"معا" و"أمين" تدخلان زنازين النيابة العسكرية والمخابرات في الخليل
نشر بتاريخ: 26/01/2010 ( آخر تحديث: 26/01/2010 الساعة: 19:36 )
الخليل- تحقيق معا- مراسلنا محمد العويوي- بعد قيام وكالة "معا" بدخول زنازين الأمن الوقائي في الخليل، ومركز سجن إصلاح الظاهرية، تمكنت، يوم أمس، بالتعاون مع شبكة أمين الإعلامية من دخول سجني النيابة العسكرية والمخابرات العامة في مدينة الخليل، جنوب الضفة الغربية.
قصص وحكايات يرويها نزلاء السجنين، 14 موقوفاً لدى النيابة العسكرية، و39 موقوفاً لدى المخابرات العامة، لكل واحد منهم قصته، لكل واحد منهم آلامه الشخصية، وان اختلفت التهم المنسوبة إليهم، ففي غالبيتها تقع تحت مسمى واحد أطلقه احد الموقوفين لدى المخابرات "كلنا هنا ضحية الانقسام الأسود".
وأضاف "رسالتنا من داخل سجن المخابرات للطرفين، فتح وحماس، يجب عليكم تغليب المصلحة العامة قبل المصلحة الحزبية، انتم لا تعلمون ما يحدث لنا، افترقنا عن عائلاتنا، يخاف أصدقاؤنا الاقتراب منا، والحديث معنا كما كنا نفعل سابقا، مستقبلنا يسير نحو الضياع، لا نملك لكم حقداً أو كرها، ولا تدعو الكره والحقد يسيطر علينا، أنقذونا من الضياع، أعيدوا اللحمة لوطننا الممزق، كفى.. كفى.. بالله عليكم..".
كنا نحو 20 إعلاميا وإعلامية، من وسائل إعلام مختلفة من محافظات الضفة الغربية، توجهنا بعد دعوة من محافظ الخليل، د. حسين الأعرج لزيارة سجن وزنازين المخابرات في مدينة الخليل، للإطلاع وبأم أعيننا عما يدور في تلك الأماكن المغلقة، والاستماع لشهادات الموقوفين عن وضعهم القانوني والمعاملة التي يتلقونها من جهاز المخابرات، هذه الدعوة جاءت خلال ورشة عمل نظمتها شبكة أمين الإعلامية، حول الأجهزة الأمنية وحقوق الصحفيين.
قلت في سريرة نفسي، كما قال آخرون من زملائي، أخيراً سندخل عرين الأسد ونتحقق مما كنا نسمعه عن تعذيب الموقوفين لدى المخابرات وطريقة معاملة المراجعين، أخيراً سنتمكن من كشف حقيقة ما يخفيه المخابرات من أساليب في انتزاع اعترافات من يوقف لديهم.
مقر المخابرات..
ما أن دخلنا مقر المخابرات في هذا اليوم العاصف الماطر، حتى غمرتنا مئات الأسئلة، وأمطرنا مدير الجهاز العقيد خالد ابو يمن، بزخات الأسئلة، كان يحاول جاهداً الإجابة عن تلك الزخات، وما أن يبدأ في توضيح نقطة معينة، حتى كانت تأتيه موجة جديدة من الأسئلة، وكان يعطينا سيولاً من المعلومات، كادت ان تجرفنا وتغنينا عن مقابلة الموقوفين.. قبل الدخول لقلب مقر المخابرات، طلب منا العقيد ابو يمن، مراعاة حقوق الموقوفين وعدم تصويرهم أو نشر أسمائهم إلا بعد أخذ موافقتهم على ذلك.
بائع النعناع..
فتحت الأبواب الحديدية، ودخلنا للزنازين، قيل لنا لكم الحرية في سؤال أي كان داخل الزنازين وعن أي شيء تريدونه.. فتح باب الزنزانة الأولى، وكان يتواجد فيها المواطن "د. ق"، ما هي تهمتك؟، تهمتي أن شقيقي مطلوب للأجهزة الأمنية، وأنا موجود هنا منذ عشرة أيام، المعاملة جيدة، ولم أتعرض للتعذيب، سألت أحد ضباط المخابرات، وهل كون شقيقه مطلوب لديكم يتم اعتقاله؟، فأخبرني سراً، بأنه موجود هنا لأسباب أمنية حيث تم ضبط وسائل قتالية في منزله، ورفض هذا الضابط الإفصاح عن تلك الوسائل، لأسباب أمنية وحفاظاً على سلامته.
