السبت: 28/09/2024 بتوقيت القدس الشريف

خربة جبارة وابو حاتم.. معاناة متواصلة وإصرار على الثبات والبقاء

نشر بتاريخ: 11/02/2010 ( آخر تحديث: 12/02/2010 الساعة: 10:22 )
طولكرم - تقرير معا - عملت اسرائيل قبل اكثر من ثماني سنوات على تغيير المعالم الجغرافية لكثير من المناطق داخل الضفة الغربية، وذلك ضمن خطة اتبعتها لوضع اليد والسيطرة على اكبر مساحة من اراضي المواطنين، وبشكل خاص تلك التي تقترب من الخط الاخضر والمستوطنات، وبالتالي السيطرة على مساحات واسعة من اراضي ومنازل المواطنين.

ولم تكن المدن والبلدات والقرى وحتى الخرب بعيدة عن خطة الاحتلال وحكومته، والتي من بينها توسيع مناطق تحت السيطرة الاسرائيلية، وفتح شوارع لإستخدام الجيش والمستوطنين، بالاضافة للجدار الاسمنتي والالكتروني، وصولاً الى توسيع الكثير من الحواجز الصغيرة لتصبح معابر حدودية بداخلها اجهزة وادوات ومعدات تستخدم لتفتيش واذلال المواطن الفلسطيني.

وليس ببعيد عن مدينة طولكرم، في المنطقة الجنوبية منها، وضع الاحتلال اليد على مساحات واسعة من اراضي المواطنين، وعزل قرى وبلدات، وبشكل خاص " خربة جبارة " صاحبة العدد القليل من السكان، الذين يعتمدون على الزراعة والعمل داخل الخط الاخضر لكسب قوتهم والاستمرار في الحياة.

وعمل جيش الاحتلال على عزل الخربة خلف الجدار، واجبر ساكنيها الحصول على تصريح خاص للخروج او الدخول اليها، وفقط سكانها من يسمح لهم دخولها، واي مواطن من منطقة اخرى لا يستطيع الدخول، حيث يتواجد جنود الاحتلال وباستمرار على البوابة الالكترونية الشرقية للخربة، ويتفحصون بطاقات المواطنين وتصاريحهم، وهم " السامح الرافض " لدخول او خروج الناس، وفي كثير من الاحيان يحتجزون عدد منهم لساعات طويلة على البوابة قبل السماح له بالخرج من الخربة، وهذا ما شاهده مراسلنا اليوم وهو يقف ينتظر السماح له الخروج من الخربة.

واستطاع مراسل "معا" في طولكرم الدخول الى الخربة، وذلك ضمن وفد من وزارة الحكم المحلي، تم التنسيق لدخوله مسبقاً، برئاسة مازن غنيم وكيل وزارة الحكم المحلي، برفقة رائد مقبل مدير الحكم المحلي في طولكرم، حيث اطلع على اوضاع سكانها ومطالبهم، والتقى رئيس مجلسها البلدي.

وعقب انتهاء جولة الوكيل غنيم، بقي مراسل معا ومصورها هناك، ولم يغادروا برفقة غنيم، واستمعوا لكثير من القصص والحكايا هناك، وكيف عمل الاحتلال على تقطيع اوصال الاسرة الواحدة، وحرمان الوالد من ولده، والاخت من شقيقها، والناس قوتها، حيث التقى الحاج خالد يوسف عراقي - ابو حاتم (81) عاماً القاطن في الخربة، ويبعد منزله عن البوابة الحديدية الشمالية مسافة 5 امتار فقط.

الحاج ابو حاتم تاجر كراميكا وبلاط، وكان لديه معمل بجانب منزله، يكسب من خلال العمل به، وكان صاحب مال وفير، وقوت كثير، والى جانبه اولاده الاربعة، الا ان الصورة تغيرت كلياً خلال الثماني سنوات الماضية، حيث لا مصنع للبلاط، ولا بلاط اصلاً، والاولاد قريبين لكنهم ممنوعين من الوصول الى منزل العائلة، ليبقى وحيداً " لا مال ولا عيال " بإستثناء زوجته شوقيه عبد الرحيم عراقي، وإثنتان من بناته.

يقول الحاج عراقي:" انا حزين جداً في هذا المكان، فاولادي لا يحضرون هنا الا بعد معاناة كبيرة، ويتوجب عليهم الحصول على تصريح مسبق من قبل الاحتلال، على الرغم من انهم قريبين جداً من هذا المكان، فهم يقطنون في ضاحية ارتاح التي تبعد عني مسافة 5 كيلو متر فقط"، موضحاً انه يأمل بان يسمح الاحتلال لأحد ابناءه وهو اكبرهم " حاتم " البقاء هنا دوماً كي يساعدني ويبقي الى جانبي، الا ان الرفض سبّاق، والمعاناة متواصلة.

ويضيف الحاج عراقي : " قبل فترة حضر الى المنزل احد الضباط الاسرائيليين، وعرض عليّ ان اتخلى عن منزلي، مقابل اي شئ اطلبه، فرفضت وبقوة واجبته " انا ولدت هنا..وسأموت هنا "، وبدأت المعاناة تزيد وتزيد، فهم يحرموني من الوصول الى المستشفى عندما اتعب بسهولة، ويتم ذلك بعد اتصالات ونداءات لفتح البوابة والتمكن من الخروج، وحتى الطبيب ممنوع الوصول الى منزلي، واولادي كذلك الامر.

وتقول نجاة نجلة الحاج عراقي، انها تسكن في مدينة الطيرة المثلث داخل الخط الاخضر، والتي حضرت اليوم لزيارة والدها، انها في كثير من الاحيان تنتظر لساعات لكي تتمكن الدخول من خلال البوابة التي تفصلها عن غايتها، وفي ذات مرة طلب منها احد الضباط اثبات انها ابنته ولم تستطع، فهو من عائلة عراقي، وهي بحسب عائلة زوجها، الا انها اصرّت على العبور وجلست على الارض.

وفجأة ونحن نجلس مع العائلة امام المنزل، حضر اثنان من جنود الاحتلال، وفتحا البوابة، وتقدما نحونا، وسألا " كيف وصلتهم الى هنا، وماذا تفعلون، وماذا يقول لكم ابو حاتم "ودار نقاش وجدال فيما بيننا، حيث تدخلت نجلة ابو حاتم نجاة والتي تتحدث اللغة العبرية، وارتفع صوتها وهي تقول " انا برتمي لساعات ورا البوابة لحتى اوصل والدي... " فتركونا وعادا الى موقعهما.

وختم ابو حاتم : "خسرت اموالي كلها، ولم اعد املك شيئاً منها، وفي ذات المرات عملت بائعاً للقهوة على العمال، الا ان مكان عبورهم تغيّر، فلا عمال ولا قهوة، ولا حتى زيارة من احد لهذا المنزل، مطالباً المسؤولين في السلطة الفلسطينية زيارة خربة جبارة، والاطلاع على معاناة اهلها، ومساعدتهم في الثبات عليها ".