الإثنين: 13/01/2025 بتوقيت القدس الشريف

العمال العاطلون عن العمل بين مطرقة الاحتلال وسندان المرض والجوع

نشر بتاريخ: 07/06/2010 ( آخر تحديث: 07/06/2010 الساعة: 16:10 )
غزة- معا- حياته تغيرت كثيرا نحو الأسوأ، فالعامل الذي كان يغادر منزله مع ساعات الفجر الأولى، ولا يعود إليه إلا في ساعات المساء ، بين عشية وضحاها أصبح عاطلا عن العمل، لا يستطيع توفير قوت اطفالة.

"اكثر ما يؤلمني عدم مقدرتي على اعطاء ابنائي الصغار شيكل واحد كباقي الاطفال"، هذا كان لسان حال العامل (محمد أحمد) الذي يعد واحدا من بين عشرات الآلاف من العمال العاطلين عن العمل، التي دارت بهم عجلة الأيام، فحولت حياتهم الحلوة الجميلة، إلى حياة بؤسٍ وشقاء، بعد منعهم منذ تسعة أعوام من العمل داخل الخط الأخضر.

منع من العمل:

ويقول العامل (محمد) الذي يعيل اسرة مكونة من 11 فردا لمراسل وكالة "معا" إبراهيم قنن، الذي زاره في بيته المتواضع، في أحد إحياء مدينة (خان يونس) جنوب القطاع، والتي تعد من أفقر المدن الفلسطينية في قطاع غزة بحسب مركز الإحصاء الفلسطيني، "كنت أعيش حياة جميلة وهادئة، وكانت سبل العيش الكريمة متاحة ومتطلبات الحياة متوفرة، فانا كنت اعمل في مدينة (تل أبيب) في مجال المقاولات وأتقاضى راتب يومي (250 شيكل) ما معادل 5000 شيكل شهرياً، لكن؛ رياح الانتفاضة الأقصى جاءت بما لا يشتهيه العمال، وأصبح العامل هو الفريسة والضحية الأولى للاحتلال".

ويبين أبو كريم انه منع من دخول إسرائيل للعمل منذ اليوم الثاني لاندلاع انتفاضة الأقصى والى الان، مما تسبب في تدهور حياته المعيشية والإنسانية والاقتصادية وبات بالكاد يوفر قوت اطفالة، حيث لا يوجد اى مصدر دخل بديل يمكن من خلاله أن يعيل أسرته، خاصة بعد حالة الانقسام، التي ساهمت في زيادة حالة الفقر والبطالة، بالإضافة إلى إغلاق عدد من المؤسسات التي كانت تقدم المساعدة للعمال.

الهروب:

البحر بات هو المكان المفضل لأبي كريم، للهروب من واقعه المرير، الذي فرضته تسع سنوات عجاف، انقطع فيها عن العمل، ولم يعد بمقدوره توفير احتياجات بيته وأسرته التي لا تتوقف. فلجأ للبحر كي يشكو له همومه وإحزانه، علّه يجيب بما عجز عنه الآخرون.

ويتساءل بحسرة وألم "هل تتصورون كيف يعيش أطفالي في ظل عدم وجود اى مصدر دخل للأسرة؟ هل تعملون كيف يمكن للاف العمال العاطلين عن العمل تدبير أمور حياتهم من مأكل ومشرب وملبس؟ هل دخل احد إلى بيوت العمال ويرى ماذا يأكل أطفالهم؟ وكيف يعيشون في ظل الفقر؟.

ويضيف بحرقة لا أجد ملجأ لي سوى ساحل البحر ليس حبا بالرفاهية والاستمتاع وإنما هروبا من نظرات أبنائي وطلباتهم التي لا تنقطع في الوقت الذي تخلت فية معظم الجمعيات والمنظمات الخيرية عن مسؤولياتها.

