الجمعة: 27/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

رسالة إلى الغالية هدى - بقلم: نايف حواتمة

نشر بتاريخ: 20/06/2006 ( آخر تحديث: 20/06/2006 الساعة: 11:23 )
خاص معا - ريح صفراء، جاءت من أصقاع المعمورة، واحتلت خلسة أرضنا وتفاصيل المشهد اليومي لحياتنا، حتى أمست حياة الفلسطيني سنوات انتظار قتل مؤجل. تهتز السماوات السبع لصراخ قلبك الطفل، من هول الجريمة تدمى قلوب بني البشر على امتداد الكرة الأرضية، إلا قلوب ذئاب المحافظين الجدد، ومجرمي الحرب الصهاينة والمتصهينيين . قلوبهم غلف.

يتكرر المشهد الدامي، أطفال فلسطين المحرومين من حلم باقتناء دمية، أو ساعة لعب دون خوف، تطاردهم الذئاب، وتعملُ بهم قتلاً وحشياً، فمن مخيم الوحدات في الأردن، ومخيم المزيريب جنوب سوريا، وصبرا وشاتيلا في بيروت، مروراً بمخيم جنين الشاهد والشهيد، ومخيم البلديات في بغداد، وصولاً إلى شواطئ ومخيمات العزة في غزة هاشم، تحولت أرض الرسالات ومهد الحضارة والسلام إلى قبور جماعية لفلذات أكبادنا، حصدتهم دون رحمة ريح الصهيونية الصفراء الباغية.

من حقنا أن نحيا في وطننا تحت الشمس، مثل كل أطفال المعمورة، صرخت، تمسكت بأطراف الرداء الذي غطي به والدك الشهيد، فانحسر عن وجه كنعان الفلسطيني، يتوسد رمل وتراب الوطن الذي أحب، قسماته تقول: لقد أوفيت بعهدي، ومت شهيداً دون حقي، فأوفوا بالعهد من بعدي.

حيزبون الصهيونية غولدا مائير ماتت وهي تردد "كلما سمعت صراخ طفل فلسطيني يولد، أشعر بالخوف على مستقبل إسرائيل". اندثرت وهي تعرف بأن "إسرائيل" الصنيعة، التي قامت على حساب حقوق أبناء الشعب الفلسطيني ستلقى مقاومة باسلة من أبناء الشعب الفلسطيني جيلاً بعد جيل.

ثلاثة أجيال فلسطينية دخلت ساحة الوغى والصراع مع المحتلين الصهاينة، ولم يزل العوسج ينبت في عيون رجالنا وشيوخنا ونسائنا وحتى أطفالنا، شموخاً واستعداداً للبذل والعطاء، لأن فلسطين التي غادرها آباؤهم مكرهين لم تغادرهم، وسكنت يقظتهم ومنامهم قطر ندى متضمخاً بدماء الشهداء على درب العودة وتقرير المصير، وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة.

هدى الغالية، إيمان حجو، محمد الدرة، فارس عودة، والقائمة تطول .، شاهد متكرر على الدموية الإسرائيلية، وافتقاد الصهيونية وقادتها ومحازبيها ومناصريها إلى أبسط القيم والأخلاق الإنسانية، وحافز لكل المناضلين وأنصار السلم والحرية للاستمرار في نضال لا هوادة فيه ضد الروح العدوانية والدموية التوسعية الإسرائيلية، حتى نميط سواد ليل احتلالها عن وجه فلسطين.

نصرتك يا هدى الغالية يا عذاب الروح يا ولدي، نصرة لكل أطفال ونساء وشيوخ فلسطين، نصرة للحق والعدل وأنسنة الحياة، في مواجهة الغصب والقتل والعدوان، وتجارة الموت والحروب، وتزيف الوقائع والتاريخ.

وكيف لنا يا هدى الغالية أن ندعو العالم لنصرتنا إذا لم ننصر أنفسنا.
صورة من سوريالية المشهد الفلسطيني أشلاء أجساد أطفال ونساء وشيوخ متناثرة على شواطئ غزة، مزقتها قذائف إسرائيلية، وفي مدن ومخيمات غزة والضفة تطل عيون أطفال حيرى، تنظر إلى أخوة السلاح، يتربصون ببعضهم البعض، تنقبض القلوب خشية حمام دم ساخن، باقتتال دموي داخلي فلسطيني، هو جلّ ما يتمناه ويسعى إليه الصهاينة.

أسرى الحرية في المعتقلات الإسرائيلية انتصروا لك ولكل أطفال ونساء وشيوخ وشباب ورجال فلسطين، ولم تمنعهم عذابات الروح والجسد، وتنكيل السجان الإسرائيلي من تقديم مبادرة للوفاق الوطني، حقناً للدم الفلسطيني الزكي، ومخرجاً من صراع القطبية الثنائية، وتنازع الصلاحيات، ومنعاً لاستمرار سرقة دور ومكانة منظمة التحرير القيادية والتمثيلية والكيانية لأبناء الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، وبغية تصويب المسيرة النضالية التحررية الفلسطينية لتعود وتصب فقط في خندق مواجهة الاحتلال والاستيطان، وسياسة القتل اليومية الإسرائيلية. فقطرة دم فلسطينية واحدة تسقط في اقتتال داخلي لا توزنها كل المصالح الأنانية والفئوية الخاصة.

واليوم إذ ينتصر أبناء شعبنا لنداء أسرانا ومعتقلينا، للوحدة ولمّ الشمل، وحقن الدم الفلسطيني، وتكريس كل الجهود في مواجهة خطط حكومة أولمرت الدموية التوسعية، ينتصرون لك يا هدى الغالية ولكل أطفال شعب فلسطين الموجوع وحقهم في الحياة أحراراً، ومستقلين على أرض وطنهم ووطن آباءهم وأجدادهم التي كانت في البدء، وستبقى فلسطين وسيعود إليها أبناؤها الذين هجروا منها رغماً عن أنف الصهاينة والمتصهينيين.

هو العهد لك يا هدى الغالية، ولكل أطفال وأبناء شعب فلسطين، أن نواصل معكم وبكم النضال، إما الشهادة وإما النصر . "ولا نبدل تبديلا"، وسنبقى من الحافظين لحقوق شعبنا الوطنية والمشروعة، والمحافظين عليها، ومن الساعين إلى بناء الوحدة الوطنية، وحقن الدم الفلسطيني ... نفتح قلوبنا وعقولنا لأخوتنا الذين ما زالوا يعيشون مرحلة التردد واللا حسم، ونناشدهم، دماء الشهداء ومستقبل أطفال فلسطين أمانة في أعناقنا، وعز القائل: [[ إنَّا عَرَضنَا الأمانةَ على السمواتِ والأرضِ والجبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يحملنَها وأَشْفقنَ منها وحملها الإنسانُ إنَّهُ كانَ ظلُوماً جهُولاً]].
الأمانة ثقيلة، لكن قدرنا أن نحملها، دماء الشهداء أنارت الطريق، خريف الاحتلال على الأبواب، وحتماً سيبزغ فجر شمس حرية واستقلال فلسطين.

الأميـن العــام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين