الإثنين: 30/09/2024 بتوقيت القدس الشريف

الحديث ذو شجون *بقلم: فايز نصار

نشر بتاريخ: 27/09/2010 ( آخر تحديث: 27/09/2010 الساعة: 14:44 )
شكرا بلاتيني !

عندما استبشر العالم الحر بتحويل الشرق الأوسط الى واحة للديمقراطية والسلام، عقب توقيع تفاهمات اوسلو المعروفة، كان الرياضيون اول المباركين بالتوجه الجديد، معتقدين ان المتصارعين قد اقتنعوا مؤخرا بأن التراب المبارك يتسع للجميع، وبأن فلسطين التي طالما كانت بؤرة الحضارات المنجبة، لن تكون الفتيل الذي يشعل عالمية أخرى.

يومها جاء الى أريحا منتخب المنوعات الفرنسي، وفي صفوفه خيرة النجوم الذين انجبتهم الملاعب الفرنسية، ممن زفوا لفرنسا التاج الاوروبي منتصف الثمانينات، وفي مقدمتهم الجزائري الاصل مصطفى دحلب، وقائد السفن الزرقاء ميشيل بلاتيني.

يومها لعب المنتخب الازرق مباراة كرنفالية على ملعب أريحا الترابي، قبل ان تحوله مناخات السلام الى ملعب أخضر .. أقول كرنفالية لأن فلسطين بقدها وقديدها تداعت يومها الى أول المدن، نشوة بتشكيل أول منتخب فلسطيني على ارض الوطن .. واحتفالا ببوادر الاستقلال الرياضي، واستعادة الحقوق الرياضية المسلوبة .. ودحرا لكل العراقيل، التي كانت دبابات المحتل تضعها أمام العجلة الرياضية الفلسطينية.

يذكر الفلسطيينون هذا الموقف الفرنسي، تماما كما يذكرون سلسلة مواقف فرنسا، التي فتحت ذراعيها لأشرف المرضى أبو عمار، بعد حين من الدهر على الزيارة التاريخية لعمدة فرنسا شيراك، ومعاينته المضايقات الاحتلالية تجاه الفلسطينين في قلب القدس المحتلة.

وبعد سبعة عشر عاما على تشرُف أريحا بلمسات النجم البلاتيني، لم يغير المحتلون سياساتهم، التي تحول الدبابة الى ناطق رسمي باسم وزاراتهم، بما في ذلك ما يتعلق بوزارة الشباب واللجنة الاولمبية للمحتلين.

خلال السنوات السبع عشرة كان بلاتيني يشق طريقه بهدوء نحو قمة الاتحاد الاوروبي، الذي اصبح رئيسا له دون منافس .. ولأن بلاتيني المقرب من جوزيف سيب بلاتر تعود أن تكون له بصماته الخاصة فوق المستطيل الأخضر - عندما لعب لسانتيتيان ولليوفي ولمنتخب الديوك - فرضت معالم شخصية الرجل أجواء جديدة في الاتحاد الاوروبي وفي الفيفيا، بجملة من المقترحات ، التي تحولت الى لوائح تنظيمية قارة، وخاصة ما يتعلق بأجندة بلاتيني لتنظيم المباريات الودية والرسمية لمختلف القارات.

وعلى ايقاع الحراك الرياضي الفلسطيني، الذي يقوده – بكفاءة واقتدار – اللواء جبريل الرجوب أصبحت فلسطين محجا لرموز الرياضة من مختلف المؤسسات الدولية، وكان بلاتيني من الذين زاروا البلاد، شادا عل ايدي القائمين على المشروع الرياضي الفلسطيني، الذي يتسم بالمرونة، والثبات في مقارعة المحبطات الاحتلالية.

ولما اشتدت الممارسات الاحتلالية على رياضتنا، ومست اللاعبين والمدربين والملاعب والفرق والمنتخبات، وطالت بآلتها العدوانية الملعب والكرة وقمص اللعب وصافرة الحكم، أعلن اللواء الرجوب عن انطلاق مرحلة جديدة من النضال الرياضي، لتاكيد الهوية الرياضية الفلسطينية، ولدحر المخططات الاحتلالية بحق رياضتنا ورياضينا.

وحمل الرجوب مشروعه الرياضي المقاوم سلميا الى القارة العجوز، ليجد تفهما كبيرا من كبير العائلة الكروية على هذه المعمورة، السيد جوزيف سيب بلاتر، ومن ربان الاتحاد الاوروبي ميشيل بلاتيني، الذي أعلن انه لن يدخر جهدا في مواجهة الاجراءات الاحتلالية بحق الرياضة الفلسطينية.

ولا يبدو ان كلام ميشيل بلاتيني يندرج ضمن "كلام الليل الذي يمحوه النهار" ففي ثنايا كلام الرجل ما يؤكد أنه مطلع بالتفصيل على كافة الملفات، منذ تحولت كرة القدم الاسرائيلية الى "لاجئة" رياضية في أوروبا، عقب طرد الاتحاد الاسرائيلي من الانحاد الاسيوي، على ايقاع الفعل العربي المقاوم، رغم ان دولة الاحتلال عضو مؤسس للاتحاد الاسيوي.

يستذكر ميشيل بلاتيني العطف الرياضي الاوروبي على كرة القدم الاسرائيلية جيدا، ولذلك لا يقبل قائد رياضي فاهم مثل بلاتيني ان يتحول العطف الاوروبي على الرياضة الاسرائيلية الى صمت عن اجراءات مخلةٍ بأبسط المثل الرياضية، يمارسها حكام اسرائيل بحق الرياضة الفلسطينية، ضربا لكل الاعراف الرياضية في هذا العالم.

ولان بلاتيني هو "جنتلمان الكرة الفرنسية" و"دبلوماسي الاتحاد الاوروبي الأول" فلا يبدو الرجل بوارد اعلان الحرب على رياضيي الاتحاد الاسرائيلي، ولكن كلام الرجل يوحي بانه وضع خطة متدرجة لانصاف الرياضيين الفلسطينين، تبدأ من اتصالات حثيثة مع قادة الرياضة في دولة الاحتلال، تليها ضغوطات قد تغير الامور ... وإلا فان العقوبات قد تكون كيّ آخر العلاج، اذا أصر المحتلون على وضع العصي في دواليب الرياضة الفلسطينية الجريحة ... والامر قد يصل الى طرد دولة الاحتلال من الاتحاد الاوروبي، لان المثل الرياضية لا تسمح لأحد - أيأ كان - بعرقلة المسيرة الرياضية، على اعتبار ان كل الاجراءات الاسرائيلية تندرج ضمن خانة الارهاب الرياضي، ولا يعقل ان يعاقب لاعبٌ حَرم نجما من لعب عدة مبارايات بتدخل خشن ، ولا تعاقب دولةٌ تعاقب شعبا باسره وتحرمه من تنظيم آلاف المباريات، وتحرم آلاف اللاعبين من حرية اللعب.

المختصر المفيد ان باعث رياضتنا اللواء جبريل توجه الى العنوان الصحيح .. وان كلام بلاتيني سيكون علامة فارقة في التضامن الدولي مع الرياضيين الفلسطينيين، واذا لم تنجح المساعي في ثني المحتلين عن سياساتهم بحق الرياضة الفلسطينية، فان دولة الاحتلال قد لا تفلت من العقاب الدولي هذه المرة، لان اللواء الرجوب نجح في تعميم الغضب الفلسطيني ، وايصاله الى العنوان الصحيح.

والحديث ذو شجون
[email protected]