الأنهار لا تكذب ابداً- صوفيا لا تأكل حتى تجوع وان أكلت لا تشبع
نشر بتاريخ: 14/07/2010 ( آخر تحديث: 14/07/2010 الساعة: 12:55 )
بلغاريا - العاصمة صوفيا - تقرير "معا"- يطلق ارباب السياحة على بلغاريا لقب لؤلؤة البلقان، ولعلهم لم ينصفوها في ذلك بعد، فالمناظر الخلابة ونهر الدانوب وأعلى قمة - قمة موزالا وترتفع نحو 3000 متر عن سطح البحر - ليست وحدها ما يجده النظّار في بلغاريا، بل شاطئ البحر الاسود الجميل الشي الذي يقول لنا: انسوا البحر الاحمر والبحر المالح وشساعة المتوسط وتعالوا الى هنا واعترفوا هنا امامي ان الشمس تخجل فوق رمالي.
شتاء بارد وصيف حار وجاف يعطي سكانها ذو الملايين السبع الاحساس بأنهم عانوا كثيرا من برد اوروبا ويحق لهم الان ان يستمتعوا بالصيف كما يشاءون، وبلغاريا كانت مملكة في العصور الوسطى تحكمها الكنيسة الارثوذكسية ثم تحوّلت الى جمهورية ولها رئيس ورئيس وزراء، معظم سكانها مسيحيون ارثوذكس ( 71% ) فيما يشكل المسلمون هنا نحو 27 % ومعظمهم اتراك تركوا تركيا وفروا الى هنا عبر الحدود المشتركة، اما الكاثوليك والبروتستانت فلا يشكلون سوى 2% فقط.
وبلغاريا بلد زراعي ورث رجالها الامر عن عائلاتهم، وبعيدا عن ضوضاء العامة سترى البلغاري فلاح يزرع التفاح، وكان الروس ايام الاشتراكية يعطون بلغاريا الطائرات مقابل ان تصدر لهم التفاح، ويزرعون الفواكه والخضار كما انهم يربون الماشية والتي صارت تجارة للعائلة اكثر واكثر مع انضمامها للاتحاد الاوروبي.
كما ان العديد من الفلسطينيين الذين درسوا وتزوجوا بلغاريات هنا عمدوا للعمل في الزراعة وهو امر مربح تجاريا واقتصاديا ويعفي البلغار ان يذهبوا للعمل بالسخرة في اوروربا الغربية ويعفي البلغاريات من العمل كمربيات او خادمات منازل كما يحدث في بعض الدول المشابهة.
ويعيش هنا الاف من الفلسطينيين معظمهم اسسوا عائلات وانجبوا اطفالا، والسكان هنا وان اختلفت اشكالهم عن العربي الا انهم يحملون صفات مشتركة تجعل الزواج ناجحا، وعلى رأسها البساطة والفلاحة وطيبة القلب وعدم التكبر... ولكثرة الغجر هنا فانك ترى ان الشكل النموذجي للبلغار هو مزيج من البشرة الاوروبية الشقراء والسلافية الحمراء والتركية ذات الشعر الداكن والرومانية ذات الوجه الابيض، اضرب جميع هؤلاء في خلاط التاريخ الجيني ستحصل على سحنة بلغارية لا تشعر بانها غريبة عنك الا اذا تحدث صلبها وسمعت لغة غير عربية.
وفي صوفيا اندهشت أبصارنا واندهشت عقولنا وحارت ألبابنا في ضخامة وعراقة القصور الحكومية هنا، حتى عرفنا ان معظم هذه البنايات تم اشادتها على يد الزعيم الروسي ستالين، وهي مقرات فخمة وضخمة وقاسية جرى اشادتها من الصخر على طريقة الكنائس فيصمت المرء في حضرتها وكأنها يريد ان يقول: عفواً.
وقد كانت بلغاريا ولا تزال دولة سلافية، وتنتهج المبدأ المعتدل تجاه قضايا الشرق الاوسط، وحين اصبح جابي اشكنازي رئيسا لجيش الاحتلال الاسرائيلي كتبت الصحافة هنا تفاخر ان ابن بلغاريا البار اصبح رئيسا لجيش اسرائيل، وحين اصبح د.احمد المجدلاني وزيرا في العام 2005 كتبت الصحافة هنا تقول: مبروك لبلغاريا ان احد خريجي جامعاتها وصل الى هذا المنصب.
ولان الرئيس يعرف وسطيتهم وعدم رغبتهم في حمل مواقف مع طرف ضد اخر، كانت كلماته حول السلام لا تحصد سوى هز الرؤوس موافقة، وبوجود سفيرنا د.احمد مدبوح ووزير الخارجية الدكتور رياض المالكي ووزير العمل المجدلاني وطاقم السفارة كان لقاء ابو مازن بالرئيس جورجي بارفالوف حميميا ويبدو ان زعماء وقادة اوروبا بشكل عام مرتاحون لسياة الرئيس ابو مازن لانها تعطيهم المجال للتعبير عن رأيهم بصراحة ضد الاحتلال ومع اقامة دولة فلسطينية دون اي احراج مع الدول القوية الاخرى التي تلعب في الملعب الفلسطيني.
وقد لفت انتباهي عبارات الرئيس ابو مازن وكيفية مخاطبته لهذه الدول: لا نريد داعمين ماليين لفلسطين بل نريد لاعبين في ساحات السلام من اجل اقامة دولة، وهي عبارات تضمن كرامة فلسطين وتقدر الازمة الاقتصادية العالمية التي ضربت هذه الدول مؤخرا.
وقد لوحظ ان الرئيس بدا مرتاحا من هذه الزيارة ورغم انها زيارة لمدة يوم واحد كان يسالنا الرئيس عن صوفيا وكيف نراها وهل اعجبتنا بسر جمالها البلقاني فسرقنا سويعات الاصيل ونزلنا وتجولنا في شوارع صوفيا، وشربنا من برتقالها وأكلنا من تفاحها و"خمشنا " من مشمشها، فكانت اذا تشرب منها لا تروي واذا اكلت من تفاحها لا تشبع وحسبك تقول في كل شارع وامام كل ما حباها الله من جمال، حسبك تقول الحمد لله الذي خلق الناس على اشكال مختلفة.
على كل حال، ان هذه الشعوب وعلى رأسها الشعب البلغاري والروماني، شعوب تحب ان تعمل اكثر من تتحدث لذلك تراهم يعملون بجهد تحت سياسة التقشف لتجاوز ازمة اوروربا الشرقية، واذا اغناهم الله تراهم ينفقون مالهم لخلق حياة افضل، وصوفيا جميلة وهي اشتراكية وجميلة وهي رأسمالية، لا تأكل حتى تجوع....وان أكلت لا تشبع.