جديد في غزة- ينقبون في كثبان الرمال بحثاً عن الطعام!
نشر بتاريخ: 25/01/2010 ( آخر تحديث: 25/01/2010 الساعة: 18:12 )
غزة- تقرير "معا"- تجدهم صباح مساء، يتناوبون على مدار الساعة، دون الالتفات لبرودة الطقس أو شدة الرياح والأمطار.. نساء وشبانا وأطفالا وصبية، ينبشون في الأرض، يقلبونها ويتفحصونها بدقة، ليضعوا ما يبحثون عنه في أكياس تمهيدا لبيعه.
هم ليسوا في انغولا وزامبيا، أو جنوب إفريقيا ،حيث التنقيب عن الذهب والألماس، لكنهم موجودون في جنوب قطاع غزة وعلى وجه التحديد بمدينة خان يونس، يبحثون في الأرض ليس عن الذهب والألماز بالطبع.. أو القطع الأثرية، وإنما عن الحصى والحجارة.
يقضون ساعات طوال، لكي يجمعوا اكبر قدر ممكن من (الحصمة)، تكون معينا لهم في توفير قوت يومهم وطعام أطفالهم، بعد أن ضرب الفقر بقوة الكثير من العائلات والأسر الفلسطينية بسبب الحصار والانقسام.
الفقر والحاجة:
"أم ياسر" سيدة في الخمسين من عمرها، جاءت إلى منطقة الغربية من خان يونس، وتحديدا في منطقة، (نفية دكاليم وحاجز التفاح) سابقاً، حيث كانت توجد مواقع الجيش الإسرائيلي والمستوطنات الإسرائيلية قبل الانسحاب في العام ألفين وخمسة، تحمل بيدها "نخالة" أو كما يطلق عليها " كربالة"، تفتش عن (الحصمة) وما تبقى من (الفسكورس)، الذي كان مستخدم من قبل جيش الاحتلال في الإنشاءات وبناء المواقع.
تقول "أم ياسر" ويملأ قلبها الحسرة والألم، "اضطررت لهذا العمل، الذي جاء بالصدفة، كي أتمكن من إعالة أسرتي، المكونة من سبعة أفراد، فزوجي مريض ولا يقدر على الحركة بعد أن أصبح جليس مقعد متحرك".
وتتابع "أم ياسر" حديثها لـ"معا": "أقوم بالتنقيب عن ( الحصمة) في كثبان الرمال، ومن ثم غربلتها وتنقيتها، وهو ما يتطلب جهدا كبيرا بالكاد استطيع الصبر عليه لكن؛ الحاجة وسوء الحال يجبرنني على ذلك.
وتضيف "ام ياسر" بعد أن اجمع اكبر قدر من (الحصمة) أقوم بتعبئتها، في أكياس ليتم بعد ذلك لبيعها لمن أرد حيث يتم دفع مبلغ (3 شواقل) عن كل كيس وهو ثمن بخس لا يتلاءم مع حجم الجهد الذي نبذله.
وتشير "ام ياسر" إلى أنها تجلس لساعات طويلة من ساعات الصباح الأولى وحتى مساء اليوم، لكي تتمكن من توفير قوت اليوم الذي يليه، وتوقم بتعبئة اكبر قدر من الأكياس، كي تحصل على وجبة ساخنة لأولادها وزوجها المريض الذي بحاجة إلى تغذية واهتمام.
طعام أطفالنا في الرمال:
أما الشاب احمد أبو مصطفى فيقول:" لجأت لهذا العمل، بعد أن ضاقت علينا الدنيا، ولم يعد لدينا اي مصدر دخل، مما اثر على أوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية، حالنا كالحال الكثير من الأسر في قطاع غزة، فالحصار والإغلاق لم يبق لنا مصدر دخل نلجأ إليه، ومعونات وكالة الغوث بالكاد تسد الرمق، ونتيجة لتردي هذا العمل لجأت انا وأخي للعمل الحر، فعملت بالسابق في الأنفاق بالرغم من خطورة العمل وعملت في الحفريات، ولم ابق اي مهنة إلا وعملت فيها لتوفير قوت أسرتي، وأخيرا لجأت لهذا العمل".
ويضف احمد وابتسامة خجولة تعلو محياه: "العالم لو شاهدنا ونحن نقوم بالبحث في التراب وتنقيته وتنخيله، ربما يعتقدوا إننا نبحث عن الذهب والألماس، كما نرى على شاشات التلفزة، لكن الحقيقة المرة والمؤلمة إننا نبحث في الرمال والأتربة لكي نحصل الحصى الذي يوفر لنا مصدر دخل مؤقت".
وطالب ابو مصطفى الجهات الدولية والمؤسسات الاغاثية والخيرية للبحث عن الفقراء والأسرة المستورة، وان توفر لهم ما يمكنهم من سد رمق أطفالهم وقوت يومهم، في ظل انعدام الأمل في فك الحصار وتنمية الاقتصاد.
أطفال في سوق العمل:
لكن؛ أكثر ما يقلق المتتبع لظاهرة العمالة الجديدة، حيث -الغبار والأتربة- هو وجود عدد كبير من الأطفال الذين يبحثون عن العمل، سواء من وجد لمساعدة أهله، أو من جاء لكي يوفر مصروف يومه دون وعي أو إدراك منهم بخطورة هذا العمل- الذي لم يخطر على بال الطفل ادهم الذي جاء مع عدد من إخوته وأصدقائه ليبحثوا بين الأتربة بين كثبان الرمال والأتربة عن اكبر قدر ممكن من الحصمة وحجارة الزلط، لبيعها لمتعهدين أو زبائن.
محاولات فردية":
ويؤكد م. أسامة كحيل أمين سر المجلس التنسيقي لإعادة الأعمار، أن هذه الظاهرة هي محاولات فردية من قبل عائلات وأفراد، لا يمكن أن تساهم في برنامج إعادة الأعمار، وذلك لان قطاع غزة بحاجة لأكثر من 5آلاف طن من الاسمنت يوميا، والى ما يقارب 20 الف طن من الحصمة وهذا بشكل يومي من أجل إعادة ما دمره الاحتلال من مباني ومنشآت.
ويقول كحيل أن هذه الظاهرة تثبت مدى تمسك المواطن الفلسطيني بالعيش بكرامة، وهي رسالة حضارية وأخلاقية، مفادها أن الفلسطينيين قادرين على البحث في الرمال والصخور من اجل العيش بكرامة دون أن يتسول من أحد، موضحا أن الكثير من الناس لجأوا لهذا العمل بسبب الفقر والبطالة والحاجة التي أثرت بشكل مباشر على حياة الناس بسبب الحصار والإغلاق المشدد.