مسيحيون في بيت لحم انتخبوا حماس
نشر بتاريخ: 10/05/2005 ( آخر تحديث: 10/05/2005 الساعة: 14:14 )
هل اصبحت الضاحية الجنوبية في بيت لحم مثل الضاحية الجنوبية في بيروت ؟ وهل يدفع الفشل الاداري والتصنيف الطائفي والظلم الى دكتاتورية الجغرافية ان جاز التعبير ؟
الشيخ حسن الورديان من كتلة الاصلاح الحمساوية يؤكد ان سكان الاحياء الجنوبية في مدينة بيت لحم هم بالغالب الذين انتخبوا حماس ، ويوضح بأن هذه الاحياء فقيرة وعانت من ظلم البلديات السابقة واهمالها وبالتالي قام سكان هذه الاحياء بانتخاب حماس ، مؤكدا ان سكان هذه الاحياء يبحثون عن الكتلة التي تهتم بشؤونهم . وبالتأكيد فان المراقب يستطيع ان يفهم من هذا الكلام ان البلديات السابقة كانت تهتم فقط بساحة المهد وبعض احياء المسؤولين.
اما الشيخ حسن صافي وهو مواطن تلحمي من سنوات طويلة - ورغم ذلك لا يزال الارستقراطيون في بيت لحم يصنفونه انه مهاجر من قرية بيت عوا قرب دورا الخليل - فقد نجح هو في الانتخابات وسقط العديد من ابناء العائلات الارستقراطية التاريخية والغنية في المدينة ما يشير الى رغبة الجمهور - او جزء كبير من الجمهور - في الخروج من قمقم التصنيف المحافظ الضيّق الذي يخنق ابناء هذه المدينة باتجاه المستقبل الرحب حتى وان كان مجهولا ، حسن صافي يفسر نجاحه في الانتخابات بالقول ( لم نتفاجئ من ثقة الناس بنا لاننا رفعنا شعار ( الرجل المناسب في المكان المناسب ) والجمهور هو الذي طلب هذا الشعار .
وفي تصريحات اخرى لاعضاء الكتلة قال خالد جادو ان ( السكان في بيت لحم وضعوا ثقتهم في حماس واختاروها من بين خمس كتل وعدد من المستقلين وان اعضاء الكتلة حصدوا عددا متقاربا من الاصوات ما يدل على ان هناك جمهور موحد اختار الكتلة دون تردد ) ويضيف جادو ( ان الكثير من المسيحيين صوّتوا لكتلة حماس ) ولم يحدد عدد المسيحيين الذين صوتوا لهم .
كما لم يخف قادة الكتلة انهم تالقوا العديد من برقيات التهنئة والتبريكات من شخصيات اعتبارية مسيحية بمناسبة الفوز ومثلهم شخصيات علمانية ويسارية ، واكد لنا احد المراقبين على مراكز التصويت ( ان عددا من اليساريين والماركسيين اعطوا اصواتهم لكتلة حماس لانهم ارادوا بذلك معاقبة الفاسدين والكسالى كما ان كثيرين انجذبوا لفكرة التجربة وان تكون حماس الى جانب المسيحيين في مجلس بلدي واحد ) .
خبر فوز حماس في مجلس بلدي بيت لحم فاجأ البعض ، ورسم ابتسامة ساخرة على وجه البعض الاخر ، وصدم البعض ولربما ابكى البعض الاخر .
الدكتور غسان هرماس ( ابو الطيب ) من منظري الحركة الاسلامية ومثقفيها ، وصاحب كلمة مسموعة في اوساط الحمساويين ، لم يتجاوز الاربعينات من العمر ، وحين يسير في الشارع يهمس المارة ( امير حماس ) ، وهو يحمل الصفات التي تدفع بصاحبها الى القمة ، هادئ ، واثق ، متسامح ، عفيف النفس وشجاع في قول الحق ، يقول عنه خصومه بان فيه عيب واحد ( وعيبه الوحيد انه حماس ) وكأنهم يتمنون ان يكون في صفّهم .
ومن خلال لقاء استشرافي معه حاولت ان اقرأ المستقبل في رأس هذا الرجل . وان اطرح الاسئلة التي اعتبرها انا - صعبة - عليه ، وبعد ساعة ونصف من الجدل ارى انني لم اخلص الى نتيجة واضحة ، وذلك ليس بسبب عدم وضوح الرجل وانما بسبب عدم وضوح الصورة .
كنت التقيته لاول مرة في سجن الخليل عام 1989 حيث كان جيش اسحق رابين يعتقل جميع نشطاء الانتفاضة الاولى ومن مختلف القوى والفصائل ، ولكن حماس لم تكن يومها سوى مجموعة افكار وارادات تصلح لنشرات الاخبار وللصحافيين المتسكعين على هامش المفاجئات ، وكان رواد حماس لهم من الاهمية الشخصية بحيث يعتمد نجاح الحركة او فشلها عليهم ، لكن وكالعادة ، ما ان يشتد عود الاحزاب حتى تتضاءل اهمية الافراد وتذوي بشكل تنصهر فيه الذات لصالح العام دون رحمة وهي معادلة قاسية وظالمة يكون المستفيد منها هم الكسالى واصحاب الكفاءات المحدودة الذين يجنون ثمار الحزبية بيسر وسهوله في حين تقسو الحزبية على الكفاءات الفذة والنشطة لصالح مفاهيم شبه مطلقة ، وهي تجربة تذكرني باصنام التمر التي كان يصنعها الجاهليون ليأكلوها عند جوعهم ، فالاحزاب ، والاحزاب العربية خاصة تستنفذ كل طاقات كوادرها المبدعين دون رحمة وحين يتهاوى الكادر تحت وطأة الحياة والاسرة والتقشف والحاجة والشيخوخة تلقي به الى ركن النقد الذاتي والمحاسبة ليخرج صفر اليدين - كما خلقتني يا رب - تماما مثلما يحدث مع احد القادة الحزبيين الذين امضوا حياتهم في خدمة حزب اعرفه ، وهو الان غير قادر على شراء الخبز لاولاده او لابتياع سيارة صغيرة تحمل اقدامه التي تعبت من شدة التعذيب في السجون او تنقل اولاده الى المدرسة .
سالته عن الدين والحياة والانتخابات ، سألته عن الذي ناضل والذي اجرم ، سألته عن نانسي عجرم ، وكانت نظرته شمولية تكاملية تقوم على اساس الدولة الدينية او السلطة الاسلامية ، ومهما كانت الاسئلة او تنوّعت فقد كانت اجابات ابو الطيب توضيحية لفكرة قائمة لا جدال فيها.
من الناحية الحسّية لم تستلم الحركات الاسلامية اية سلطة في الوطن العربي ، وبالتالي فان نموذج استلام هذه الحركات للسلطة غير موجود في ذهن المواطن ، وامام اصراره على ان فتح اخذت فرصتها وفشلت في السنوات العشر الماضية ، حاولت ان اذكره بالمثل الافريقي القائل ( ليس من حق من لم يعبر النهر ان يهزأ ممن غرق ) فابتسم واظهر تفهما ، لكنه على قناعة بأن الحق سينتصر .
غسان هرماس من وجهة نظري هو الوجه المشرق لحماس ، الوجه الداخلي ، هو الجانب الذي دفع بالناس للالتفاف حولها ، هو الرؤية الثاقبة للفرد بعكس الرؤية الهلامية للحزب ، الولايات المتحدة واسرائيل لا ترى غسان هرماس وامثاله ، هم يرون الجانب الذي لا نراه ، يرون الخوف والتهديد والتشدد ، ونحن لا نرى ذلك بالطبع.
ذات يوم جاءت لزيارتي زميلة صحافية يهودية ، وقالت لي انها تحترمني كثيرا ولكنها تأخذ علي انني لا اكتب ضد حماس ، فقلت لها ان (حماس ليست عدو لنا ) ، وكانت اجابتها بأن هذه هي غلطة عرفات والسلطة والمجتمع الفلسطيني ،( وانكم لا تريدون ان تفهموا بان حماس عدو لكم مثلما هي عدو لنا ) وبعد نقاش طويل لم نصل الى نتيجة ، وذهبنا لنأكل الفلافل والحمص في احد مطاعم بيت لحم ، وكان اصحاب المطعم من الود واللطافة بحيث لفت انتباهها الامر واشادت بهم ، وبعد ان غادرنا المكان قلت لها بأن هؤلاء الشبان اللطفاء من مؤيدي حماس ، الصحافية الضيفة اصيبت بالصاعقة ولم تنبس ببنت شفة ، وقلت لها اننا كمجتمع فلسطيني لا نرى في حماس سوى عيادة طبية وطبيب مجاني ولجان صدقة واعمال خير ، قالت : الان فهمت .
لكن هذا زاد من قلقي ، لانني اكتشفت ان حماس لا ترى ايضا سوى وجه واحد للاشياء ومن منظار واحد ، وهذا في السياسة خطير ويمكن ان يؤدي الى مخاطر عدة ، وخطر ببالي ان التجربة ، اي فوزها في اكثر من ثلاثين بالمئة من المقاعد سيعني ان عليها ان تتطلع الان ، وفورا الى الاسباب التي دفعنها للنجاح وليس للاسباب التي دفعت بكتل فتح للفشل ، فاذا كانت حماس في مضمونها مثل هرماس فانها ستحظى بمستقبل مشرق ، اما اذا كانت تستخدم غسان هرماس للوصول الى قلوب الناس فتلك مصيبة .
وقال عدد من قادة حماس ان كتلة الاصلاح ( الموالية لحماس ) لن تتحالف بأي شكل مع كتلة فتح وانها تفضل التحالف مع كتل اليسار من الجبهات الماركسية على فتح .
وفي اطار شرحه للامر قال هرماس ( ان كتلة حماس ترى في نفسها قادرة على ادارة البلديات من دون مساعدة فتح ).
اما المرشح حسن صافي ( ابو مصعب ) فانه يقول بوضوح اكثر ( ان اليسار الفلسطيني صاحب مبدأ وغير منافق وهو يعلن مواقفه بصراحة وليس مثل البعض الاخر ).
وردا على سؤالنا حول اذا كان المجتمع الفلسطيني يحتاج الى تظافر الجهود بين طاقات فتح وطاقات حماس في مواجهة الاحتلال قال خالد جادو من مرشحي كتلة حماس لبلدية بيت لحم ( ان فتح منقسمة على نفسها ولا تتمكن من تشكيل كتلة ) واضاف ( ان فتح غير متحالفة مع نفسها فكيف سنتحالف معها ؟ ) .
على فكرة ، قال لي الدكتور غسان هرماس ( ان النتيجة الحقيقية للانتخابات لن تظهر الان وانما بعد اربع سنوات ، وليتفضل لصحافيون بعد اربع سنوات ويقيموا عملنا ) واسعدني هذا القول كثيرا .