الإثنين: 30/09/2024 بتوقيت القدس الشريف

كلمــة د.سـلام فيـاض في حفل تخريج الفوج "35" لطلبة جامعة بيرزيت

نشر بتاريخ: 05/06/2010 ( آخر تحديث: 05/06/2010 الساعة: 19:34 )
بير زيت -معا- فيما يلي النص الكامل للكلمة التي القاها رئيس الوزراء في حفل تخريج الفوج "35" لطلبة جامعة بيرزيت|.

يسعدني ويشرفني أن أكون معكم في حفل تخريج الفوج الجامعي الخامس والثلاثين. واسمحوا لي في هذه المناسبة أن انقل إليكم تحيات الأخ الرئيس أبو مازن واعتزازه بكم، وبجيل الشباب والطلبة. ويسعدني أن أهنئكم على نجاحكم، وما حصلتم عليه من علم ومعرفة، بما يمكنكم من المزيد من الانخراط في حماية ارضنا وثقافة شعبنا، وتراثه الوطني، والنهوض بالمجتمع والمشاركة الفعالة في بناء دولة المؤسسات وحكم القانون.

واسمحوا لي أن أتوجه بالتحية والتهنئة إلى أبنائنا الطلاب والطالبات خريجي هذا العام في مختلف الجامعات الفلسطينية والعربية والدولية، وأن أحيي كذلك كافة الجامعات الفلسطينية على ما تقوم به من مساهمة ملموسة في بناء وإعداد الكفاءات الفلسطينية، وتطوير مواردنا البشرية، لتكون قادرة على خدمة شعبنا ومجتمعنا وبناء ركائز دولتنا المستقلة. فألف مبروك للخريجين وذويهم، وكل التحية للقائمين على جامعة بيرزيت، وكافة الجامعات والمعاهد العليا الفلسطينية الأخرى.

وانا أقف هنا على منبر جامعة بيرزيت، لا بد من التوقف أمام مراحل تأسيس وتطور هذه الجامعة، وكيف تطورت من مدرسة ابتدائية إلى صرح علمي جامعي مميز. فالمدرسة الابتدائية التي أسستها السيدة نبيهة ناصر في العام 1924 ، لخدمة فتيات بيرزيت والقرى المجاورة، وكانت واحدة من أول المدارس في تلك المنطقة، أصبحت في العام 1930 مدرسة ثانوية للبنين والبنات، ومن ثم مدرسة بيرزيت العليا، ثم كلية بيرزيت. وفي عام 1953 أضيف لها الصف الجامعي الأول، وفي عام 1961 الصف الجامعي الثاني، وفي العام 1975 الصف الجامعي الثالث، وتحول اسم الكلية إلى "جامعة بيرزيت"، لتخرج في العام 1976 الفوج الأول من حملة شهادة البكالوريوس من كلية الأداب والعلوم، حيث أصبحت في نفس العام عضواً في اتحاد الجامعات العربية، ثم عضواً في الاتحاد العالمي للجامعات في العام 1977. وفي عام 1978 أضيفت لها كلية التجارة والاقتصاد، ثم في العام الدراسي 1980 كلية الهندسة، وفي العام 2006 كلية تكنولوجيا المعلومات.

وهكذا أصبحت جامعة بيرزيت مؤسسة أكاديمية متميزة تلتزم بأسس التميز وتشجيع الابتكار والتجربة والإبداع والإتقان، والعمل الجماعي والديمقراطية المبنية على التعددية وحرية الرأي واحترام الآخر، والتميز أيضاً في مجالات التعليم العالي والبحث العلمي وخدمة المجتمع. كما التزمت الجامعة، ومنذ تأسيسها، بتوفير الفرص التعليمية دون تمييز، وتهيأة الطلبة ليكونوا مواطنين فعالين في المجتمع وذوي شعور قوي بالإنتماء له. ونجد اليوم العديد من خريجي جامعة بيرزيت منتشرين في فلسطين وباقي دول العالم، يتبوأون المناصب العليا في الحقول الأكاديمية ومؤسسات القطاعين العام والخاص، والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات العالمية. فخريجو جامعة بيرزيت يلعبون دورا بارزا في تطوير المجتمع الفلسطيني، وتعزيز قيم العمل الجاد والحرص على الانتاجية والاكتساب المستمر للمعرفة، والانحياز للقيم الأساسية ولمرتكزات العمل الوطني.

