تجاعيد وجوه نساء قرية ام اللحم ترسم مستقبلها
نشر بتاريخ: 18/01/2010 ( آخر تحديث: 18/01/2010 الساعة: 17:51 )
رام الله- معا- لبنى ابو صفية- "ثلات مرات خلفت بنت جوزي على التراب تيجي عنا الدار وما نقدر نعمللها اشي نترجا هاد وهداك وبالاخير تطلع مشي على الطريق المقطوعة الي ما بتوصلها سيارات ما تلحق توصل على رام اللة وتخلفهم بالشارع ويجو هالصغار بالشتا كلو عشان فش سيارات".
مشاعر متضاربة، خلفتنا حائرين، نقف مشدوهين أمام قوة هذه القصة التي قد تبدو خرافية، لم يكن من الممكن ان نتخيلها لولا تجاعيد الوجوه، تلك التي رسمت بكل وضوح معالم واضحة لمعاناة أزلية، لا تزال تنخر ذاكرتهن المثقلة بقصص كان لنا نصيب منها. لم يكن وقتا لتمرد الذاكرة إذن، كان والوقت الصامت حتما، "أم الكل" راحت تقص علينا ما جادت به ذاكرتها وهو ليس بالبعيد عن الان. هن نساء خربة ام اللحم- التي تبعد 22 كم فقط عن مدينة رام الله في مشهدين.
مشهدان..
ربما للحديث.. مشهدين وقد نقلب الحكاية لنبدأها من النهاية.. تحت سقف المدرسة الوحيدة في الخربة، ذاك الجسم النسوي الحديث العهد، اكثر من خمس عشرة أمرأة يجتمعن بشكل دوري، الجسم التنظيمي الوحيد في القرية قدر له أن يكون نسويا، نساء يعرفن اليوم احتياجاتهن وينظمنها بأولويات بعد نقاشات قد تطول، نساء بتاريخ موجع، يصنعن من حلمهن أسطورة الخربة، وحديثها الدائم اليوم. ربما هي الاصعب بعد فقدان متحدث بأسم هؤلاء النسوة او حتى تلك القرية بشكل عام، يحلمن بكل ما هو قادم قد يصمتن ويتذكرن ما خلف هذا المشهد والتي هي ربما القصة الاطول والاصعب فلولاها ما كن تلك النساء سيطرحن همومهن يوما على طاولة واحدة.
طريق طويل..
لم تكن تعلم المرشدة التنموية في مركز التعليم المستمر التابع لجامعة بيرزيت "الاء العمري" ان الطريق امامها طويل تماما كطول الطريق التي لا تعبرها السيارات الى القرية ويطر اهلها الى المشي للوصول الى منازلهم ليس بسبب الاحتلال بل لان الطريق لم تنشئ الا قبل سنوات قليلة وأغلب السكان يدفعون مقابل قطعهم لهذا الشارع فقط اكثر من عشرين شيقلا.. تلك الطريق تماما في ما قطعتها للجلوس في المرة الاولى مع تلك النساء لنقل فكرة المشروع المنفذ من قبل وزارة الحكم المحلي وبالتعاون مع مركز التعليم المستمر في جامعة بير زيت.
اجتماعات الاء قادتها الى رجال القرية ولأكثر من مرة، اجتماعات خالية من العنصر النسوي، رغم طلبها المتكرر لمقابلة نساء الخربة، ومقابلتها بالرفض تذرعا بعدم رغبة النساء وانشغالهن الذي يمنعهن من الانخراط بهكذا، الا انها ظلت ترفض، أن تتقدم خطوة واحدة دونهن. وفي كل مرة كانت تواجه نفس المشهد، حتى هددت بطرق الأبواب واحدا تلو الأخر لجمعهن وفي البداية ظلت النساء تزاول مهنتها الأولى كمستمعة، الى أن شاركت الى جانب مجموعة اخرى من السكان ضمت رجالا وشباب في تقارير دراسة الاحتياجات الخاصة بالقرية، وتقرير الخطة الإستراتيجية، مشاكل وأولويات كثيرة تزاحمت على أوراق كثيرة، توضح وتفصل كل ما يلزم وصفه في القرية.
أين الرجال..
في ساعات النهار تكاد قرية ام اللحم الملاصقة لجدار الفصل تخلو تماما من الرجال ونادرا ما سترى واحدا منهم فمعظمهم يعملون في مستوطنة (نطاف) القريبة وبعضهم قد يطول غيابه عن منزله لاسبوعين او اكثر.. هذا الغياب تحول لحضور نسائي فاعل لمناقشة مشاكل القرية وهن الواتي أصبحن يعلمن أكثر من غيرهن احتياجاتهن ومطالب من يمضي في هذه القرية الوقت الاطول.
للصورة وجه آخر..
معالم القرية ترسم حقيقة الصورة التي لم يلتفت اليها احد ..خمسمائة هو عدد سكان القرية التي رحل عنها نصف سكانها تقريبا الى القرى المجاورة التي باتت ملجأهم الوحيد ليس فقط لان القرية حظر فيها اي بناء جديد بسبب قربها من جدار الفصل وافتقادها للمخطط الهيكلي منذ قدم السلطة الوطنية.. بل لانها تفتقر لما يعد ابسط مقومات الحياة ويكاد سقف مدرستها الوحيدة يسقط بعد ان أصبح لا يتسع لطلابها.
"فش دكاترة ولا حتى حبة اكومل هيذ بدهم يموتونا وأحنا عايشين!!!" لعل كلمات الحاجة آمنة التي يزيد عمرها عن الثمانين عاما يفسر الحلقة التي تعد الاصعب في قرية ام اللحم هو الوضع الصحي التي تفتقد لاي عيادة صحية ما يضطر اهاليها الى الوصول الى اقرب عيادة في القرى المجاورة والتي يفصل بينها وبين أم اللحم طريق الالام وهو الطريق الذي لا تصله اي وسيلة نقل وقد تلفظ العديد منهم انفاسه الاخيرة في هذا الشارع ربما رائحة الموت وسموم و نفايات القرى المجاورة ترمى على أطرافه هي آخر ما علق بذاكرته التي تحتضر.
للطريق بداية..
البداية التي لم تتخطاها بعد خربة ام اللحم كانت الاصعب حيث تم دراسة احتياجات القرية واقتراح حلول لها ضمن خطة استراتيجية لتعد مرجعية لدعم الخطط وتنفيذ المشاريع المستقبلية حيث تأتي هذه الخطوة ضمن خطة استراتيجية للقرية ضمن مشروع تنمية القرى والاحياء الفلسطينية والذي يضم ثلاث وتسعين قرية في مشروع ضمن فترة تمتد الى اربع سنوات يملكه وينفذه وزارة الحكم المحلي ووممول من قبل البنك الدولي بمبلغ 10ملايين دولار ويعمل مركز التعليم المستمر كهيئة استشارية في تنفيذه.. فيما يعد الجسم النسوي في قرية ام اللحم الى جانب مجموعات اخرى في القرى التي يشملها المشروع لتكون الجسم الداعم والمشارك لوضع احتياجات ومطالب سكان القرى كما ستشرف هذه المجموعات الداعمة على عملية تنفيذ المشروع الفردي.