قراءة متأنية في كتاب مقاومة الاعتقال - بقلم :- راسم عبيدات
نشر بتاريخ: 19/07/2010 ( آخر تحديث: 19/07/2010 الساعة: 21:26 )
قراءة متأنية في كتاب مقاومة الاعتقال
لمروان وعاهد وعبد الناصر
بقلم :- راسم عبيدات
......مما لا شك فيه أن هذا الكتاب يشكل إضافة نوعية للمكتبة الفلسطينية عامة وللمكتبة الاعتقالية خاصة،وخصوصاً أنه يجيء في ظل مرحلة شديدة الصعوبة والقسوة على الحركة الأسيرة الفلسطينية،حيث تتعرض لهجمة شرسة وغير مسبوقة من قبل إدارات السجون الإسرائيلية بغرض كسر إرادتها وتدمير معنوياتها وتفكيك وتدمير بناها وهياكلها التنظيمية والاعتقالية،وأيضاً على صعيد وضعها الذاتي فالحركة الأسيرة بمجموع طيفها السياسي الوطني والإسلامي ليست معافاة،بل تشهد أزمة عميقة،وتعني من ضعف حواملها التنظيمية،وحالة من الشلل والفقر في الجوانب الثقافية والفكرية،وغياب المؤسستين الحزبية والاعتقالية الفاعلتين.
وهذا الكتاب الذي شارك فيه ثلاثة من قادة العمل الوطني الفلسطيني الدكتور مروان البرغوثي النائب في المجلس التشريعي وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح وعبد الناصر عيسى أحد أبرز قادة كتائب عز الدين القسام- الجناح العسكري لحركة حماس- وعاهد أبو غلمة قائد كتائب الشهيد أبو علي مصطفى في الضفة الغربية- الذراع العسكري للجبهة الشعبية - ،يعتبر الأول الذي يتجاوز الفئوية المقيته،فما صدر من كتب سابقة في هذا الجانب تحديداً كان يؤرخ ويسرد ويستعرض ويحلل تجارب وبطولات أبناء الفصيل الواحد،ويكتسب هذا الكتاب أهمية قصوى كونه يأتي في مرحلة الساحة الفلسطينية فيها منقسمة على ذاتها والفئوية طاغية وفاقعة ومسيطرة على المشهد الفلسطيني العام.
والكتاب هذا في مقدمته وفصوله السبعة رصد وألقى الضوء وسرد ونقاش وحلل ووضع مشاريع حلول وحلول لقضايا على درجة عالية من الأهمية،تهم فصائل العمل الوطني والإسلامي الفلسطينية،والشعب الفلسطيني في كفاحه ونضالاته المتواصلة و لها صلة وعلاقة مباشرة بالنضال الوطني الفلسطيني والاعتقال والمعتقلين وممارسات إدارات السجون الإسرائيلية وسبل وطرق مواجهتها والتصدي لها....الخ من القضايا الهامة والجوهرية.
فهو على سبيل المثال يؤكد على أن المخابرات الإسرائيلية "الشاباك" في أولويات عملها تستهدف من يمارسون الشكل الأرقى للنضال وهو الكفاح المسلح،ولا يهم المخابرات الإسرائيلية هنا من يمارس هذا الشكل النضالي فتح أو حماس أو الجبهة الشعبية ،فالانتماء هنا والعقيدة واللون السياسي ومع أوسلو أو ضد أوسلو مع السلام أو ضد السلام ليس لها اعتبار في الاستهداف المخابراتي الإسرائيلي،فمن يمارس هذا الشكل ويترجمه لفعل على الأرض،المخابرات الإسرائيلية بأجهزتها المختلفة ستطارده وتلاحقه تصفية واعتقالاً أو دفعه للمطاردة والاختفاء.