إن هذا الدور الذي لعبته جامعة بيرزيت، يشكل جزءاً اصيلاً وفعالاً من دور المؤسسات الوطنية في مواجهة الاحتلال، وتوفير سبل الصمود لشعبنا وقدرته على حماية مشروعه الوطني، والتصدي لمشروع الاحتلال الاستيطاني، والذي تنقضي اليوم ثلاثة وأربعون عاماً طويلةً منذ وقوعه.

إن شعبنا وهو يواصل هذا الصمود الأسطوري، فإنه وأكثر من أي وقت مضى يؤكد تمسكه بحقوقه الوطنية وكافة. وفي هذه المناسبة، فإننا نجدد التزامنا الكامل بهذه الحقوق، والتي قدم شعبنا من أجل تحقيقها أغلى التضحيات، كي يتمكن من العيش بحرية وكرامة. وهذا هو عهدنا لشعبنا ولن نتراجع عنه.

لقد أبدى شعبنا على مدار سنوات ما بعد النكبة اهتماماً كبيراً بالتعليم، كردٍ على محاولات طمس وتبديد هويته الوطنية. وقد بذل أهلنا على مر السنين الغالي والنفيس كي يوفروا لأبنائهم فرص التحصيل الأكاديمي المميز. وقد شكل هذا الاهتمام مصدراً أساسياً لتعزيز القدرة على الصمود، والإسهام في استعادة الهوية الوطنية وبلورتها وحمايتها، كما جسدتها منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا. وكذلك شكل الاهتمام بالتعليم ركيزة رئيسية لحالة النهوض الوطني في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي بعد عام 1967.

وضمن هذا الإطار العام، شكلت الجامعات الفلسطينية مركز جذب للكفاءات الأكاديمية الفلسطينية، ونهوض الحركة الطلابية بل والحركة الوطنية، ودورهما في الدفاع عن المشروع الوطني واستنهاض الحركة الجماهيرية في مناهضة الاحتلال. ورفدت الجامعات المجتمع بآلاف القادة والكفاءات العلمية والإدارية، ممن يساهمون اليوم في بناء مؤسسات السلطة الوطنية والمجتمع الفلسطيني برمته. كما ساهمت الجامعات في تعزيز روح التضامن والتكافل في المجتمع من خلال تشجيع العمل التطوعي ودعم المزارعين وأصحاب الأراضي المهددة بالمصادرة. وقد لعب خريجو جامعة بيرزيت دوراً مهما في رسم الأحداث على الساحة الفلسطينية، وشاركت الجامعة بشكل فاعل في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي. ولطالما عكست التشكيلة السياسية لطلبة جامعة بيرزيت التوجه الفعلي للآراء السياسية في الشارع الفلسطيني، وذلك لحرص الجامعة على أن يكون طلبتها من مختلف المناطق والتوجهات الفكرية الفلسطينية، وبما جعل مجتمع الطلبة يمثل إلى حد كبير نموذجاً مصغراً للمجتمع ككل. كما شهدت الجامعة في الأعوام الأخيرة تعاوناً مهماً مع الشركات المحلية، وفي مجال تدريب خريجي الجامعات، وتعزيز العلاقة ما بين الجامعة والقطاعين العام والخاص. وكان للجامعة دور مميز في الابحاث التطبيقية والتدريب في قطاعي الصحة والبيئة. أما على الصعيد التربوي والتنموي والاعلامي، فتساهم الجامعة في تنفيذ عدد من المشاريع التربوية في المدارس الخاصة والحكومية، وفي اجراء أبحاث تنموية مختلفة، بالاضافة إلى تنفيذ عدد من المشاريع الاعلامية، وكذلك في مجالات أبحاث القانون والحقوق، وبرامج الصياغة التشريعية. ولا ننسى أن طاقمها الاكاديمي ضم دوماً عدداً من الشخصيات الفلسطينية البارزة، ونستذكر منهم الراحل المرحوم د.ابراهيم أبو لغد.

