الجمعة: 29/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

الحصار الرياضي وصمة عار في جبين الحركة الأولمبية الدولية

نشر بتاريخ: 15/02/2010 ( آخر تحديث: 15/02/2010 الساعة: 19:38 )
إن من البديهي القول بأن ارتباط الاتحادات الرياضية يكون مع النظام الأساسي للجان الأولمبية في البلد والتي هي من ضمن منظومة اللجنة الأولمبية الأم وإن هذه اللجان شئنا أم أبينا هي جزء من مفاصل الدولة وهي لا تتمتع بالحرية الكافية التي نص عليها القانون الأم للجنة الأولمبية الدولية لأسباب عديدة ولكن أهمها أن الدولة هي الممول الرئيسي لهذه اللجان فهي تستمد عافيتها من المنح التي تقدمها الدولة لها وعلى الطرف الآخر والغريب في الأمر أن نفس اللجنة الأولمبية الدولية لا تقبل بتدخل الحكومات في أعمال هذه اللجان من قريب أو من بعيد( وهو أمر بحاجة لإعادة النضر) فتحاول اللجنة الأم أن تجعل من لجانها في البلدان المختلفة مؤسسات مستقلة بذاتها مما يحدث تضارب في الحقوق والواجبات فكيف لحكومة مركزية تصرف منح مالية للجانها الأولمبية من دون أن تكون لها ولو سلطت بسيطة في تسيير أمورها طبقا لوضعية البلد فليس من المعقول أن يكون إطار لجنة أولمبية في بلد نامي مثله مثلما هو في بلد متقدم وليس من المعقول أن ألا تؤخذ في الاعتبار رغبات الدول والحكومات في تأطيرمحتوى لجانها الأولمبية وعلى الخصوص حينما تمر بعض البلدان في أحوال غير طبيعية كالحروب والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية مما يجعلني أؤكد الحاجة الماسة لإعادة النظر في القانون الداخلي للجنة الأولمبية الدولية أو على الأقل تشريع القوانين التي تحمي حقوق الدول وتصون قراراتها الذاتية وكلما حدث تجاذب بين اللجنة الأولمبية الدولية ودولة ما أو بين ألفيفا أو اتحاد قارئ ودولة ما كلما رُفعت عصا معاقبة فرق تلك الدولة ومنع لاعبيها من المشاركات الداخلية والخارجية وكأن حقوق الإنسان لا تشمل حقوقه في المشاركة علما بأن حرمان اللاعبين وهم ليسوا طائرات أو دبابات أو صواريخ تهدد السلام العالمي هي عقوبة مجحفة بحقوقهم التي ضمنها لهم القانون الإنساني فما هي العقوبات التي ستصيب المنتفعون في اللجان الأولمبية المحلية واتحاداتها حينما يعاقب أفراد بمختلف الأعمار من حقوق المشاركة في الفعاليات التي سترسم مستقبل حياتهم وأنني من المؤسف عند هذه النقطة أن أشبه مثل هذه القرارات الباطلة بالحصار الاقتصادي الذي يقتل الشعوب ويرفه عن الحكام وقد تناست هذه المؤسسات الرياضية بان حرمان اللاعبين من المشاركة في المنافسات القارية والدولية هو في الحقيقة عقوبة بحق أبرياء لا ذنب لهم سوى أنهم يعشقون اللعبة وهذا أمر مؤسف قبل أن يكون قاسي ومؤلم
إنني هنا أنبه السيد رئيس اللجنة الأولمبية الدولية والسيد جوزيف بلاتر والسيد محمد بن همام - وهو رجل تربوي كما عهدته- وهم أباء لأبناء يعشقون اللعب ويهيمون في كرة القدم بقاعدة التطور التي تؤكد حاجة اللاعب لعدم الانقطاع عن التدريب أو اللعب في أي مرحلة عمرية من أعمار اللاعبين لأن هذا الانقطاع سيخلق ما يسمى بعقد التطور أو حواجز التقدم عند الرياضيين وكذلك أذكرهم بقاعدة العشرة آلاف ساعة تدريبية خلال الأعمار 8-10 سنة وبمعدل 2 إلى 3 ساعة من التدريب في اليوم الواحد كقاعدة لانتقال اللاعبين من لمستويات النخبة فهذه صرخات عالية أمام كل من يمنع مشاركة أي رياضي في الألعاب الرياضية وهي كافية لتنبيه من يجلس على كراسي السلطة الرياضية في العالم بأن الدكتاتورية المقيتة ستجد لنفسها مرتعا في المؤسسات الرياضية فيما لو استمر معاقبة الرياضيين بسبب مخالفات موئساتهم الرياضية فمن يمتلك الحق لسلب مراحل تطور الجنس البشري بسبب خلاف مؤسساتي وفي الحقيقة فإن مثل تلك القرارات تجاه مشاركة اللاعبين طعن في العلم والمعرفة وقواعد التطور التي أثبتتها البحوث والدراسات العلمية وإني أحتج علميا على هذه الظاهرة التي لا تليق بمؤسسات تربوية تضع المناهج العلمية قواعد لتعاملها مع النهوض بالواقع الرياضي فيتحول الوجه المشرق للرياضة إلى وجه بشع وقبيح.
