الثلاثاء: 24/09/2024 بتوقيت القدس الشريف

كتاب مقاومة الاعتقال ... وثيقة شرف لتحرير الأسرى - بقلم عيسى قراقع

نشر بتاريخ: 16/07/2010 ( آخر تحديث: 16/07/2010 الساعة: 12:15 )
أصدر ثلاثة من القادة المعتقلين كتابا بعنوان( مقاومة الاعتقال ) وهم مروان البرغوثي وعبد الناصر عيسى وعاهد غلمة، وجميعهم من ذوي تجربة كبيرة وعميقة في النضال الوطني خارج السجون وداخلها وقد سيطر على المؤلفين هاجسا مقلقا وهو كيف يتوقف هذا النزيف من الاعتقالات اليومية وما ينتج عنها من دمار إنساني ووطني ومجتمعي.

والجديد في الكتاب هو تسليط الضوء ساطعا على حرب الاعتقالات الفردية والجماعية والتي اعتبرها المؤلفون جرائم حرب صامتة تدور رحاها في أقبية الظلام ويدفع الأسرى ثمنا باهظا من أجسادهم وأرواحهم وأعمارهم جراء هذه الحرب الخارجة عن المألوف وعن سياق كافة القوانين والقيم الإنسانية والدولية.

يتدفق الأسرى إلى السجون والمعسكرات أطفلا وشبانا وشيبا، رجالا ونساء يروون ما جرى منذ لحظة اعتقالهم والاعتداء عليهم بوحشية خلال نقلهم أو داخل مستوطنة، وتسمع قصصا عن أساليب أفانين من التعذيب في أقبية التحقيق على أجسادهم ونفوسهم كأن الاعتقال أصبح انتقاما ووسيلة للتدمير الإنساني أكثر منه انتزاع للمعلومات.

المؤلفون الأسرى سمعوا روايات عن إطفاء السجائر في أجساد المعتقلين، وعن اعتقالات لعائلات الأسرى كوسيلة ضغط عليهم، وعن استخدام الكلاب المتوحشة والتعليق والشبح و إجبار الأسرى على تقليد أصوات الحيوانات، وعن التعرية وانتزاع المعلومات تحت الضغط والابتزاز ، وسمعوا عن التهديد الجنسي ومحاولات عدد من الأطفال الأسرى الانتحار وغيرها، مما حذاهم إلى إطلاق صرخة جاءت على شكل كتاب بعنوان ( مقاومة الاعتقال ).

الكتاب يكشف إلى أي مدى أصبحت سلطات الاحتلال تعتمد في تكريس سيطرتها على شعبنا الفلسطيني وتقويض حقوقه المشروعة من خلال سياسة الاعتقالات المتواصلة والتي في جوهرها أكثر شدة وتأثيرا من المعارك العسكرية المكشوفة والواضحة ، فالمعركة عنوانها الإنسان ومستقبله وقناعاته النضالية والوطنية وأحلامه في الحرية والكرامة والاستقلال.

هذا الاشتباك بين الإنسان والجلاد والذي لم يسمع المجتمع الدولي عن ضحاياه وجرحاه وشهدائه و لم يدرج على أجندة التدخل الدولي السريع لوقف انتهاكات حقوق الإنسان الأسير ولوضع حد لسياسة تشريع الانتهاكات وقتل حقوق الإنسان في القرن الواحد والعشرين.

أوضح كتاب مقاومة الاعتقال بأن المجتمع الإسرائيلي بكافة أطيافه وتياراته مجند لخدمة المؤسسة العسكرية والأمنية بما في ذلك أجهزة التعليم والتربية والهيئات الرياضية والمحاكم والمؤسسات الخدمية على مختلف مستوياتها حتى صارت المساحات الأمنية والمعسكرات وما يتبع للجيش الإسرائيلي وأجهزة الأمن يشكل نصف مساحة دولة إسرائيل.

لقد تحولت الدولة العبرية إلى قلعة عسكرية أو ثكنة عسكرية فرضت على نفسها أسس العزلة والفصل وكما قال الكاتب الإسرائيلي (ديفد عزوسمان) :دولة إسرائيل دولة شاباك وشرطة، دولة إسبارطية مخابراتية...دولة مشهد عسكري.

عندما قرأت كتاب يعقوب بيري رئيس جهاز الشاباك السابق تحت عنوان( مهنتي كرجل مخابرات ) وجدته يعترف بما جاء في كتاب مقاومة الاعتقال من ارتكاب جرائم حرب بحق الأسرى من تعذيب وإهمال طبي وابتزاز الجرحى وبغطاء من الجهاز القضائي الإسرائيلي و يصف الأسرى في كتابه بالحيوانات البشرية.

وأوضح أن الكتاب يلفت الانتباه إلى أن كل شيء ممكن أن يهدأ أو يستقر مؤقتا أو يؤخذ بشأنه هدنة باستثناء الاعتقالات الواسعة لأبناء الشعب الفلسطيني والتي تعتبر سياسة ثابتة لم تتوقف منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي، لهذا فقصة الأسرى تجاوزت حدود الوصف والزمان والمكان.

ومن هنا يقرع الكتاب جرس الإنذار ويقول للجميع دون استثناء: انتبهوا لا زلنا في مرحلة التحرر الوطني ولا زال الجلادون يتربصون بحياتنا وأولادنا من بيت إلى بيت ويطبقون حصار السجن على مستقبلنا بالحديد والقيود والقمع المتواصل هناك في الساحة الخلفية من هذا الصراع.

يدعو الكتاب إلى البدء بمقاطعة الجهاز القضائي الإسرائيلي ومحاكم الاحتلال العسكرية ويعتبرها الوجه الأخطر لتشريع الاحتلال والأداة التنفيذية لتكريس سيطرة الاحتلال على شعبنا الفلسطيني خاصة أن القضاء الإسرائيلي رفض تطبيق اتفاقيات جنيف الأربع على الأراضي المحتلة ولا زال يأتمر بسلسلة من الأوامر العسكرية رافضا تطبيق تعليمات القانون الدولي مع أنها تلزم الدولة المحتلة بتطبيقها.

في الفترة الواقعة بين 1999 -2006 حوكم أكثر من 150000 فلسطيني في المحاكم العسكرية وهذا حجم كبير يشير إلى حجم المأساة الإنسانية خاصة أن نسبة البراءة تكاد تصل إلى الصفر ومدة المداولات في هذه المحاكم تدعو إلى السخرية حيث لا تزيد عن 3 دقائق وأربع ثوان.

ومن اجل أن تتحول سياسة الاعتقالات إلى عبء ثقيل على الاحتلال يدعو الكتاب إلى ميثاق شرف بين الشعب الفلسطيني وأسراه مع قياداته وفصائله وقواه الوطنية والإسلامية، يستند بأن يبذل الجميع كل الجهود لإطلاق سراح الأسرى والدفاع عن حقوقهم واعتبار هذه القضية ثابتا وطنيا وذات أولوية غير خاضعة للمساومة والمقايضة وللمعايير الاسرائيلية الظالمة.

ميثاق شرف لتعزيز قيمة الإنسان العليا ووضع برامج وسياسات عامة للاهتمام بالإنسان وتعميق روح التربية والثقافة لديه في مواجهة حرب الاعتقالات وأساليبها المخادعة و اعتبار الحرية عنوانا مقدسا للمشروع الوطني الفلسطيني.