ونحن ندخل العام الثاني والأخير في عملية متابعة تنفيذ خطة السلطة الوطنية لاستكمال بناء مؤسسات الدولة وبنيتها التحتية، فإن النهوض بالعملية التعليمية يشكل أحد أبرز وأهم المعايير التي يقاس بها مدى نجاح هذه الخطة. وبالقدر الذي نشيد فيه بالانجاز الذي تم تحقيقه في قطاع التعليم، واتساع نطاق البنى التحتية فيه، إلا أن تحديات كبرى ما زالت ماثلة أمامنا للنهوض بالعملية التربوية، ونوعية التعليم وجودته، وما يتطلبه ذلك من تطوير مستمر للموارد البشرية الكفؤة والقادرة، وتركيز الجهد في المرحلة القادمة على مواكبة التطور العالمي في هذا المجال والاستفادة منه بما ينسجم مع احتياجات ومتطلبات الواقع الفلسطيني، ومعطيات عصر التكنولوجيا والمعلوماتية الذي يحتاج إلى مواكبة وتحديث مستمرين. لقد أكملت السلطة الوطنية خلال العامين الماضيين إنشاء وتأثيث وتجهيز 87 مدرسة جديدة بلغت تكلفتها حوالي 54 مليون دولار، وتوسيع 32 مدرسة قائمة بقيمة حوالي 24 مليون دولار، وكذلك صيانة 145 مدرسة بقيمة 5 مليون دولار، والعمل جارٍ على انشاء 58 مدرسة جديدة يتوقع انتهاء العمل فيها مع نهاية عام 2011 بقيمة (56 مليون دولار).

إن الهدف المباشر أمامنا يتمثل في النهوض بنوعية التعليم وربطه بحاجات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتهيئة الإنسان الفلسطيني وتمكينه من الانخراط في مجال المعرفة والإبداع، والتفاعل بايجابية مع التطور العلمي والتكنولوجي، والقدرة على المنافسة في المجالات العلمية والعملية. هذا بالاضافة إلى تطوير قدرة السوق على استيعاب الخريجين للحد من البطالة ووقف هجرة الكفاءات وتعزيز انخراطها ومساهمتها في بناء الوطن وتحقيق استقلاله وتقدمه.

إن إستراتيجية السلطة الوطنية وبرنامج عمل الحكومة يستهدفان بشكل رئيسي بناء المؤسسات القوية والقادرة على تقديم أفضل الخدمات للمواطنين، وفي مختلف المجالات، وذلك بالتكامل مع مؤسسات القطاع الخاص والمجتمع المدني بما في ذلك الجامعات، وبما يساهم في تعزيز القدرة على مواجهة تحديات التطور والتنمية وبناء اقتصاد ومجتمع المعرفة. وهنا فإنني أحيي ما حققته الجامعات الفلسطينية من انجازات تستجيب لاحتياجات المجتمع، و أدعوها إلى تركيز المزيد من الاهتمام لتطوير جودة برامجها التعليمية، وتعزيز البحث العلمي، وإنشاء وتطوير مراكز الدراسات والابحاث التطبيقية القادرة على تلبية المزيد من حاجات المجتمع والمساهمة الفعالة في بناء الدولة المستقلة وركائزها الاقتصادية والاجتماعية والإدارية والقانونية.

كما وأدعو القطاع الخاص إلى المزيد من العمل والشراكة مع قطاع التعليم. وستواصل الحكومة دعم هذه المسيرة، مع التأكيد على ضرورة ترشيد استخدام الموارد المتاحة كجزء من عملية الاصلاح الشاملة التي تتطلبها تقوية المؤسسات العامة، ومنها الجامعات، وفق معايير الإدارة الرشيدة والاستخدام الأمثل للموارد.

مرة أخرى، أبارك للخريجين بالنجاح، ولشعبنا نقول: سنواصل تقديم أفضل ما لدينا من طاقات، وتسخير كل ما لدينا من إمكانيات، للنهوض بالتعليم وكافة مجالات الحياة الأخرى. فهذا عهدنا الذي نجدده أمامكم اليوم، بأن نكون دوماً مع أبناء شعبنا، ونسعى من أجل أن نحقق لهم مستقبلاً يتناسب مع التضحيات التي قدموها، وما زالوا يبدون كل الشجاعة والاستعداد لتقديمها. وسنستمر في بدل كل جهد ممكن لاستنهاض كل طاقات شعبنا وتمكينه من تحقيق أهدافه الوطنية في الخلاص من الاحتلال واستيطانه، وحواجزه، وإجراءاته وممارساته، ومن أجل بناء دولتنا المستقلة كاملة السيادة في قطاع غزة، والضفة الغربية، وعاصمتها القدس الشرقية على حدود عام 1967.

وقبل أن أختم حديثي، فإنني أتوجه بصفة خاصة وشخصية للصديق د.نبيل قسيس على الجهود التي بذلها خلال السنوات الماضية للنهوض بشأن الجامعة ومكانتها العلمية، واتمنى له النجاح في حياته وعمله بعد ترك مهام منصبه من رئاسة الجامعة.

وفي الختام ، أبارك لكم مرة أخرى

وأتمنى لكم النجاح والتوفيق في حياتكم العملية

ولشعبنا المزيد من الانجازات

وفقكـم الله، وشكـراً لكم

والسـلام عليكـم