المصالحة الفلسطينية بين الوهم والحقيقة
نشر بتاريخ: 07/07/2010 ( آخر تحديث: 07/07/2010 الساعة: 21:54 )
قد يكون مفهوماً ومنطقياً أن يتراجع دور منظمة التحرير الفلسطينية لصالح دور السلطة الفلسطينية غداة توقيع اتفاق أوسلو، فالأجواء التفاؤلية رسمياً وإلى حد أقل شعبياً بطي مرحلة الصراع وولادة مرحلة أخرى، أي مرحلة التسوية السياسية بمتطلباتها الأساسية، أي ولادة سلطة وطنية تهيئ الأجواء لانسحاب الاحتلال وإقامة دولة مستقلة، أعطت مبرراً منطقياً للاعتزاز بالوليد الجديد أي "السلطة" على حساب الأصل أي "المنظمة".
بدون التوقف أمام محطات كثيرة منذ ذلك التاريخ استوجبت كل واحدة منها، العمل الجاد على إعادة إحياء المنظمة وتفعيل دورها وتحديد الفواصل والحدود بين ماهيتها ومهماتها ودور ومهمات السلطة، إلا أن هذه المحاولات لم تنجح فعلياً وعملياً، وبقيت المنظمة بهيئاتها المختلفة مجرد محطات لإعطاء الشرعية الدستورية لقرارات معدة سلفاً وضمن توافقات هرم السلطة بتحالفاته العربية والدولية، هذه الشرعية الدستورية التي كان يحرص هرم السلطة على استثمارها بالإجماع أو بالتوافق السياسي، تجاوزها في المدة الأخيرة (الدخول في المفاوضات غير المباشرة) إلى الاعتماد على الأغلبية العددية "المتوفرة دائماً وفي الأفق المنظور" والمخيف أن تتحول هذه السياسة إلى عرف سياسي فلسطيني؛ يُشكل ضربة جديدة للوحدة الوطنية الفلسطينية بعد الانقلاب الشهير لحركة حماس، وانقسام المناطق الفلسطينية المحتلة (الكيان الفلسطيني الموعود أو المتخيل) إلى كيانين ونظامين سياسيين جغرافيين، أحدهما ليبرالي سياسياً ونيوليبرالي اقتصادياً ورازح تحت الاحتلال، أما الآخر فهو إسلام سياسي، غير ليبرالي بالمعنى السياسي، وليبرالي ـ اقتصادياً وإن كان معروفاً على المستوى الاقتصادي؛ أن منهج الإسلام السياسي الإخواني نيوليبرالي، وإن كان في شكله العام ريعياً لكنه محاصر مع أنه محرر، أي سجين ... وهل يمكن للسجين أن يكون محرراً ؟!، علماً أن القانون الدولي في تفسيره لقضية غزة، يتعاطى معها "أنها تحت الاحتلال تماماً، ويعني هذا: الاحتلال خرج من بين الناس، وأبقى احتلاله وقانون احتلاله لـ "أكبر سجن جماعي في العالم"، ومن هذا المنطلق يتدخل الأوروبيون ومؤسسات الأمم المتحدة المختلفة بما فيها السكرتير العام بان كي مون.
الانقسام موجود منذ 2007، ولعل غياب الدور الفاعل والمؤثر لمنظمة التحرير الفلسطينية، بما في ذلك التراجع النسبي المتواصل عن برنامجها الوطني، حاز من العوامل الأساسية التي هيئت الظروف لهذا الانقسام وإلى الحالة الفلسطينية المتراجعة والمتراخية التي وصلت إليها، والتي أدت إلى اعتناق العديد من النخب الإعلامية الفلسطينية لفكرة أزمة المشروع الوطني الفلسطيني، في حين أن الأزمة هي أزمة تراجع عن المشروع وليس أزمة المشروع بحد ذاته.