تركنا الزنزانة الأولى خلفنا وتقدمنا خطوات في قلب "العرين"، خلف باب موصد، ظهر رجل في الخمسين من عمره ملتحي، دفعنا الباب بهدوء، وسألنا الرجل عما يفعله هنا، فأخبرنا بأنه تم استدعاؤه للتحقيق في قضية قيام قريب له بالاتجار بالسلاح، كيف هي معاملتهم لك، فيجيب الرجل الخمسيني " حينما كنت قادماً الى هنا كنت خائفاً أن حدث لي ما كنت أسمعه من الناس في الخارج، ويقومون بتعذيبي، لكني تفاجأت من طريقة معاملتهم لي."
تركناه وتقدمنا أكثر وفتحت أبواب حديدية ظهر من خلفها أشخاص قد تعرفهم أو التقيت بهم خارج هذا العرين، وكان أحدهم "بائع النعناع" فسأله أحدنا، ما هي التهمة ضدك، فيجيب البائع بابتسامة "شتم السلطة، كان رجال المخابرات يقومون بعملية إيقاف أحد المواطنين، فأخذت أكيل لهم الشتم والسباب، وانتهى بي المطاف معه داخل الزنزانة"، فأخبرنا العقيد ابو يمن، بأنه سيتم إخلاء سبيله خلال الساعة المقبلة.
أنا أنتمي لفتح..
في الزنازين المتبقية، التقينا بعدد آخر من الموقوفين، اختلفت مدة إقامتهم فمنهم من هو موجود منذ 20 يوماً وآخر منذ ثلاثة، وآخر منذ يومين، وأجمع هؤلاء على أنه يتم معاملتهم معاملة جيدة ولا يتعرضون للضرب أو التعذيب، ولفت انتباهي أن أحدهم وهو من سكان بلدة يطا جنوب الخليل، قال بأنه عضو في حركة فتح، وهو موقوف بتهمة حيازة قطعة سلاح.
وأضاف "تم استدعائي من قبل المخابرات في يطا، وقمت بتسليم مسدس لهم، وتم استدعائي مرة أخرى وأنا هنا قيد التوقيف." ألم تخبرهم بأنك عضو في حركة فتح، وأنه يحق لك امتلاك قطعة سلاح بحسب القانون، ويجيب" أخبروني بان المسدس كونه مسروق لا يمكن ترخيصه وتمت مصادرته".
انتهى عصر التعذيب..
يقول محمد الفطافطة 25 عاما، والموقوف منذ 13 شهراً " منذ حادثة مقتل هيثم عمرو، اختلفت المعاملة كليا، لم نعد نسمع صراخ الموقوفين، لم يعد أي شخص يتعرض للتعذيب، هناك نقلة نوعية في التعامل معنا، لم يعد أي منا يتعرض للشبح، أو للشتم."
وحول سؤالي له، عما إذا تعرض للتهديد من قبل المخابرات، قبل زيارتنا، والطلب منهم بأن يقولوا بأنهم يعيشون في الجنة ولا ينقصهم شيء سوى مغادرتها، نفى الفطافطة، كما نفى كل من قابلناهم بأن يكون ضباط المخابرات قد طلبوا منهم الكذب علينا، وأضاف الفطافطة " أخبرونا بأنكم ستقومون بزيارتنا، ويمكننا الحديث معكم عن أي شيء والرد عن أسئلتكم أن كنا نرغب في ذلك، فأمامنا الحرية المطلقة للحديث معكم عن أي شيء نريده."
ولدى سؤاله عن التهمة التي تبقيه 13 شهرا دون محاكمة، أوضح بأنه وقبل اعتقاله، كان يحمل جسم متفجر، فانفجر بين يديه، وتم توقيفه من قبل المخابرات، وعملت المخابرات على توفير العلاج اللازم له، وأضاف " جميع أفراد المخابرات في السجن تربطني بهم علاقة طيبة، ووضعي جيد، لكن أريد أن يتم عرضي على محكمة والحصول على حكم أو إخلاء سبيل، لأنه من غير المعقول أن أبقى دون محاكمة، كبقية زملائي الموقوفين، نريد محاكمة أو يتم إخلاء سبيلنا."
الثلاجة..
أثناء تجوالنا في سجن المخابرات ذكر أحد الموقوفين، بأنهم وضعوه داخل ثلاجة لمدة ثلاثة أيام، وحينما غادرنا السجن والتقينا بالعقيد ابو يمن، سألناه لماذا تقومون بوضعهم في الثلاجة، ابتسم الرجل، وطلب منا مرافقته، دخلنا بناية تابعة للمخابرات وصعدنا للطابق الثالث، توقف العقيد أمام إحدى الغرف، وطلب منا الاستماع له، أحطنا بالعقيد.
