الأحد: 22/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

الاعتراف بإسرائيل خيانة عظمى

نشر بتاريخ: 29/05/2006 ( آخر تحديث: 29/05/2006 الساعة: 09:38 )



بروفيسور عبد الستار قاسم

من المخزي أمام الله والناس والتاريخ والأجيال القادمة أن يقف فلسطيني يتبجح باعترافه بإسرائيل، ويدعو الآخرين إلى الاعتراف بها. هذا ليس فردا، إنما هو جيش أو طائفة سقطت في أوحال الأمريكيين وأمسكت بأذيال إسرائيل ليتباركوا بقرفها المنتن الذي ينهال علي رؤوسهم من مصارف أمعائها. ما الذي أصاب فلسطين؟ طوابير من الذين فقدوا شرفهم وهانت عليهم كرامة الأمة لا يخجلون في الدفاع عن إسرائيل والاعتراف بها، ولا يترددون في دعوة غيرهم للحاق بهم إلى هذا القعر المهين.
من الحقير الوضيع في التاريخ الذي أثنى على مغتصبه ومنتهك عرضه وسالب وطنه وبارك له بما فعل سوى هؤلاء البغاة الذين ترتفع على رؤوسهم أعلام الخيانة وتمسك أيديهم بعار المناشف على بوابات الوطن المقدس؟ من هو ذلك الأخس الأرعن الذي لا يرى في أمه إلا أداة تدر عليه قوت يوم أو أقل؟ خجل الهنود الحمر على قلتهم وضعفهم أن يقروا للبيض الوافدين بصلفهم. قد تكون ضعيفا، وقد تتشرد، وقد تُسجن أو تقتل، لكن العار كل العار أن تقر لعدوك بعدوانه وتضفي على كل بشائعه بالشرعية والبهاء.
للخيانة فلسفة عندهم. العالم قد تغير ولا بد من الواقعية والاعتراف بالواقع، أما المصرون على الحقوق فلا يرون من العالم إلا أوهامهم التي توقعهم بمزيد من الأحزان والآلام. الزمن الآن للاقتصاد والمال وليس للعزة والكرامة والحقوق. المهم أن تحصل على المال لتستطيع إشباع شهواتك، أما البحث عن أوهام الكرامة الإنسانية فلن يزيد الحياة المادية إلا قسوة وشقاء وبؤسا. لا معنى لكلمات مثل الانحناء والإذلال لأن المهم أن تحصل على المال. لا وطن بلا مال، وليذهب الوطن إذا كان المال بديلا له.
لهذا لا يخجل هؤلاء الأوباش الساقطون المتمرغون في صديد نفوسهم المتعفنة من دعوة شعب فلسطين للاعتراف بإسرائيل، ولا يترددون في استعمال حرب نفسية ومالية ضد الشعب عسى في ذلك ما يحقق مآرب أسيادهم في تل أبيب وواشنطون. وعليه فإن شح الأموال ليس سببه أمريكا وإسرائيل وإنما أولئك الذين يعيشون في العصور الحجرية ولا يعترفون بإسرائيل.
هل لفلسطيني وعربي ومسلم أن يتخيل بأن أكاديميين فلسطينيين ومثقفين وفصائل وأحزاب وقادة وأصحاب تجارب نضالية ومعتقلين وأبناء شهداء وجرحى ولاجئين فقدوا أراضيهم وبيوتهم يطلبون ممن لا يعترف بإسرائيل بأن يسارع إلى الاعتراف بها؟ وهل يستطيع أحد أن يتخيل كيف تدهور الوضع الفلسطيني إلى أن وصل إلى هذا الحد؟ كيف وصل الوضع الفلسطيني إلى حد أن الاعتراف بإسرائيل قد أصبح مطلبا وطنيا؟ كان الخائن دائم البحث عن جحر يختبئ فيه، أما الخائن اليوم فله منصات ومنابر وفضائيات ويحيط به المنافقون الذين ينتظرون بعض ما أنعم به اليهود والأمريكيون عليه من علف.
