الإثنين: 23/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

الاسير المحرر محمود جدة:القدس .. حالة رمزية ليس لها حدود..!

نشر بتاريخ: 17/06/2010 ( آخر تحديث: 17/06/2010 الساعة: 20:06 )
القدس-معا- اثار الاسير المحرر محمود جدة من البلدة القديمة في القدس الاسى والحزن وهو يستعرض في لقاء الاربعاء لنادي الصحافة في فندق ليغاسي بالقدس مشاهداته وانطباعاته الحزيرانية حول سقوط القدس في السادس من حزيران 1967 قبل 43 عاما بينما كان في ريعان الشباب والغليان والفوران .

وانتقد ظاهرة الشعارات والتغني بالقدس ولكن على ارض الواقع ليس هناك رؤيا شاملة متكاملة للعمل والانجاز وما يجري على الارض هي اعمال متناثرة هنا وهناك لا تحدث تراكما جديا . واضاف انه ولد في الطريق الى القدس لدرجة انه لم يعد متذكرا مكان الولادة بالتحديد وانه اذا كان بعيدا عن القدس لا يهدأ حتى يطل على قبابها ومآذنها فتهدأ نفسه وتسكنه حالة من الارتياح واذا غاب يكفي ان يتجول في ازقتها حتى يعود الى طبيعته الحقيقية وهدوئه الروحي . وقال ان الحنين الى مكان القدس يملأ روحه وكيانه لدرجة انه لا يستطيع ان يعيش خارج مكان القدس. وفي الايام الاولى من ضياع القدس سيطر عله هاجس مرعب وهو كيف تضيع مدينة عظيمة بهذه السهولة ودون حرب حقيقية وكانت بداية السقوط عندما سمع اطلاق نار كثيف مصدره جبل المكبر العالي . وتولد عنده مخزون من الغضب الكامن وهو يجوس في ساحات الحرم الشريف ويشاهد اكوام النفايات التي خلفها جنود الاحتلال فانهمرت الدموع من عينيه..!

وروى جدة تجربة حياته خلال هذه الايام الصعبة مشيرا الى الخدمات الانسانية والطبية التي كان يقدمها اطباء وطنيون ملتزمون من امثال الدكتور صبحي غوشة والدكتور امين الخطيب وكيف ساعد في تجميع جثث جنود أردنيين شهداء من منطقة شعفاط ودفنهم تحت اسوار القدس في المقبرة اليوسفية. وخطا الشاب المنكوب بضياع القدس خطوة الى الامام بمحاولة تشكيل لجنة طلابية في المدرسة الرشيدية التي رفضت المنهاج الاسرائيلي وكان لمعلمه القائد عمر القاسم الذي كان من قيادات حركة القوميين العرب الاثر الكبير في نفسه وكيف كانوا يجتمعون في – الجندول - لمناقشة قضايا طلابية ووطنية وتحريض الطلاب على مقاطعة المنهاج الاسرائيلي.

واوضح ان الشرارة الاولى في التحاقه بالعمل المسلح كانت عملية - بن تسيون- للمناضلة فاطمة برناوي من الجالية الافريقية والتي تزامنت مع قيام قوات الاحتلال بوضع حافلات في باب العامود وحث الفلسطينيين على مغادرة القدس الى عمان مجانا..! كما عرض عليه السفر الى اميركا في بعثة رياضية بكرة السلة ولكنه رفض بشدة . وبقي على اصراره في التشبث والبقاء في القدس ثم الولوج الى العمل الفدائي لطرد الاحتلال فكانت عمليات ليل القنابل التي اضطرت ليفي اشكول رئيس وزراء اسرائيل حينها للنزول الى شوارع القدس في لباس النوم ..! ثم عمليات تل ابيب والالغام الفردية الى ان وقع في الاسر.

واشار جدة الى انه وابن عمه علي جدة ، فوجئا ذات يوم بالسفير الفرنسي يلتقي بهما في الاعتقال ويطلب منهما الترحيل الى خارج فلسطين او البقاء تحت تهديد الاعدام او المؤبد .. فكان جوابهما نقبل فقط بالخروج والعودة الى القدس..! وفي عملية تبادل وتحرير الاسرى عام 1985 كان لرفيقي الدرب محمود وعلي جدة موقفا صلبا في عدم القبول بصفقة التحرير الى خارج الوطن واصرا على البقاء في القدس..! وهو ما حصل في نهاية المطاف رغم تأخر الصفقة سنة كاملة لهذا السبب..؟

واوضح انه نشط بعد تحريره من الاسر في مجال حقوق الانسان ومتشجعا من متضامنة كندية مع الشعب الفلسطيني تدعى - كاتي بيرغر- مستفيدا من لغته الانجليزية التي اتقنها في السجون الاسرائيلية بعد ان مكث 18 عاما . والان يقوم بقيادة وارشاد مجموعات للتعرف على البلدة القديمة .. وقال " احاول ان انقل حبي ومعرفتي بالقدس للاخرين" . واشاد بثقافة السجن التي تعلم الالتزام والايثار والدفاع عن المضطهدين والمظلومين . وخلص من تجربة حياته المثيرة الى انه لا بد من التركيز على التربية والتعليم وتربية الاباء والامهات قبل تربية اطفالهم لان الجاهلين والاميين لا يمكن ان يربوا اجيالا صالحة مؤمنة بقضاياها الكبرى .

واكد ان النهضة الفلسطينية القادمة لا بد ان تستند اولا على الاعتراف بالفشل وتحمل المسؤولية من جميع القيادات ونفض الغبار والعمل على تغيير حقيقي من القمة الى القاعدة وبتكامل لانه لا احد يملك المعرفة الكاملة ... فكل واحد منا يشكل قيمة ايجابية في اللوحة الفسيفسائية الجميلة بحيث اذا انتزع جزء منها بدت مشوهة ومنقوصة وغير متكاملة. وقال: ان نضال الشعب الفلسطيني ممتد فهو ان تراجع اليوم فلا بد ان ينطلق غدا او بعد غد حتى تحقيق الاهداف والامال الكبرى.. وحركة التاريخ التي تصنعها الشعوب الحية لا يمكن ان تتوقف..!

وتطرق بشكل سريع الى قائمة الممنوعات في المعتقلات الاسرائيلية في سنوات الاسر الاولى من كتب وكراسات واقلام واوراق وغيرها أثناء اعتقاله في 5-9-1968 . وانتهى الى القول ان علاقته بالقدس " هي شيء رمزي وليس مجرد جغرافيا .. فهي تمثل مجموع فلسطين وكليتها ورمزيتها التاريخية .. القدس بالنسبة لي حالة رمزية ليس لها حدود "..!