وقال بالإضافة للزنازين والسجن يوجد خلف هذا الباب زنزانتين للعزل الانفرادي، ولا نعرف من أطلق لقب الثلاجة على هذا المكان، طلب من احد الحراس فتح الأبواب، ودخلنا للعزل الانفرادي، وكان يتواجد بداخل كل غرفة، ومساحتها نحو المترين بعرض متر ونصف، شخص واحد، لم نقف عند هذا الحد، وطلبنا من مدير جهاز المخابرات أن نقوم بإحضار الموقوف، الذي أخبرنا بأنه تم سجنه في الثلاجة، نزل أحدنا مع احد الحراس، ليعود بعد قليل مصطحبا معه الموقوف، وطلبنا منه أن يدلنا على مكان الثلاجة التي سجن فيها، لم يتردد الرجل، ودخل إحدى الزنزانتين، فسألناه هل تعتبر هذه الزنزانة ثلاجة، فأجاب نعم، هي باردة جداً في الشتاء لذلك نقول عنها ثلاجة، وماذا تطلقون عليها في الصيف؟ ولم يجب الرجل..
رسالة لفضائية الأقصى..
قبل مغادرتنا عرين المخابرات العامة، طلب منا أحد الموقوفين بإيصال رسالة لفضائية الأقصى التابعة لحماس، وهذا نصها " الإخوة في فضائية الأقصى، لا تقدموا معلومات مجانية للاحتلال الإسرائيلي، حينما تقومون بنشر أسماء من يتم اعتقاله من قبل الأجهزة الأمنية في الضفة، كأنكم تقولون للاحتلال هذا فلان نشيط في حماس وتم اعتقاله، راقبوا متى يفرج عنه ومن ثم اعتقلوه.. نحن نقدر عملكم، ولكن لا تعرضونا للخطر من خلال نشر أسمائنا.. وفقكم الله لما يحب ويرضى".
كمبيالة بدون رصيد..
قبل ذهابنا لعرين المخابرات العامة، كنا قد عرجنا في الصباح على مقر النيابة العسكرية، للاطلاع على أوضاع الموقوفين لدى النيابة العامة، المقدم القاضي عيسى عمرو، رئيس النيابة العسكرية، أوضح لنا بأن عدد الموقوفين لدى النيابة العسكرية 14 في انتظار تقديمهم للمحاكمة العسكرية.
دخلنا غرف التوقيف، وفي كل غرفة كان يتواجد 4 موقوفين، وتم فصلهم حسب قضاياهم، غرفة تخص المتهمين بالخيانة، وغرفة للعسكريين وأخرى لموقوفين بتهم نقل أموال وتلقي أموال من حماس.
أحد الموقوفين العسكريين، ذكر لنا بأنه موقوف على ذمة قضية عدم سداد دين، حيث قام بكتابة كمبيالة بملغ 90 ألف شيكل كضمان لشقيقه، وقام صاحب المبلغ بتقديم شكوى ضده في محكمة الصلح والتي أقرت بسجني لعدم قدرتي على دفع المبلغ بالكامل ورفض مقدم الشكوى التوصل لحل، وتقسيط المبلغ.
عسكري متهم بالسطو على الطريق العام..
أنا موقوف على ذمة قضية سرقة سيارة، وتعود تفاصيل القضية لخمس سنوات ماضية، حينما قمت بشراء سيارة مسروقة، ولم أكن اعرف بأنها سرقت من فلسطيني، تقدم صاحب السيارة بشكوى ضدي، وتم فصلي من جهاز المخابرات الذي كنت اعمل فيه.
وحينما سألناه، كنت رجل أمن في تلك الفترة، الم تخشى على عملك ومستقبلك؟ فأجاب " كان الكل حينها يقود سيارات مسروقة ومشطوبة.."
وأوضح الرائد عمرو، بأن هذا المتهم تم تقديم شكوى ضده بتهمة، السطو على الطريق العام قبل خمس سنوات، حيث قام بالتعاون مع آخرين على استدراج سائق السيارة لمكان بعيد ومن ثم تم سلب النقود التي بحوزته وسرقة السيارة والفرار بها.
وآخر متهم بالقتل بالاشتراك..
عسكري آخر، قيل لنا بأنه موقوف منذ 7/3/2009، بتهمة القتل بالاشتراك، حيث قام بالاشتراك في شجار عائلي قتل فيه أحد المواطنين جراء تعرضه للطعن بسكين.
يقول الرائد عمرو "هو متهم بالقتل بالاشتراك، وقد نفذ ذلك وهو خارج الدوام الرسمي، وكونه عسكرياً فقد تم تحويل ملف القضية للمحكمة العسكرية، وتم عرضه على المحكمة العسكرية لعشر جلسات، وفي انتظار الجلسة المقبلة."
فصلت من الشرطة على خلفية سياسية..
يقول أحد الموقوفين، بأنه تم فصله من الشرطة وهو برتبة رقيب أول، وذلك بعد اتهامه بتلقي أموال من الحكومة المقالة، وهو موقوف منذ 6 شهور.
تركنا السجنين وما زالت ذاكرتي تردد "كلنا ضحايا الانقسام الأسود، كلنا ضحايا".