شموط: نصف لوحاتي تعبر عن الفرح الفلسطيني المنتظر/فنان تشكيلي يرى أن الحياة تستحق أن نعيشها ونبدعها
نشر بتاريخ: 06/05/2006 ( آخر تحديث: 06/05/2006 الساعة: 19:14 )
عمّان- الغد - يؤكد الفنان التشكيلي إسماعيل شموط، احد رواد حركة الفن التشكيلي في فلسطين والوطن العربي على أن "المبدع عندما يكون معنيّا بالتعبير عن قضية ما، يبذل كل جهده حتى يعبر عنها بأعلى مستوى من الحب والإخلاص لها".
وشموط، المولود في مدينة اللد الفلسطينية العام 1930، هو صاحب أول معرض فني تشكيلي أقيم في غزة في العام 1953، درس فن الرسم والتصوير في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة، ثم في أكاديمية الفنون الجميلة في روما.
ويرى شموط أن "هناك أشياء كثيرة في الحياة تستحق ان ترسم، ونعبر عنها ونقدمها بحلة جميلة، فالحياة تستحق أن نعيشها".
أنتخب شموط كأول أمين عام لاتحاد الفنانين التشكيليين الفلسطينيين في العام 1969، وأول أمين عام لاتحاد الفنانين التشكيليين العرب في العام 1971. حول تجربته وحياته كان هذا الحوار .
* معرضك الأول كان العام 1953، كيف تنظر لهذا المشوار ولهذا التاريخ العريق مع الفن التشكيلي اليوم؟
منذ طفولتي كنت عاشقا للرسم والألوان، وبدأت التعرف على اللوحة في مدينتي "اللد"، مسقط رأسي، كنت أرسم بالألوان الزيتية، اما احترافي للفن فكان عندما هُجرنا إلى قطاع غزة وتحديدا للإقامة في خان يونس، إذ عشت في مخيم للاجئين ثلاث سنوات، ثم سافرت إلى مصر، ودرست الرسم في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة. البداية كانت صعبة، لأنه لم يكن لدي أيّ دخل، ولم يكن مسموحا لدارسي الفنّ الحصول على منحة دراسية، لذلك عملت في مرسم للإعلانات، فكنت ادرس وأعمل في الوقت نفسه، ومن هناك كانت الانطلاقة.
عندما كنت أدرس في كلية الفنون الجميلة كان لرسم "الموديل" الذي يجلس أمامي، رجلاً كان أو امرأة أو طفلا، يتحول على سطح لوحتي إلى موضوع فلسطيني، بمأساته وزيّه وتعبير وجهه، هذه الأشياء لفتت أنظار أساتذتي، وعندما سألوني قلت لهم إنني عشت أحداث النكبة الفلسطينية بكل أبعادها، لذلك سمحوا لي أن أرسم ما أشاء ولكن تحت إشرافهم.
أول معرض أقمته كان في مدينة غزة، وبعد هذا المعرض شعرت بالمسؤولية تجاه الفن واللوحة الفنية القادرة على تحريك مشاعر الناس، فأهل غزة أتوا من أجل ان يشاهدوا معرضاً للوحات يقام في مدينتهم، فتفاعلوا معه بشكل ملفت للنظر، وهذا أثّر فيّ كثيرا وحدد مسار حياتي كلها.
أقمت معرضي الثاني في القاهرة، الذي شاركتني فيه تمام الأكحل الزميلة في ذلك الوقت وزوجتي الآن، ورعاه وافتتحه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. ثم سافرت إلى روما والتحقت بأكاديمية الفنون الجميلة لإكمال الدراسة، التي أنهيتها أوائل العام 1957.
بعد ذلك انتقلت للعيش في بيروت وعملت في مجال رسم أغلفة الكتب، والصحف والمجلات ما بين 1957-1964.
عندما يكون المبدع معنيّا بالتعبير عن قضية ما، يبذل كل جهده حتى يعبر عنها بأعلى مستوى يستطيعه من الفن، ليصبح فنـه هو الذي يحمل القضية، وليست القضية هي التي تحمل فنـه، فمن هنا كان يجب ان أظل على إطلاع دائم على مسارات الحركات الفنية في العالم ومثابرا على العمل والإنتاج لأبقى في مستوى فني يحمل القضية.
واعتبر ان "55" عاما من العطاء الفني الذي قدمناه انا وتمام، استطعنا إلى حد كبير أن نكون عند حسن ظن الذين كانوا يتابعون هذا الإنتاج، وعند حسن ظن أنفسنا.
* لو لم تكن تحمل القضية الفلسطينية في رسوماتك، هل كان انتشارك وسوق لوحاتك أرحب من ذلك؟
ليس أكثر رحابة وليس أكثر حرية. فالعمل الفني هو عمل فني، سواء فيه قضية يعيشها الفنان أو فيه موضوعات أخرى. والحياة مليئة بالموضوعات المتنوعة، هناك من يرى ان إسماعيل شموط لا يرسم إلا عن فلسطين، وهناك من يعتقد أنني لا ارسم إلا المآسي عن القضية الفلسطينية. ولكن الحقيقة أن أكثر من نصف لوحاتي تعبر عن "الفرح الفلسطيني" المنتظر أو الذي كان.
الالتزام هو التزام الفنان أو المبدع لفكر معين، فعندما يكون هناك فنان مؤمن بقضاياه، فإن أي شيء يرسمه ويعبر عنه يصبح عملا ملتزما، وأي عمل فنيّ جيد يكون وراءه فنان أو مبدع ملتزم.
منذ الصبا كانت تغريني حقول فلسطين المزدانة بالأزهار، لا يمكن ان أنساها، وعبرت عنها في كثير من لوحاتي. وخاصة في لوحة "الجدارية" التي أنجزتها العام 1997 واسميتها "الربيع الذي كان"، هي ذكرياتي عن فلسطين الجميلة التي اذكرها صبيا، فهناك أشياء كثيرة في الحياة تستحق ان ترسم، وان نعبر عنها ونقدمها بحلة جميلة للمتلقي.
لا يمكنني التخلى عن فلسطين، فلسطين المعاناة وفلسطين الفرح. طرح عليّ سؤال منذ سنوات قليلة عن مشروعي القادم، فقلت بأني أريد أن أتخلص من الموضوع الفلسطيني، ولم أقصد ان أتخلى عنه، فهو في كل جوارحي ووجداني، لكني قصدت أن تصبح المأساة الفلسطينية، بكل آلامها وتطلعات شعبها وفرحها مصدراً منفتحا على قضايا الإنسان في كل مكان، وأن أرسم الجمال في كل شيء، في فلسطين وفي اي مكان على وجه هذه البسيطة وفي سبيل الحياة بشكل عام.
* كيف تتشكل اللوحة الفنية بين يديك؟
لست ممن يصممون لوحاتهم على شكل اسكتشات أولاً، ثم ينفذون ما رسموا على قماش اللوحة بالألوان، زيتية أو مائية أو طباشيرية أو غيرها.
بالنسبة لي تعيش في وجداني وفي مشاعري وأحاسيسي صورة موضوع ما، مبعثه شيء شاهدته أو قرأت عنه، أعيشه في يومي وليلي، وتبدأ ملامح أبرز ما سيكون في اللوحة تتشكل في مخيلتي، أقوم بعدئذ لألوّن، وأثناء العمل، الذي يمكن أن يستمر أسابيع أو شهورا، تتوالد الأفكار وتنمو الأحاسيس والمشاعر والأفكار لتصبح جزءا من اللوحة.
* ما هي حكاية "الكرسي" الذي يظهر في معظم رسوماتك؟
هو كرسي شعبي، يوجد مثله في سورية ولبنان، ولكن هذا الكرسي الفلسطيني له شكل معين كنت أشاهده وأنا طفل في كل المقاهي الفلسطينية، ولذلك هو مطبوع في ذهني، ويظهر في أغلب لوحاتي، أول مرة كان في لوحة اسمها "هناك كان أبي" في العام 1957، أعبر فيها عن طفل كنت أعرف والده الذي استشهد أثناء احتلال قطاع غزة إبان العدوان الثلاثي عام 1956.
* يقال إن فن التجريد في الغرب أفضل منه في العالم العربي، فما رأيك؟
لقد تعلمت الرسم في مصر على أيدي أساتذة مصريين كبار، كانوا أول من درسوا الفن في الخارج، وعادوا ليؤسسوا مدرسة الفنون، التي تعرف اليوم بكلية الفنون الجميلة، وكان أسلوبهم أكاديميا، وعندما ذهبت إلى روما كان المجال اكبر أمامي للاطلاع على كل أساليب التجارب المعاصرة في التجريد وغيرها، وتعرفت هناك على مدارس عديدة، لم أتأثر بها، فأنا اعتبر نفسي انتمي إلى مدرسة فنية تختلط فيها الواقعية والتعبيرية والرمزية.