وإن من المؤسف على الطرف الآخر من هذه القضية أن مستوى تفكير القيادات الرياضية في مثل تلك البلدان لا يرقى للبحث عن سبل مواجهة تلك العقوبات فإن عجزت تلك اللجان أو الاتحادات الشرعية والغير شرعية عن الخروج من المأزق ورضيت بما قُدر لها من اللجنة الأم أو الاتحاد الأم فإن أقل ما يمكن أن تقدمه تلك المؤسسات التي تعتبر رائدة في مجال التعلم والتعليم هو الاعتذار العلني لهؤلاء الذين أصبحوا ضحايا المصالح الشخصية واللؤم الإنساني لقد تمنيت لمن يقف وراء هذه الأزمات والذي يكون بمقدوره حل تلك المشكلة أن يقف أمام هؤلاء الرياضيين الذين حرموا من المشاركة ويقدم اعتذاره لهم أولا ومن ثم يقدم استقالته الرسمية ويقبل بأي حل حتى لو كان على حسابه الشخصي لأن العقوبات لن تستمر مهما طالت ولكن التاريخ لن يسامح المتلاعبين بحقوق الناس مهما طال الزمن ولكي يكون هناك باب لحل المشكلة لنتفق على ثلاث أشياء مهمة:
أولا بأنني لا أدافع عن اتحاد معين أو لجنة معينة ولا أخالف أي عقوبة ردع بحق من يخالف القانون الرياضي في مختلف مستوياته بل أدعم ذلك وأهلل له لأن النظام واحترام النظام إيمان بعدالة السماء التي بناها الباري عز وجل على نظام راق وعظيم إلا أنني هنا أدافع عن حقوق المشاركة لأفراد رياضيين امتهنوا الرياضة التي أصبحت الجزء الأهم من حياتهم وهذا أمر لا يعرفه إلا من لعب اللعبة وانخرط في رياضة التنافس وصرف سنين عمره في ساحاتها!ولعل الرجوع إلى مبادئ الأخلاق الرياضية الخمسة عشرة المكتوبة والمنشورة في كل صفحة رياضية على الانترنت لا تتلاقى مع قرار إيقاف مشاركة الرياضيين بسبب مخالفات مؤسسات رياضية لبلد اللاعبين فللرياضي حق تضمنه هذه القواعد الأخلاقية في المشاركة في اللعب والتنافس والتعبير عن النفس والكفاءة كذلك حق الحصول على فرص متساوية في الكفاح والحق بأن يُعامل باحترام وحق المشاركة في المنافسات لبناء شخصيته المستقبلية وهذه كلها بعض من حقوق اللاعبين المقدسة التي يجب عدم المساس بها من قبل أي شخص مهما كان موقعه في سلم القرار ومهما كانت المشاكل بين المؤسسات الفرعية والمؤسسة الرياضية الأم فالمسارعة في إلغاء قرار إيقاف اللاعبين عن المشاركة في البطولات والمنافسات مع الإبقاء على عقوبة الاتحاد أو اللجنة الأولمبية الوطنية المخالفة هو اعتراف متحضر بقائمة حقوق الرياضي سيرفع من منزلة من سيقف وراءه.
