ديبلوماسي سويدي سابق يقترح "بدلا من حل الدولتين لماذا لا يتم اللجوء الى حل الدولة الواحدة"
نشر بتاريخ: 10/07/2006 ( آخر تحديث: 10/07/2006 الساعة: 15:14 )
ماثياس موسبرغ
الغـــــارديــــــــان
ترجمها بتصرف: رشيد شاهين
معا- منذ نصف قرن ونيف ، لايزال الطرفان الفلسطيني والاسرائيلي يقتتلان فيما بينهما على نفس البقعة من الارض، وقد تم اقتراح العديد من الاشكال والافكار والحلول, لاقتسام هذه الارض بينهما ، الا انها كانت في كل مرة تذهب أدراج الرياح ، ولم تثبت أي من تلك المقترحات فاعليتها أو إمكانية تطبيقها ، وكان آخر هذه الخطط لاقتسام الارض بين الطرفين هو الخطة الاسرائيلية أحادية الجانب والتي تمثلت بالانسحاب من غزة وبعض المستوطنات في الضفة الغربية ، هذه الخطوة لاقت الكثير من الانتقادات وتم النظر اليها على أنها غير كافية إضافة الى كونها متأخرة جداً .
رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت, أراد ان يبحث عن حل من خلال خطة لرسم حدود اسرائيل بحلول العام 2010 , لكن وطالما ان الفلسطينيين يطالبون بدولة لهم في حدود الرابع من حزيران ,1967 فإن قلة هم من يعتقدون بأن المعضلة في طريقها الى الحل ، واذا ما تم الاخذ بعين الاعتبار دورة العنف المتصاعدة , فإن احتمالات التوصل الى حل لدولتين يتفق عليه الطرفان يبدو بعيداً أكثر من أي فترة سابقة ، الا ان هذا يجعل من الضروري ان نفكر في هذا الصراع من خلال نظرة وشروط جديدة .
في عالمنا هذا ، عالم اليوم ، أصبحت قضية السيطرة على بقعة جغرافية معينة، أو حدود بعينها تختلف عما كان الامر عليه في السابق ، ومنطق الدولة اصبح مختلفاً عما كان في الماضي ، واصبح الامر يتعلق بالدخول الى الاسواق ، وبالتكنولوجيا وسيادة القانون.
ماذا لو استطاع الطرفان ( الاسرائيلي والفلسطيني ) الفصل بين منطق ومفهوم الدولة والمناطقية الجغرافية، والتوصل معاً الى طرق اخرى جديدة للعيش فيما بينهما,ماذا لو تم منح كلا الطرفان ولو من حيث المبدأ امكانية الاقامة ( الاستيطان ) في أي بقعة في المنطقة الجغرافية الواقعة بين المتوسط والاردن ؟.
لا بد من القول هنا انني اعتقد ان هذا قد لا يكون الحل الامثل للتفكير به, او تخيله، عندما نفكر في الدول لا بد من ان نأخذ بعين الاعتبار الحدود، حدود حقيقية، محددة ومعرفة ، ويمكن تعيينها وتحديدها على الخارطة، الا ان ما يجول بخاطري هو مختلف تماماً, وهو بلا شك قد يكون ليس كامل النضج، بإمكانكم تسميتها الدولة الثنائية، بدلاً من الصيغة المعروفة حول دولتين تعيشان جنباً الى جنب، اسرائيل وفلسطين، سوف تكونان دولتان مفروضتان على بعضهما البعض، وبإمكان المواطنين ان يختاروا بحرية الى أي النظامين سوف ينتمون - سوف تكون مواطنتهم مرهونة ومرتبطة بالاختيار وليس المناطقيه أو الجغرافيا - من الممكن ان تبقى اسرائيل موطناًُ لليهود ، ولكن في الوقت ذاته تكون المكان الذي من الممكن للفلسطيني العيش بحرية ، هذا الهيكل الاداري الاساسي تم العمل به في مكان آخر، على سبيل المثال في الكانتونات السويسرية ، هناك اناس من اجناس ومعتقدات مختلفة ، يتحدثون لغات مختلفة ، ولديهم انتماءات وولاءات مختلفة ، انهم جميعهم يعيشون جنباً الى جنب بدون أية مشكلة.
في دولة اسرائيل - فلسطين الثنائية ، يمكن منح وحدات مناطقية أصغر حجماً ، الى أي الدولتين تريد الانضمام بالاعتماد على الاغلبية في التصويت ، وفي الوقت ذاته ، فإن بإمكان الافراد اختيارا لجنسية التي يشاؤون ، بغض النظر عن مكان الاقامة, فالشخص الذي يعيش في كانتون يعود الى فلسطين يمكن ان يبقى مواطناً اسرائيلياً والعكس صحيح ، على سبيل المثال فلسطيني يعيش جنباً الى جنب مع اسرائيلي في منطقة تدار اسرائيلياً يمكنه العيش بنفس الحقوق والواجبات ويخضع لنفس القوانين ، كأن يكون بإمكانهم الحركة في المنطقة المحتلة الان من قبل اسرائيل وبإمكانهم استعمال العملة النقدية ذاتها والدخول في نفس سوق العمل والضريبة للخدمات المشتركة, نفس الضريبة.