وكذلك ركز الكتاب وأفرز حيزاً كبيراً لظاهرة العملاء وغرف العار في المعتقلات ودورهم القذر في الإيقاع بالمناضلين وانتزاع الاعترافات منهم،والكتاب يشدد هنا على غياب التوعية والتثقيف على صعيد السلطة والفصائل والمؤسسات بهذه الظاهرة ومخاطرها،ورغم أن الكتاب شدد على ارتباط هذه الظاهرة بالاحتلال والاستعمار،إلا أنه يؤكد إلى عدم نجاح الاحتلال في تحويلها إلى ظاهرة جماعية،تجنيد أو استمالة فئة أو جماعة اقتصادية أو سياسية أو طائفة أو مجموعة سكانية بكاملها،كما حصل في لبنان،حيث نجح الاحتلال في تشكيل جيش جنوب لبنان بقيادة سعد حداد ومن ثم أنطوان لحد،لينهار ويتحلل بعد انتصار المقاومة اللبنانية وتحرير الجنوب،وإنصافاً للحقيقة بعد توقيع اتفاقيات "كامب ديفيد" نجح الاحتلال في تشكيل روابط القرى العميلة،ولكن سرعان ما تفككت وانتهت بفعل مقاومة ثورتنا وشعبنا لها.
والكتاب يشرح بإسهاب دور العملاء في غرف العار،فمن ظاهرة تحتل غرفة في سجن فترة السبعينات إلى أقسام كاملة في كل سجن من السجون،وأقسام العار تكون على هيئة وترتيب الأقسام العادية للمناضلين بحيث يصعب تمييزها،وبما يؤشر إلى تجديد وتطوير المخابرات لأساليب عملها باستمرار وطرق وأساليب حصولها وانتزاعها ل وعلى الاعترافات من المناضلين،دون أن يواكب ذلك تطوير فصائل العمل الوطني والإسلامي أساليب وطرائق عملها للمواجهة وكشف هذه الأساليب وإفشالها،أما عند الحديث عن العمل النضالي الفلسطيني والاعتقالات،فالكتاب يسلط الضوء على قضية غاية في الأهمية،ويجب على كل فصائل العمل الوطني والإسلامي دراستها وأخذها على محمل الجد،حيث أن العمل القائم على المبادرات الفردية والجماعية حقق نتائج وخسائر للعدو أكثر من العمل المنظم والمبني على رؤيا سياسية وتنظيمية،رغم قلة التجربة والخبرة والوعي في الأول وتوفرها في الثاني،بل وجدنا في الثاني،أنه رغم توفر الحاضنة الحزبية والسياسية والتنظيمية،فإن الإنجازات لم تكن بالمستوى المطلوب،والكتاب يطرح أن عدم وجود هؤلاء المناضلين من أصحاب المبادرات تحت الضوء وعدم ارتباطهم التنظيمي يصعب على الاحتلال مراقبتهم وكشفهم،ورغم صحة ودقة ذلك،فهذا يؤشر إلى خلل في البنية والتربية التنظيمية والحزبية فصائلياً،حيث أن قواعد السرية تنهك في العمل الوطني المبني على الرؤيا السياسية والتنظيمية وبالتالي تكون النتائج كارثية.
وفي الجانب المتعلق بالإجراءات الوقائية لمقاومة الإعتقال،حدد الكتاب بشكل دقيق المراحل العامة لمقاومة الاعتقال ورسم ووضح الإستراتيجيات الخاصة بكل مرحلة من المراحل،ففي المرحلة الوقائية،ركز على استراتيجيات السرية،الاختباء والمطاردة،أما في مرحلة مواجهة التحقيق فكان تركبز على الصبر والصمود،وفي مرحلة مواجهة الاعتقال داخل السجن " من بطن الحوت" فهناك تركيز على الحفاظ على الروح المعنوية العالية والعمل على بناء الذات،وفي مرحلة مواجهة الاعتقال من خلال إطلاق سراح المقاومين،ركز الكتاب على إستراتيجية عملية تبادل الأسرى.
كما أن الكتاب تطرق إلى قضية على درجة عالية من الأهمية للعمل النضالي والمقاوم،وهي قضية السرية في العمل،وأوضح الكتاب أن انتهاك قواعد السرية في العمل،كان له تداعيات ونتائج جداً خطيرة فانتهاك هذه القواعد دفعت الفصائل الفلسطينية ثمنها غالياً أسرى وشهداء ومطاردين وتشرد وخراب بيوت وتشتت عائلات وتفكك بنى وهياكل تنظيمية،والكتاب يؤكد على قاعدتين أساسيتين من قواعد العمل السري،ألا وهما المعلومة على قدر الحاجة والثقة لا تلغي الحذر،وكم كانت النتائج خطيرة عندما انتهكت هاتان القاعدتان،بسبب العقلية الاستعراضية وحب الفضول والظهور والمنفخة والفشخرة القاضيتين،وهناك أمثلة حية وساطعة في هذا الجانب،فمن دفعه فضوله إلى فتح رسالة مغلقة سلمت له لوضعها في نقطة ميته وانتظار ومعرفة من يتسلمها،ومن باح بأسرار الحزب والتنظيم لزوجة أو حبيبة،كان ثمن ذلك باهظاً اعتقالاً واغتيالا ونسف بيوت وكشف بيوت ومخابئ سرية.....الخ.
وفي الفصل المتعلق بالمحاكم الإسرائيلية،فالكتاب يشدد على أن هذه المحاكم،هي جزء من منظومة الاحتلال وهي موجودة لخدمته وتثبيت سيطرته،وهو يشدد على إن هناك غياب في الوعي والمعرفة والتثقيف والإرشاد والتوجيه من قبل السلطة والفصائل والمؤسسات ووزارة شؤون الأسرى وغيرها للأسرى وأبناء شعبنا الفلسطيني بطبيعة هذه المحاكم وأدوارها وأهدافها.
وقضية هامة ركز عليها الكتاب في هذا الجانب وهي عدم وجود إستراتيجية وطنية لمقاطعة محاكم الاحتلال،كون هذه القضية قضية وطنية وتعبير عن رفض الاحتلال،واقتصرت هذه القضية على عدد محدد من الأسرى،وقف في طليعتهم القائدان احمد سعدات ومروان البرغوثي،وفشل إستراتيجية المقاطعة سببه الأساس،عدم تجاوب الأسرى والفصائل والسلطة والمؤسسات ونقابة المحامين،ونبه الكتاب إلى قضية خطيرة في هذا الجانب،تشكل ربحاً صافياً للاحتلال وجهازه القضائي،ألا وهي قضية الصفقات في المحاكم،والتي يقودها في الأغلب عدد من المحامين المنتفعين،حيث هذه الصفقات التي تجري في الغالب من خلف ظهر الأسرى،توفر جهداً ووقتاً على المحاكم الإسرائيلية،وتجري فيها عمليات بيع أحكام وشطب بنود من لائحة اتهام أسير وتحميلها على لائحة اتهام أسير آخر،بالإضافة إلى المبالغ المالية الطائلة والباهظة التي يدفعها أهالي الأسرى للمحامين تحت وهم تخفيف مدة أحكام أبنائهم.
وهنا نشير إلى أن واضعي ومؤلفي الكتاب أهملوا قضية على درجة عالية من الأهمية،وهي محاكم ثلث المدة" محاكم الشليش" حيث لم يرد ذكر لها في الكتاب،وخطورتها لا تقل عن خطورة المحاكم العسكرية والمدنية،فهي جزء مكمل لأدوار تلك المحاكم،وتأتي في إطار وسياق تجميل صورة الاحتلال وديمقراطيته الزائفة،فهذه المحاكم ليست أكثر من مسرحيات،يجلب إليها الأسرى الفلسطينيون لسماع كلشية مسجلة " المحكمة ترفض إطلاق سراحك لكونك تشكل خطراً على امن الدولة والجمهور "،وفي أحيان كثيرة يتم تلاوة هذا النص على المتهم قبل دخوله باب قاعة المحكمة.
