءل أحمد أبو فول. "إذا عشت لخمسين عاماً قادمات فلن أنسى ما حدث لنا أثناء ذلك الاعتداء. حتى الآن وأنا أتحدث معكم عن الاعتداء الذي استهدف برج حمودة أشعر وكأنه حدث الآن. حتى أنني أشعر ليس بالألم النفسي فقط بل وبالألم الجسدي الذي شعرت به في تلك اللحظات وأنا أحاول أن أرفع الشيالة لنقل القتيل بنفسي.".

بينما كان أحمد يجري مسرعاً داخل البرج في ذلك اليوم صرخ عليه أحد سكان البرج وأخبره بأن هناك مصاباً في الطابق الخامس. أسرع أحمد إلى الطابق الخامس ليجد المصاب قد فارق الحياة. " كنت لوحدي عندما وصلت إلى هناك." يقول أحمد "وجدت الجثة ملقاة على الدرج. كانت اليد اليسرى للضحية قد قطعت وكانت أحشاه الداخلية ممزقة وخارج جسده وكان هناك أيضاً إصابة في رأسه. بدأت أصرخ لكي يأتي أحد ويساعدني لحمل القتيل حاولت أن أسحب الجثة وأضعها فوق النقالة. وعندما شعرت باليأس من أن أحداً لن يأتي ويساعدني في نقل الجثة حملت الجثة على كتفي وفي هذه الأثناء وصل الدكتور عيسى ومعه شاب أخر يدعى محمود يبدو عليه أنه في السابعة عشر من العمر. تشاجرت أنا والدكتور عيسى لفترة قصيرة لأن كلينا أراد أن يحمل النقالة من الناحية الخلفية. حيث أنها أسهل في الحمل والنزول على الدرج". يوضح أحمد " في النهاية حمل الدكتور عيسى النقالة من الناحية الخلفية وأنا ومحمود حملنا النقالة من الناحية الأمامية. ونزلنا الدرج. شعرت بأن الموت كان قريباً جداً في تلك اللحظات.".

من المؤكد كنت أنا من سيقتل:

وبينما كان أحمد والدكتور عيسى ومحمود يحملون جثة القتيل وينزلون الدرج رأى أحمد الدبابات الإسرائيلية على بعد مسافة قريبة وذلك عبر نافذة بيت الدرج. " حاولت أن أظهر لهم السترة الفسفورية التي كنت أترديها لأظهر لهم بأننا مسعفين. ولكن حدث انفجار آخر، شعرت بشيء يرتطم برأسي ولكني لم أرَ شيئاً بسبب الدخان. وضعت يدي على رأسي من الخلف مكان الإصابة ووجدت دماً وقطعاً من مخ. اعتقدت بأنني سأموت وطلبت من محمود بأن يطلب من زوجتي أن تسامحني". وبعد فترة خمد الدخان قال لي محمود أنه ليس مخي . "ثم رأيت د. عيسى وقد قطع رأسه وأدركت في لحظتها أن ما ارتطم برأسي كان رأس د.عيسى وأن المخ الملتصق برأسي من الخلف هو مخ د. عيسى. شعرت بأنني أنا من كان سيقتل. حيث لو أنني حملت النقالة من الناحية الخلفية كنت من المؤكد سأكون أنا من سيصاب بذلك الصاروخ وسأقتل بدلا من د. عيسى.".

اختبأ أحمد ومحمود لفترة قصيرة في إحدى الشقق وتركوا جثة الدكتور عيسى والجثة التي وجدوها في المرة الأولى والتي تمزقت وتحولت إلى أشلاء بفعل الانفجار الثاني. نزل أحمد ومحمود الدرج. وعندما وصلوا إلى مدخل البرج لم يجدوا سيارات الإسعاف. "اعتقدوا بأننا قتلنا." يوضح أحمد " كان علينا أن ننتظر سيارة إسعاف أخرى لكي تنقلنا. بعد هذه الحادثة مكثت في المستشفى ليوم واحد ثم عدت إلى العمل في سيارة الإسعاف بالرغم من فقدي للسمع لمدة أسبوع بسبب الانفجار.".

أصبحت غير مبالٍ الآن:

يؤمن أحمد بأن زملاءه الذي عملوا في فترة الطوارئ خلال عملية الرصاص المصبوب يعانون من ناحية نفسية بسبب الهجمات التي تعرضوا لها. " كنت قلقاً جداً على الناحية النفسية لزملائي بعد الاعتداء." يوضح أحمد " "لذلك نظمت لهم لجلسة علاج نفسي. حيث بدأ كل واحد منهم يتحدث عن القصف بقنابل الفسفور الأبيض وعن القصف الذي تعرضت له مدرسة الفاخورة. عندما وصل زملائي المسعفين، الذين يسكنون في حينا، لم يستطيعوا تقديم المساعدة لأن المصابين كانوا من أصدقائهم وأقربهم. كذلك تأثرت أنا كثيراً في ذلك الاعتداء. أصبحت غير مبال نوعاً ما. فقدت إحساسي. أشعر بأنني لا أهتم لأي شيء الآن حتى لو جاء إلي شخص ما وأخبرني بأن والدي قد توفى. عندما أشعر بالغضب الآن أبدا بإلقاء الإغراض ورميها وأكسر كل شيء أمامي. ولكني كنت في السابق هادئ وأفكر في ردة فعلي للأمور. أصبحت عصبياً جداً وأصرخ كثيراً، حتى عندما تبكي ابنتي علا لا أهتم بها ولا أحاول آن أهدأها كما يفعل الآباء، كل ما أفعله هو آن أنادي على زوجتي لتحملها وتهتم بها. من ناحية جسدية لازال جسمي ضعيف. فقدت إحساسي بقدمي اليسرى ولازال بعض الشظايا من جمجمة د. عيسى عالقا في رأسي وأخشى أن أزيلها. لماذا تستهدف الطائرات الحربية الإسرائيلية المسعفين؟؟ ألا يعرفون بأننا نقوم بمهام إنسانية؟؟ وأن الاعتداء علينا يؤثر على مجتمعنا؟؟؟