السبت: 16/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

من ذاكرة النكبة.. الحاجة زهدية: هربنا من بربرة والبرير والمجدل والخصاص بعد سماعنا عن إنتهاك الصهاينة للأعراض!

نشر بتاريخ: 15/05/2006 ( آخر تحديث: 15/05/2006 الساعة: 10:40 )
غزة- معا- الحاجة زهدية حسن عبد الرازق والي, تصر على أنها كبرت وأنها الوحيدة الباقية من عائلتها المهجرة من قرية الخصاص قضاء المجدل في عام 48، وتصر أيضاً أن تطلق على اسمها اسم عائلتها قبل الزواج رغم اعتزازها بزوجها وهويته الخاصة وعائلته.

الحاجة "زرقاء العينين" عثرنا عليها في مخيم جباليا للاجئين، وهو المخيم الذي أقيم عام 1954 عقب توافد الفلسطينيين المهجرين من قراهم وأراضيهم من شمال فلسطين ووسطها إلى قطاع غزة لا سيما بلدة جباليا المقامة في شمال مدينة غزة، حيث قطع الفلسطينيون الشريط الساحلي بعضهم في حوالي ساعة ونصف وآخرين لأيام ممتطين حيواناتهم الصغيرة والبغال والحمير، وقد دفنوا على بعد أمتار قليلة من الأرض متاعهم ونقودهم وحليهم آملين بالعودة بعد أيام قليلة لبيوتهم وخصاصهم وأراضيهم الرحبة الواسعة والفواكه الطازجة التي ذبلت على الأشجار وتساقطت تحت دبابات الاحتلال القادم.

الحاجة التي تبلغ من العمر قرابة 74 عاماً أي ما يزيد عن عمر النكبة بستة عشر عاماً فقط تؤكد أنها تحفظ عن ظهر قلب ملامح بلدتها والقرى المحيطة بها، وحدود منازل اهالي بلدة الخصاص وسوق المجدل الذي يتجه له القرويون كل يوم لبيع محاصيلهم الزراعية وبضائعهم والسلع الصغيرة، فيما يتجه له البدو فقط في يوم الجمعة، السوق الذي شهد في أحد الأيام سقوط الشهداء والجرحى, وكانت هي من بينهم جريحة حيث أصابتها شظايا العيارات النارية التي أطلقتها ثلاث طائرات للاحتلال باتجاه الباعة والبضائع، فيما اختبأت هي بالقرب من أحد المصارف الصحية لحين ابتعاد الطائرات الثلاث من المكان وقد تلون جسدها الغض الصغير حيث كانت في السادسة عشر ربيعاً فقط بالسواد وتفتحت فيه الثغرات نتيجة شظايا العيارات، حتى أن أحد أقاربها الفار من المكان ظن أنها قد استشهدت وأرسل خبراً لذويها ينبئهم باستشهادها, فالتقت في منتصف الطريق مع قريبة لها وبقيت الاثنتان تضحكان من سوء ما مرت به زهدية.

قرية الخصاص المسالمة رحبة الأراضي سكنها قرابة 200 فلسطيني من عائلات محسن التي تشمل والي، المزعنن وأبو عودة، وعائلات طبيل وعطوة وشتات، وكان أول شهدائها الحاج محمد بلحة حيث راح في لغم أرضي زرعه الصهاينة المحتلون بالقرب من متاعه، والشهيد الثاني حسن محمود ابراهيم محسن استشهد أيضاً نتيجة لغم أرضي آخر وتناثرت أشلاء الشهيدين في الأرض الرحبة وعلى الأشجار وبالقرب من أمتعتهم، فيما همت النسوة الهاربات إلى لملمة الأشلاء ودفنها تحت التراب وتغطيتها بلوح حديدي كي لا يمسها التراب هناك في الخصاص.

ويرجع إسم الخصاص لعدد الـ " الخصوص" التي كان يبنيها الفلاحون من الأشجار والتي تطورت إلى البناء بالطين ومن ثم بالاسمنت بالقرب من أراضيهم الزراعية حيث كانت تمثل مزاراً سياحياً ومكان للاصطياف لمواطني المجدل والمدن المحيطة كاللد والرملة، وهي لا تبعد عن قطاع غزة سوى مسافة ساعة ونصف مشياً على الأقدام ويحدها من الشرق نعليا ومن الغرب الجورة ومن الشمال المجدل ومن الجنوب قطاع غزة.

أما لماذا هرب قاطنوها منها فيرجع ذلك للشائعات التي انتشرت كما النار في الهشيم إبان مذبحة دير ياسين عام 1948 عندما ارتكب الصهاينة المحتلون أبشع الجرائم في مواطني دير ياسين، فبادرت المدن تحت الضرب والهجمات المتكررة للهرب ومنها مدن يافا وعكا وحيفا واللد والرملة الذين كانوا من أول المهجرين ولحق بهم البرير وبربرة وتبعهم فلسطينيو المجدل والجورة ونعليا والخصاص كانوا آخر من هاجر على حد تعبيرها حتى أن المدة الزمنية التي فصلتهم عن مهاجري المدن الشمالية تجاوزت سبعة أشهر.

ولكن لم هاجر المواطنون وتركوا كل ما يملكون خلفهم قالت الحاجة زهدية:" أكثر شيء دعانا للهرب هو انتشار الخوف من هتك الصهاينة للأعراض وحرق أجران القش والقمح وإذا هتكت أعراضنا فليس لنا شيء بعدها".