وفي الفصل الخاص بسياسة إدارة السجون وسبل مواجهتها،وعند الحديث عن سياسة الإضرابات عن الطعام كسبيل لمواجهة سياسات إدارات السجون،نجد أن هذا السلاح الذي أستخدمه الأسرى للتصدي ومواجهة سياسات وأساليب إدارات السجون القمعية والمطالبة والدفاع عن حقوقهم ومنجزاتهم ومكتسباتهم،حقق الكثير من الإنجازات في مراحل المد الثوري والوحدة الوطنية الفلسطينية،وفي سياق استعراض الإضرابات المفتوحة عن الطعام التي خاضها الأسرى بدءاً بإضراب سجن عسقلان 1971 وانتهاء بإضراب سجن جنيد 25/9/1992،نجد أن الحركة الأسيرة حققت الكثير من المنجزات والمكتسبات،ولكن بعد مرحلة أوسلو وتوقيع إعلان المبادئ في 13/9/1993 وما كان له من تداعيات خطيرة على أوضاع الحركة الأسيرة الفلسطينية،حيث تفككت البنى والهياكل التنظيمية والاعتقالبة وعانت المنظمات الأسيرة من ضعف في حواملها التنظيمية وحلت الجهوية والعشائرية والشخصنة محل الحزب والتنظيم والمراتبية،وكذلك غياب الوحدة الوطنية وغيرها،وهذا أتاح لإدارة مصلحة السجون أن تشن هجمة شاملة على الحركة الأسيرة بقصد تحطيمها وكسر إرادتها ومعنوياتها وسحب الكثير من منجزاتها ومكتسباتها،وكما قالت الجهات الإسرائيلية المختصة إعادة الحركة الأسيرة الفلسطينية الى مرحلة السبعينات،ولذلك وجدنا أنه عندما خاضت الحركة الأسيرة الفلسطينية إضراب 15/8/2004،رداً على إجراءات إدارات السجون بتركيب عازل زجاجي بين الأسير وأهله في غرف الزيارة،وجعل الزيارة تتم عبر الحديث بالهاتف،وحرمان الكثير من الأسرى من زيارة أهاليهم مدة طويلة،فإن هذا الإضراب فشل فشلاً ذريعاً،وليكون وبالاً على الحركة الأسيرة حيث كان هناك تصعيد غير مسبوق في إجراءات وممارسات إدارة السجون الإسرائيلية القمعية بحق الحركة الأسيرة الفلسطينية.
وفي سياق الحديث عن الآثار السلبية المترتبة على الاعتقال، وبالذات على الفرد المعتقل،أشار مؤلفو الكتاب إلى أن من تلك الآثار والنتائج تعزيز الانتماء العشائري والبلدي والجهوي مقابل الانتماء الوطني والحزبي،وأنا أرى أن وضع هذا البند هنا ليس دقيقاً،فهذا البند له علاقة بالنتائج المترتبة على اتفاقية اوسلو وما كان لها من تأثيرات سلبية على أوضاع الحركة الأسيرة الفلسطينية،وبالقدر الذي تضعف وتتفكك وتتحلل أوضاع الحركة الأسيرة،يصبح الجو ملائماً لنمو وانتشار مثل هذه الظواهر السلبية والضارة.
وكذلك أشار الكتاب إلى ضعف دور الأسير الوطني والسياسي بعد اعتقاله،فحتى لو كان الأسير بحجم القادة سعدات والبرغوثي،فبعد اعتقالهم يجري تهميش دورهم في القرار الحزبي والوطني،رغم أن هؤلاء لهم دورهم وحضورهم وبصماتهم الواضحة تنظيمياً ووطنياً،وهنا يجب البحث والتدقيق جيداً عمن تقع عليه المسؤولية في تهميش دور الأسرى في القرار الوطني والسياسي.؟
وفي الفصل السابع والختامي المتعلق بتحرير الأسرى،فهو يؤكد على قضية جوهرية لها الكثير من التأثيرات والتداعيات على الأسرى وأسرهم،وهي غياب الإستراتيجية عند السلطة والفصائل الفلسطينية من أجل تحرير الأسرى من السجون والمعتقلات الإسرائيلية،والمسألة متروكة على الهمة والعمل الفردي بدون إرادة وقرار وفي إطار "بيع الحكي" والاستعراض،ويؤكد القادة الثلاثة في كتابهم على أن الثقافة السائدة في أوساط مجتمعنا العربي والفلسطيني،هي اعتبار أن حياة الإنسان وحريته ليست من القيم العليا وليس الإنسان أغلى ما نملك،وإنما بعض أفراد الشعب أغلى ما نملك والباقي وقود يجب أن يحترق من أجل استمرار المسيرة.
وفي الختام فإن هذا الكتاب جدير بالقراءة وهو وثيقة على درجة عالية من الأهمية،وبالضرورة أن يصبح جزء من المنهاج الدراسي المقرر لطلبتنا في المدارس والجامعات،هو وغيره من الإصدارات الخاصة بحركتنا الأسيرة الفلسطينية،فمن غير المعقول أن يدخل عدد من الأسرى الفلسطينيين موسوعة "دينس" للأرقام القياسية دون أن يعرف عنهم أبناء شعبهم شيئاً،في الوقت الذي لم يمضي على أسر "شاليط" أربع سنوات وأصبح معروفاً على مستوى كل دول العالم,؟