المهم؛ أنه من ذلك التاريخ (2007) بات الفلسطينيون مهمومون، أي متألمون ومتأملون نتيجة غياب الدور والتأثير الشعبي في آليات كلا الكيانين أو النظامين، لاحظ فقط أن كلا الطرفين الرئيسيين أي الحاكمين يستغلان أي حجة لتأجيل أي انتخابات سواءً كانت رئاسية ـ تشريعية أو حتى مجالس محلية.
ومع غياب أو بالأدق تغييب الدور الحي والفاعل للشعب الفلسطيني ولقواه السياسية والمجتمعية الحيّة، إلا أن أي مواطن أو مراقب مجبر أن يشاهد يومياً على الفضائيات أو يقرأ إلكترونياً وورقياً أكثر من تصريح، تحديداً من قادة الفصيلين الحاكمين بضرورة إنهاء الانقسام والذهاب إلى المصالحة.
ليس أدل على التخبط الفلسطيني من تدني الآمال وتقزيم الطموحات سوى سراب انتقالنا من واقع الانقسام إلى رحاب الوحدة الوطنية، إلى مجرد الرهان على مصالحة رأسين حاكمين في كلا الجغرافيتين الفلسطينيتين الواقعتين تحت الاحتلال، أي إعادة توزيع عادل لنظام المحاصصة بما يتناسب مع موازين القوى الإقليمية والدولية، والتي أن حصلت أي "المصالحة" الفئوية فإنها مهددة بالانفراط لمجرد تغيير تناسب القوى الإقليمية والدولية.
رئيس الحكومة المقالة في غزة السيد إسماعيل هنية (20 حزيران/ يونيو) حدد طبيعة الاقتراح الذي حملته الحركة إلى الأمين العام للجامعة العربية خلال زيارته قطاع غزة (13 حزيران) بتأكيده أنه حمل موسى رزمة تتمثل في التوصل إلى ورقة تفاهم فلسطيني ـ فلسطيني، من أجل معالجة القضايا المختلف عليها واعتبار الوثيقة المصرية وورقة التفاهم الموعودة مرجعية للمصالحة، على أن يحظى التفاهم الفلسطيني بمباركة مصرية ورعاية عربية.
ما لم يقله إسماعيل هنية؛ أوضحه في نفس اليوم خليل الحية عضو المكتب السياسي لحركة حماس، بأن الاتفاق الفلسطيني ـ الفلسطيني هو على نقاط الخلاف (حصراً) في الورقة المصرية، واعتبر ذلك مرونة فائقة من قبل حماس والحكومة المقالة، علماً أن ما أوضحه يعيدنا إلى المربع الأول، أي إجراء التعديلات على الورقة المصرية وإن بشكل موارب وهو ما ينذر، بل يؤكد أن المصالحة المقترحة ما هي إلا إعادة إنتاج حوار ثنائي بين الفصيلين، أي هرم السلطتين لإعادة توزيع الغنائم والمصالح.
مصادر مقربة من حركة حماس تؤكد أن الحركة بعد الحملة الإسرائيلية على "أسطول الحرية" وتعاظم التأييد العالمي لكسر الحصار عن غزة، في وضع أفضل مما يمكنها من تحسين شروطها في المصالحة الموعودة.
من المفيد الإشارة هنا إلى أن هناك اتفاقيتين فلسطينيتين هما "إعلان القاهرة" (آذار/ مارس 2005) و"وثيقة الوفاق الوطني" (حزيران/ يونيو 2006)، يحظيان بالإجماع الفلسطيني والتأييد العربي ممكن أن تشكل أحدهما أو كليهما المرجعية الصالحة إلى جانب الوثيقة المصرية، وهذه خريطة طريق ليس للمصالحة فقط، بل وإن صدقت النوايا إلى وحدة وطنية راسخة وفاعلة، إلا أن الواقع ينبئ بحصر هذا الملف، بحوار ثنائي تحاصصي لا ترى مصادر إعلامية أي أفق واقعي ومنطقي له، سيما وأن السلطة بحسب تلك المصادر ليست على استعداد لتقديم أي تنازلات، وما صدر عن أبو مازن في لقائه اللافت (1 تموز/ يوليو) مع ستة صحافيين إسرائيليين من ارتفاع سقف الشروط للمصالحة التي لم يحصرها للمرة الأولى بتوقيع حماس على الورقة المصرية، بل بأن تتبنى حماس مبادرة السلام العربية وسائر المبادئ التي تضمنتها خريطة الطريق الدولية، وهذه شروط تصفها مصادر مختلفة بأنها تعجيزية، كما أن مصر ليست بوارد القبول بأي خرق أو إضافة ملاحق (ولو على شكل وثائق تفاهم).