اما النزاعات والخلافات المدنية أو الجنائية فيمكن حلها من خلال محكمين مستقلين، وبإمكان الاباء ارسال اطفالهم الى المدارس التي يرغبون ، الجيران يمكنهم التصويت لقادة مختلفين وفي انتخابات منفصلة ، وعلى هؤلاء المنتخبين ان يضعوا التشريعات المتناغمة والمنسجمة في العديد من القضايا مثل الضرائب ، القانون الجنائي وأنظمة المرور ... الخ، ولا ضرورة لوجود حواجز أو جدران امنية أو ممرات آمنة أو نقاط تفتيش، قوة دفاعية مشتركة يمكنها حماية الحدود, وخدمات جمركية مشتركة ، وبإمكان الكيانين الابقاء على ارثهم الوطني ، وحكوماتهم ، الشؤون الداخلية يمكن ادارتها في الكنتون من خلال ادارة تمثل أغلبية من يقطنون الكنتون ، الا ان الحقوق الانسانية والحريات المتعلقة بالافراد يجب ان تكون مضمونة من خلال تعاون الدولتين .
ليس صعباً ان نتخيل منطقة ذات اغلبية يهودية تتمثل الان بدولة اسرائيل الحالية اضافة الى المستوطنات الرئيسية ، هذه المنطقة يمكن ان تخضع للتشريعات الاسرائيلية, الا انها تبقى مفتوحة للفلسطيني الراغب بالعيش فيها ويخضع للتشريعات الفلسطينية ، وبالمثل يمكن تخيل منطقة فلسطينية تتكون من الضفة الغربية وقطاع غزة وربما اجزاء اخرى من اسرائيل حيث يوجد اغلبية عربية ، حيث بإمكان الاسرائيلي أو اليهودي العيش ضمن هذه المناطق مع بقائه خاضعاً للقوانين الاسرائيلية ، وهذا قد ينطبق على مدينة القدس نفسها ، حيث لا يمكن تغيير الشكل الديمغرافي للسكان بين ليلة وضحاها ، فمثلاً ، قد يستمر تقسيم القدس الى غرب وشرق الى مدة محددة, لكن في الوقت ذاته لابد من أن يتحرك الناس بحرية تامة .
لا بد من التأكيد على ان الطريق الى حل ال " الدولة الثنائية " قد يخلق نوعاً من التحديات ، الا انه وعلى المدى الابعد يمكن ان يتم بناؤها على الوقائع الانية الموجودة على الارض ومن ثم الانتقال الى الخطوات التالية شيئاً فشيئاً ، انسحاب اسرائيل من الضفة الغربية متزامناً مع بناء مؤسسات فلسطينية حقيقية وذات مصداقية قد يكون الشرارة التي تنطلق منها العملية ، وفي مرحلة لا حقة لا بد من الحديث المباشر عن الاقتصادات المشتركة ، والمسؤوليات المدنية, وكذلك الدفاعية يمكن نقاشها ايضاً من اجل الوصول الى بناء هذا الصرح او النوع الجديد من الدولة .. هل يعتبر هذا المقترح غير واقعي بالمطلق ؟؟ ربما ، الا ان الواقع الحالي بعيداً كل البعد عن العقل والمنطق ، هناك ثمة حاجة ملحة لنوع جديد من التفكير اذا ما كان للعملية السلمية ان تتجذر ، ربما من خلال اعادة النظرفي كيف تتشكل او تقوم الدولة خارج الافكار التقليدية, اومن يملك اي قطعة من الارض، اسرائيل والاراضي المحتلة يمكنها ان تفرز او تجسد اول دولة معاصرة في عصر العولمة .
انها دولة العولمة ، حيث يمكن ان نلمس قيمة القرن 21 في حل اكثر النزاعات المناطقية ، المتوارثة من القرن الماضي صعوبة ، مثل هذه الدولة سوف تكون ابتكاراً لسياسة عالمية ، وللقانون الدولي والفن الدستوري ، الا انها سوف تكون في اكثر من طريقة عبارة عن شرعة جديد للعالم الذي نعيش, حيث ان حياتنا غير مرتبطة تماماً بالارض بنفس الطريقة التي كانت موجودة في القدم ... بالنسبة للاسرائيليين والفلسطينيين ، فإن قضية نسيان الارض قد تكون الطريقة المثلى والوحيدة للعيش عليها.
الكاتب : سفير السويد السابق في المغرب 1994-1996 وقد انخرط بالمحادثات والمفاوضات المتعلقة بالشرق الاوسط منذ ثمانينات القرن الماضي .