وفوق هذا يقولون لنا أنه لا يجوز التخوين. هذه اجتهادات وطنية، وإنما نقصد بأعمالنا خدمة الوطن والمواطنين. وقد انحنى أمام طلباتهم أناس كثر وفصائل. هناك فصائل تهمس في أذنك حول خياناتهم وتآمرهم على الوطن والمواطنين، لكنها في العلن تصبح كالطالب المؤدب أمام أستاذه الوقح. لقد رأينا الدعارة بحق وطننا ومواطنينا بأم أعيننا، وقلنا إن هذه سياسة وليست دعارة، فدفعنا الثمن جميعا. ظن بعضنا أن المسألة مجرد سحابة وتنتهي، وإذا بالسحابة تمطر علينا جواسيس وعملاء محنكين يتلقون أموالا وتدريبا ودعما إعلاميا وعسكريا.
لا يريدون منا أن نصفهم بالخونة والعملاء، ويقولون إنه لا يجوز التخوين. لا. إنهم عملاء وخونة وقتلة ومجرمون ومنحطون وسفلة. لقد باعوا الوطن، وتنازلوا عن الحقوق، وسيستمرون في هذا "الأكوزيون" ليساوموا على نساء فلسطين والعرب والمسلمين. وإذا كنا لا نطلق كلمة خائن على الذي يعترف بإسرائيل ويتنازل عن حقوق اللاجئين وينسق أمنيا مع إسرائيل ويصافح جزاري الشعب الفلسطيني ويجتمع معهم ويحصل منهم على أموال، فمن هو الخائن إذن؟ هل الخائن فقط ذلك الجاسوس الصغير الحقير الذي يشي للمخابرات الإسرائيلية عن فرد أو مجموعة أفراد، أم الخائن هو ذلك الذي يبيع الوطن بالجملة؟ إذا كان هذا الصغير يستحق الإعدام، فماذا يستحق هذا العميل الخائن الذي يودي بالشعب والوطن؟
هؤلاء الخونة والجواسيس والعملاء يستقطبون الآلاف من الشباب الذين يتحلون بالإخلاص للوطن ويضللونهم ويسخرونهم في مواجهة أوطانهم لصالح أعدائهم. شباب يانعون وشابات في وجوه الملائكة يسرن على غير هدى وراء هؤلاء السماسرة الذين لا يرون لأنفسهم آلهة سوى شهواتهم ومتعهم والترنم على آلام شعب فلسطين ودمار العرب والمسلمين.
نحن قصرنا أصلا في مواجهة هذه الموجات المتلاحقة من الساقطين وقطعان الخونة، لكن لم يفت الأوان. علينا أن نتحلى بالشجاعة وأن نسمي الأسماء بأسمائها. علينا ألا نخجل من خائن، وكيف بنا أن نفعل ذلك وهو سمسار وطن بلا خجل أو وجل؟ يجب أن نتحدث بوضوح في مقالاتنا وأحاديثنا وندواتنا ومواقفنا السياسية والاجتماعية. وعلينا أن نحرض ضدهم باستمرار وأن ندعو الذين يحاورونهم ويلتقون معهم إلى التوقف عن ذلك. لقاء النجس دعم له، والتفاهم معه إنما هو تشجيع له على نجاسته.
إنني أتوجه إلى كتاب فلسطين والعرب مثل إبراهيم حمامي وعبد الباري عطوان وعادل سمارة وسوسن برغوثي وإبراهيم علوش وناصر قنديل وفوزي الشعيبي ومصطفى بكري وعبد الحليم قنديل ومحمد المسفر وعبد الله النفيسي وغيرهم من عملاقة الفكر والأدب ليشحذوا هممهم وأقلامهم للتصدي لهذه الردة الخيانية المرعبة التي لن ترحم وطنا أو مواطنين.