ولنتفق ثانيا بأن معاقبة اللجان الأولمبية أو الاتحادات الرياضية المحلية بسبب مخالفات مؤسساتية مسألة تتعلق بالدولة أو بالحكومة وهذا أمر ربما سوف لن يحرك شعرة واحدة في جسد الحكومة لأن الحكومة ووزرائها سوف لن يحرمون من التنقل بين البلدان أو السفر من وإلى وهي قضية لن تمس عائلة أي وزير أو مسئول في الدولة بل بالعكس ستكون حجة لمن هب ودب في تلك اللجان والاتحادات الوطنية الأصلية والبديلة للسفر هنا وهناك وصرف مبالغ نقدية طائلة في رحلات سياحية لا طائل من ورائها تحججا بحل المشكلة وهنا أسأل السادة في اللجنة الأولمبية الدولية والاتحاد الدولي هل هناك مخالفة للقانون أو للأعراف أو للسلوك قام بها اللاعبون ليعاقبوا بهذا الشكل؟ فإن كان الجواب كلا وهو بالتأكيد كلا فعلى من يهمه الأمر التراجع عن مثل هذه القرارات التي لا تمت لروح العمل الأولمبي.
ولنتفق ثالثا بأن من سيدفع الثمن هم شريحة واحدة فقط وهم الرياضيين ومدربيهم والذين ليس لهم (ناقة ولا جمل) في هذه المخالفات المؤسساتية وحين البحث الدقيق في الأمر فإننا سوف لن تجد أي قوة عادلة في العالم تسمح لنفسها منع الرياضيين من المشاركة في النشاطات والمسابقات العالمية والقارية وخصوصا أن هؤلاء الرياضيين قد تأهلوا رسميا وقانونيا بعد منافسات شريفة وكفاح كبير لتلك المشاركات فأي قوة وأي قانون مكتوب يوقف مشاركة هؤلاء الأفراد الذين كافحوا وعانوا من أجل هذا التأهل؟ مع التذكير بأن هذا التأهل لهذه المسابقات هي ثمرة جهد وعرق هؤلاء اللاعبين وليس الحكومات والاتحادات الرياضية ؟ إن أي إنسان يحمل في ثناياه روح ومبادئ الحركة الأولمبية سيكون شجاعا فيما لو عمل لصالح أعادة مشاركة هؤلاء اللاعبين في النافسات الرسمية ولعلي أؤشر هنا مخالفة إنسانية لروح ومبادئ الحركة الأولمبية الدولية وهذا يدعوني لأن أعلن خوفي من أن تتحول اللجنة الأولمبية الدولية إلى أمم متحدة أخرى لتعاقب الشعوب وتفتك بهم باسم القانون فكل إنسان مؤمن بحق الرياضي بالمشاركة بغض النضر عن الدين أو الجنس أو اللون أو الفكر كما تقول مبادئ الحركة الأولمبية عليه المسارعة لدعوة الرياضيين المعاقبة بلدانهم واتحاداتها للمشاركة في كل المنافسات والسباقات المقامة تحت مظلة الاتحاد الآسيوي أو الدولي.
ومن ناحيتي فأنني أقترح عقد مؤتمر لمجموعة البلدان المتضررة من النظم الداخلية للجنة الأولمبية الدولية والخروج بتوصيات تعطي للدول والحكومات حيز من المرونة في التصرف بلجانها الأولمبية الأهلية الوطنية وفق رؤى تلك الدول وللحقيقة فإن مجموعة من الأحداث في السنين الماضية تؤكد بما لا يقبل الشك الحاجة لخلق تكتل دولي قوي لمواجهة تفرد اللجنة الأولمبية الدولية بما على المائدة من طعام فلقد حدث تغيير شامل في الفكر الإنساني وفي تنظيم المجتمع وقد تم تعديل الكثير من مفاصل المؤسسات الدولية إلا أن المؤسف هنالك جمود في آلية العمل الأولمبي الدولي ولعل ذلك يتعلق بالمبادئ الأولمبية علما بأن تغير المبادئ وتطويعها لتطور البشرية لا يعني التنازل عنها.
إن من حق اللاعبين الصغار رفع دعوى قضائية عند الجهات القضائية العالمية لمقاضاة كل الذين يقفون عثرة أمام ممارسة هؤلاء الرياضيين الصغار لحقوقهم الرياضية والتي ضمنها لهم القانون الإنساني كما أن من حقهم المطالبة بتعويض مالي جراء الإحباط والأذى النفسي الذي سببته تلك القرارات فالمخالفة واضحة وإني يشهد الله سأكون لها وسوف لن يوقفني شيء عن الدفاع عن أبنائي الذي أصبح كل العالم ضدهم.


**بقلم : د. موفق مجيد المولى