حياة بؤس ومرض:

عشرات الآلاف من العمال وأسرهم يعيشون في قطاع غزة، ظروفا معيشية قاسية، نتيجة الفقر الشديد الذي ضرب أركان حياتهم، بعد أن فقدوا مصدر رزقهم الوحيد، وباتت الظروف الصعبة تنعكس سلبا على تلك الأسر، التي تفشّت بداخلها الأمراض والجوع، ويخشي أن يتحول أبنائها لمشرّدين، دون أن يلتفت لمصيبتهم أحد كان.

وتقول أم كريم لا اعرف كيف أتدبر امور بيتي، فحياتنا باتت معقدة خاصة في ظل كثر طلبات الأولاد فهم يحتاجون الى ملبس ومأكل جيد، ومصروف وقرطاسيه، ونحن لا نستطيع أن نوفر لهم اي منها، فقد أصيب عدد كبير من الأطفال بمرض فقر الدم وغيرها نتيجة سوء التغذية، وباتت حالتهم الصحية اكتر تدهورا ونحن لا نستطيع أن نفعل شيء.

وتوضح السيدة أم كريم إن أكثر ما يؤلم الإنسان، هو عدم وجود مصادر دخل بديلة، كما ان الجمعيات والمؤسسات التي تقدم المعونة لم تعد موجودة، مما فاقم تدهور أوضاعنا الإنسانية الاقتصادية.

برامج التشغيل:

ويوضح الدكتور معين العمصي من وزارة العمل في الحكومة المقالة بغزة، أنهم يحاولون من خلال برامج التشغيل المؤقت التي تنفذها الوزارة بغزة، لمعالجة الأوضاع المأساوية للعمال العاطلين عن العمل والتخفيف منها، لكنة يقول؛ أن برامج التشغيل التي ينفذونها لا تكفي.. ولا تتناسب وحجم المشكلة القائمة نتيجة حالة الحصار المفروض على قطاع غزة.

ويشير أن البطالة التي يعاني منها قطاع غزة والأراضي الفلسطينية بحاجة لجهد دولي كبير ولا تستطيع حكومات مستقرة السيطرة عليه فما بالك بحكومة محاصرة؟!.

ويؤكد العمصي أن حالة البطالة والفقر تضرب كافة قطاعات الحياة في قطاع غزة، خاصة بعد منع ما يزيد عن 60 ألف عامل من العمل داخل الخط الأخضر، بالإضافة لتدمير مئات المصانع والمشاعل التي كانت تستوعب عدد من العمال مما أدى لتدهور الأوضاع الإنسانية والصحية لمئات ألاف من العمال وأسرهم. موضحاً ان الحل الوحيد للخروج من هذه الأزمة هو وجود برامج وخطط وطنية إستراتيجية للتمنية، وبناء اقتصاد وطني قادر على تشغيل قطاعات اقتصادية حيوية، يمكن من خلالها استيعاب وتشغيل آلاف العمال.

دور المؤسسات:

وبدورة أكد إسماعيل النمس عضو اتحاد العام لنقابات عمال فلسطينيين أن حالة الانقسام ساهمت بشكل كبير في ازدياد حجم البطالة والفقر في قطاع غزة، وأدت إلى تدهور الأوضاع المعيشية للعمال الذين فقدوا مصدر دخلهم منذ سنوات طويلة حيث ازدادت، موضحا بأنه لم يعد بمقدورهم تقديم اي نوع من المساعدات للعمال العاطلين عن العمل سبب عدم وجود مقرات يمكن من خلالها تقديم الخدمات.

واشار النمس الى أنهم كانوا يقدمون للعمال مبلغ 500 شيقل شهريا كمساعدة لآلاف العمال لتجاوز محنتهم وعدم تدهور أوضاعهم المعيشية أكثر ولكن بسبب الانقسام أغلقت المقرات وتوقفت الاتحادات العمالية والأوروبية عن تقديم المساعدة وهذا الأمر فرض نفسه ظروف الاقتصادية والإنسانية والصحية للعمال.

وطالب النمس بضرورة اعادة فتح المقرات والمؤسسات التي تعنى بتقديم الخدمة للعمال، من اجل المساعدة والمساهمة في اعادة دعمهم وتقديم المعونات الانسانية الضرورية لهم.