فمصادر مقربة من السلطة، ترى أن الأجواء السياسية المحيطة منذ حادث الاعتداء على "أسطول سفن الحرية"، قد أعادت تحريك الكثير من المياه الراكدة في المنطقة، بعكس ما ترى أو تشتهي حركة حماس وإلى حد ما السلطة نفسها. "فإسرائيل" التي تعوّدت في السابق كما الآن تحويل خسائرها إلى أرباح، بالاعتماد على منظومة علاقاتها الدولية (الأمريكية أساساً) سواء على صعيد الدول أو على صعيد الرأي العام معتمدة على إستراتيجية جديدة (نسخة معدلة عن سياستها القديمة)، تتلخص هذه الإستراتيجية بارتفاع هائل إلى حد لم يسبق له مثيل بالتصعيد ومن ثم البدء بالإطفاء ببطء شديد يشبه سير السلحفاة، هذه الإستراتيجية التي أثبت نجاحها في ملف مقاربة الاستيطان بالتطبيع والمفاوضات، والتي أدت إلى اختراق في ملف مقاربة الاستيطان بالتطبيع والمفاوضات، والتي أدت إلى اختراق واضح لصالحها بالعودة إلى المفاوضات والاستعدادات الأولية للتطبيع، مقابل وهم تجميد مؤقت للاستيطان، تعود اليوم من خلال ملف الأمن الغذائي لتصيب برذاذها حركة حماس أولاً، من خلال المباركة الشاملة الدولية إلى حد ما العربية لكسر الحصار الغذائي على غزة، مقابل تشديده على حماس (أسلحة وتمويل)، وثانياً السلطة من خلال اعتماد الكسر الجزئي للحصار على غزة بديلاً عن كل الملفات الأخرى (الحدود، القدس، اللاجئين ... الخ) كإنجاز أكبر وربما وحيد للمفاوضات غير المباشرة، مع التشديد أمريكياً وإسرائيلياً على اعتبار هذا الإنجاز إنجازاً للسلطة، تعود من خلاله تدريجياً (مرفقة بشرعية شعبية) إلى قطاع غزة، من خلال مشاركتها مع المراقبين الدوليين ليس فقط على معبر رفح، بل على كل المعابر مع قطاع غزة، عملاً باتفاقية المعابر عام 2005.
كسر الحصار الجزئي على غزة، وهو التنازل الوحيد على مدار العام إسرائيلياً، تريده "إسرائيل" وربما ستصبح ثمناً لكل أخطائها وخطاياها، فمن خلاله تعيد ترميم علاقاتها الدولية المتهالكة، كما تعيد ترميم الجسور (برأيها) مع السلطة الفلسطينية لتعيد بريقها على الساحة الفلسطينية، والأهم من كل ذلك إبعاد كأس المصالحة لأجيال عديدة، هل تنجح إسرائيل مرة أخرى ! ... لعل الجواب جاء على لسان وفد المصالحة الفلسطينية، بإلغاء زيارته لقطاع غزة (21 حزيران/ يونيو) خطوة على طريق حلّ نفسه التي أعلنها رسمياً رئيسه منيب المصري ...
من جديد، المصالحة وهم أم حقيقة ؟! ... الجواب معلّق ...
– كاتب فلسطيني