الجمعة: 27/09/2024 بتوقيت القدس الشريف

كلمة حرة مباشرة ..المشكلة والحل * بقلم :خالد إسحاق الغول

نشر بتاريخ: 20/01/2010 ( آخر تحديث: 20/01/2010 الساعة: 18:12 )
نشر السيد سامي مكاوي مدير دائرة الإعلام في اتحاد كرة القدم مؤخراً مقالة بعنوان " أقول لكم" استناداً إلى ما تضمنه تقرير نشرته وكالة معا الإخبارية من إعداد الزميل عمر الجعفري، وكان هذا التقرير يناقش تكاليف تغطية الفرق الكروية بما فيها تغطية لاعبي التعزيز وأجور اللاعبين الآخرين والمدربين والمواصلات وعلاج المصابين وتكاليف التدريب في الملاعب ومكافآت الفوز في المباريات.

ويرد السيد سامي مكاوي على بعض ما جاء في هذا التقرير مفتتحاً رده بالسؤال التالي: من الذي أجبر إدارات الأندية على تكبد هذه المصاريف الباهظة؟ وفي هذا السؤال الذي يطرحه السيد " مكاوي" إقرار بأمرين: أولهما، أن الهيئات الإدارية للأندية تعيش حالة (إجبار) خارجة عن إرادتها، ولم تعلن بوضوح عن رأيها الصريح بأسبابها. وثانيهما، الإقرار بأن مصاريف الأندية باهظة، وتثقل كاهلها جميعاً، ولا يمكن الإيفاء بها بسهولة.

وللإجابة على سؤاله السابق يطرح السيد "مكاوي" جملة من الاستفسارات، أولها يتضمن الإجابة في داخله، فهو يتساءل عن "وعود من داعمين قادرين تحمسوا في البداية لكنهم ترددوا في إكمال المشوار". وهذا فعلاً ما حدث مع بعض الأندية التي تركت عارية تواجه مصيرها بعد وعود سخية من شركات ورجال أعمال تراجعوا ولم يفوا بوعودهم أو توقفوا عند حد معين في الدعم لأسباب خاصة بهم. بعد أن رأوا أنفسهم فجأة أمام تجربة لم يكونوا جزء منها ولم يكونوا مواكبين لها في إستراتيجيتهم وقناعاتهم الذاتية قبل الدخول فيها.

إن وصف السيد "مكاوي" إستقطاب لاعبي التعزيز من أفريقيا وفلسطينيي الداخل بـ(الموضة) يعبر عن موقف سلبي لديه من هذا التوجه، لأنه لو كان يؤيده لمدحه ومدح الهيئات الإدارية التي تمارسه، ولما وجه لها تهمة (ملاحقة الموضة!). والسؤال المهم هنا هو: ما هي العوامل التي جلبت لنا هذه الموضة؟ ومن فتح سوق اللاعبين على مصراعيه وفرض على الأندية مشاعر الفزع والقلق من الغياب النهائي عن الساحة إن لم تندرج في هذه الموضة وتلاحقها، وان لم تصبح من زبائن هذه السوق الطاحنة؟؟

يرى السيد "مكاوي" أن المسؤولية تقع على إدارات الأندية التي صرفت المال ولم تخطط لتعويضه" والمشكلة هنا بالنسبة له ليست في "صرف المال"، بل في "التخطيط لتعويضه". مما يضع الهيئات الإدارية أمام تهمة قصر النظر وعدم الكفاءة في التخطيط لمعالجة هذا الواقع المستجد المسمى "صرف المال" وبالتالي فهي عاجزة وغير قادرة على القيام بواجبها ودورها الأساسي وهو "تعويض المال"!!

السؤال هنا: التعويض كما نفهمه، معناه أن خسارة ما قد وقعت وعلينا تعويض هذه الخسارة، فهل يرى السيد "مكاوي" أن صرف هذه الأموال هو خسارة بحد ذاتها، وعلى الهيئات الإدارية أن تعمل من أجل تعويضها؟ وهل يرى السيد "مكاوي" أن الهيئات الإدارية كانت تتوقع هذا التحول الكبير، وكانت مدركة لما ستؤول إليه الأمور إلا أنها تلكأت وتقاعست عن أداء دورها ولم تكن على قدر من المسؤولية والكفاءة والجدارة، وبالتالي فإن على هذه الهيئات الإدارية أن تتنحى جانبا لعدم نجاحها في التخطيط الإداري والمالي وخصوصا "التخطيط للتعويض"؟

المشكلة الرئيسية من وجهة نظر السيد "مكاوي" لا تكمن في (صرف الأموال) فلا ضير في ذلك، ولا مشكلة في صرف الأموال مهما كان حجمها، بل المشكلة في (التخطيط للتعويض)، وبناء عليه يبادر إلى طرح عدة أفكار ومقترحات يرى أن من شأنها المساهمة في التعويض والتوصل إلى حلول من واقع البيئة والمجتمع. ويطرح مجموعة من الحلول المقترحة نود مناقشتها:
1- إنشاء جمعية تعاونية استهلاكية: هل إنشاء مثل هذه الجمعية يتم بهذه السهولة؟ وهل يمكن جني الأرباح المالية اللازمة منها إذا كانت ظروف عملها سهلة وكانت ناجحة بهذه السرعة وفورا خلال عام أو عامين، وكلنا علم بان هذه الورطة التي نحن فيها أصابت الأندية بالصدمة ولم تكن تتوقعها ولم تكن مهيأة لها؟. وهل تستطيع كل الأندية أن تنفذ هذا النوع من المشاريع دون أن تواجه عقبات وعراقيل تستمر لعدة سنوات؟ ثم هل هذا ممكن في القدس.؟

2- عقد عدة اجتماعات مع مجالس البلدية والقروية لزيادة مبلغ بسيط على فواتير الكهرباء و الماء بشكل شهري من2 شيكل إلى 5 شيكل عن كل فاتورة: هل يتوقع أي واحد منا إذا كان لا بد من طرح هذا المقترح على أي مجلس بلدي أن تكون الأولوية بالنسبة إليه هي دعم أندية كرة القدم وتسخير المبالغ التي ستتم جبايتها من اجل صفقات لاعبي كرة القدم؟ وهل من الممكن إقناع المجتمع بهذه الأولوية في ظل الظروف التي يعيش فيها الشعب الفلسطيني وحالة الإفقار المتزايدة التي يعاني منها؟ ثم هل يمكن تطبيق هذا المقترح أيضاً في القدس؟؟

3- مشاركة الجمعيات الخارجية للمغتربين في الشتات بحملات دعم الأندية في فلسطين: هل توجد جمعيات فلسطينية للمغتربين على مستوى من التنظيم والخبرة والكفاءة قادرة على تنظيم حملة واحدة على الأقل لدعم الأندية في داخل فلسطين؟ فنحن نعرف مستوى ودور وقدرات الجمعيات العاملة في الشتات ومستوى فاعليتها خلال الأزمات الكبرى التي كان يتعرض لها الشعب الفلسطيني (حصار 2000، وحرب غزة وغيرها...) والتي كان من الممكن أن تحشد أوسع دعم وتضامن إنساني في العالم إلا أن مستوى الدعم لم يكن بالمستوى المطلوب. فكيف إذا كان القصد من الحملة (دعم أندية كرة قدم!) وهي مسألة لا تحظى بالاهتمام ولا تعتبر من الأولويات. وكما نعلم فان مؤسسات التمويل العربية والدولية أيضا لا تفكر ولا تنظر في أي طلب تمويل من أي ناد من الأندية أو في أي مشروع من المشاريع إذا كان الهدف دعم أنشطة تتعلق بكرة القدم. كما أن بعض رجال الأعمال الذين كانوا يدعمون كرة القدم سابقا قد توقفوا كليا عن تقديم الدعم لأسباب خاصة بهم، أما إذا كانت هنالك نوافذ مفتوحة يمكن الاستفادة منها وغابت عن أذهان الأندية فان الأندية ستكون شاكرة بالتأكيد لمن سيدلها عليها.

4- إعادة النظر في برامج الأندية ونشاطاتها بحيث تنفذ هذه النشاطات ضمن خطة زمنية مقننة ماليا وبشفافية عالية: هل المقصود أن تبذل الأندية كل ما تستطيع بحيث تقنن خططها وتشد الأحزمة وتلجأ إلى التقشف وتقليل المصاريف على الأنشطة لكي تسخر كل مقدراتها المالية من اجل التعويض عن المصاريف التي تدفعها لفريق كرة القدم؟ وهل يعني هذا أن تهتم الأندية من الآن فصاعدا بكرة القدم فقط، وتنسى أنها في معظمها تعرف نفسها بأنها (رياضية ثقافية اجتماعية، على الأقل)؟ وهل لو كانت التقارير المالية للأندية تتمتع بالشفافية لكانت قد حلت مشكلتها واستطاعت أن تعوض المصاريف؟ وهل توجد متابعة لهذه الأندية لكي تكون تقاريرها فعلا شفافة؟ وإذا لم تثبت شفافيتها ولم تكن تقاريرها دقيقة فما هو دور المسؤولين والمتابعين لأداء الأندية؟ وهل سبق أن تمت محاسبة هذه الأندية على تقاريرها غير الشفافة وغير الدقيقة؟

5- التوقف عن رعاية أكثر من لعبة وأكثر من نشاط في الأندية، وان تخصص الأندية في لعبة جماعية ولعبة فردية واحدة فقط: أي أن المطلوب من الأندية هو الاهتمام بالرياضة فحسب، بل أن تهتم بلعبة واحدة فقط. وفي الوقت الذي يحتج فيه الكثيرون في المجتمع على هذا الهوس بلعبة واحدة فقط وعدم ايلاء الألعاب الأخرى أي اهتمام تأتي الدعوة للتأكيد والتركيز على لعبة واحدة فقط هي لعبة كرة القدم، كما يتضح. فهل بدلاً من أن نطور أنديتنا وان نفتح لها أبوابا أخرى من اجل أن نلبي حاجات واهتمامات مختلف فئات المجتمع نضيق الخناق عليهم ونحرمهم من ممارسة أي لعبة أخرى يمكن أن تخطر على بالهم ونركز على لعبة واحدة فقط؟

6- عدم وجود أكثر من نادي في المدينة الواحدة: ويكتمل مشهد التعويض عن صرف الأموال بالدعوة إلى التقليل من عدد الأندية، بحيث لا يكون هنالك أكثر من ناد واحد في مدينة واحدة؟ هل هذا الحل منطقي وواقعي؟ كيف يمكننا التفكير في هذا الحل في القدس مثلا؟ وإذا كان لا بد من عملية غربلة للأندية فلتضع الجهات المعنية آلية وقوانين وأسس جديدة صارمة وملزمة تقضي على حالة الفوضى واستيلاد الأندية، ولتسري القوانين على جميع الأندية وبشكل عادل وبمكيال واحد. على ألا يكون القصد من هذه الغربلة هو تعزيز ودعم الفهلوة والشطارة وبراعة التعامل السريع مع لعبة صعود وهبوط الأندية اعتماداً على مصادر مالية آنية قد تضع النادي اليوم في القمة وقد ترميه غدا في القاع، وقد (تفرم) هذه اللعبة بعض الأندية العريقة التي لم تنخرط بعد في هذه اللعبة البعيدة كل البعد عن الاحتراف ومعناه وأسسه وسياقاته المنطقية والراسخة.

7- الدعوة لدراسة أوضاع الأندية في جلسات مجلس الوزراء لاتخاذ الإجراءات والترتيبات الضامنة لاستمرارية عملها: اعتقد أن هذا المقترح هو المقترح العملي الفعال الذي يجب أن نبدأ منه، عندها نكون قد أوصلنا الملف إلى الجهات التي يجب أن تعالجه، من هذه الجهة في قمة الهرم إلى ما دونها من هيئات رسمية، وعندما يقوم هؤلاء بدورهم الحقيقي، يتبقى على المجتمع المدني والمؤسسات غير الرسمية والأفراد دور لا بد أن يلعبوه وان يحاسبوا بشدة أن لم يقوموا به.

إن الأندية الفلسطينية، وخصوصاً التي تخوض غمار دوري الشهيد أبو علي مصطفى في هذه الأيام، تعرف متى سنكون فعلا في مرحلة احتراف، وتدرك متطلبات واستحقاقات هذه المرحلة، وتفهم طبيعة السياق التاريخي والظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية التي يجب أن تتوافر بشكل ملموس قبل الدخول الفعلي في مرحلة الاحتراف بمعناه الجوهري. وتدرك في معظمها أبعاد وخلفيات الظروف الصعبة التي تمر بها كل الأندية بلا استثناء. وعليها هي أولاً وأساساً أن تتحرك كي تضع أصابعها على الجرح وتنطلق نحو البحث عن حلول حقيقية لمشاكلها انطلاقاً من تحليل دقيق وقراءة علمية وتشخيص جريء لمكامن الخلل كي لا تبقى أسباب المشكلة في واد الحلول المقترحة في واد آخر.