غزة- توصية بتدخل مجتمعي أكثر لتحسين صحة الأطفال النفسية
نشر بتاريخ: 29/09/2010 ( آخر تحديث: 29/09/2010 الساعة: 08:48 )
غزة-معا- أوصى أطباء نفسيون وأخصائيون إجتماعيون بضرورة وجود تدخل مجتمعي أكثر لتحسين صحة الأطفال النفسية في المدارس والمراكز المجتمعية الأخرى من قبل الأخصائيين والأطباء النفسيين المدربين، بالإضافة إلى تدريب الآباء على الاكتشاف المبكر لمشاكل أبنائهم النفسية وكيفية التعامل مع هذه المشاكل من خلال تعديل سلوكهم والإصغاء إليهم.
وشدد الأخصائيون النفسيون والاجتماعيون في المؤتمر العلمي الذي نظمه برنامج غزة للصحة النفسية أمس بالتنسيق مع مؤسسة التعاون في قاعة الاجتماعات في فندق الكومودور بغزة تحت عنوان "أطفال غزة ... 20 شهراً بعد الحرب الاسرائيلية على غزة ... الآثار النفسية والاجتماعية" على ضرورة وجود برامج تزيد من قدرة الأبناء على التكيف مع الصراعات والحصول على وسائل أكثر للتكيف مما يمكن أن يكون مفيداً لهم، موصين الآباء بالعمل قدر الإمكان على زيادة الاهتمام بالترويح عن أبنائهم واصطحابهم إلى المتنزهات أو شاطئ البحر، والتخفيف من مشاهدتهم لنشرات الأخبار والبرامج التي تتحدث عن الحرب والتي قد يضطر الأطفال لمشاهدتها بكثرة تبعاً لرغبة الكبار.
ودعوا إلى توفير أجواء الأمن للأطفال وإعادة ترسيخ الشعور بالأمن والحماية بداخلهم من خلال تأمينهم بمكان بعيد قدر الإمكان عن الخطر وتهدئتهم وطمأنتهم باستمرار، ومساعدة الأطفال على فهم انطباعهم وردود أفعالهم تجاه المواقف والخبرات الصادمة، وإتاحة المجال للأطفال وتفعيلهم في الأنشطة التي توجه طاقاتهم بشكلٍ مستمر كالرياضة والتعلم باللعب.
وكان المؤتمر بدأ بكلمة افتتاحية من مدير عام برنامج غزة للصحة النفسية د. أحمد أبو طواحينة والذي ترأس المؤتمر، استعرض فيها بعض أنشطة البرنامج والدور الكبير الذي يقوم به من خلال أنشطته المختلفة تجاه كافة شرائح المجتمع الفلسطيني سيما الأطفال لما قد يظهر لهم من مشاكل نفسية وسلوكية نتيجة الوضع المعاش داخل الأسرة الفلسطينية.
وقال أبو طواحينة إن الأطفال الفلسطينيون يعانون من الصدمات النفسية التراكمية، كما أنهم في هذا الاتجاه وخاصةً أثناء وبعد الحرب الأخيرة على غزة هم من الذين كانوا يعانوا من صدمات مباشرة كفقدان الأب أو التهجير، كما أنهم من الذين شعروا بفقدان الأمن في حال انعدامه .
وبين أبو طواحينة أن المؤسسات التي تعمل في هذا المجال يجب أن تهتم بشريحة الأطفال إذا كانوا يأملون لهم بمستقبل مشرق، لأنه إذا تم إساءة تربيتهم والتعامل معهم فإنهم سيخرجوا قادة يعانون من التشوشات ولديهم الكثير من المشاكل.
من جهته تحدث فهمي أبو شعبان من مؤسسة التعاون في كلمة مقتضبة عن النشاطات التي قامت وتقوم بها المؤسسة في دعم نشاطات ومشاريع برنامج غزة للصحة النفسية خاصةً ما يتعلق بالطفل الفلسطيني والصدمة النفسية، موضحاً أن مشاريع المؤسسة تستهدف نحو أربعة ملايين فلسطيني في كافة أماكن تواجده، بالإضافة إلى التجمعات الفلسطينية في لبنان، وذلك عبر المؤسسات الأهلية الفلسطينية والمجتمعية والجمعيات الخيرية.
وفي الجلسة الأولى للمؤتمر بعنوان "الواقع النفسي الاجتماعي للطفل والعائلة بعد الحرب الإسرائيلية على غزة" والتي ترأسها الطبيب النفسي ببرنامج غزة د. ياسر أبو جامع، حيث أوصى الطبيب النفسي والباحث الرئيسي ببرنامج غزة للصحة النفسية د. عبد العزيز ثابت في ورقة عمله والتي حملت عنوان "الصدمة والتكيف النفسي للأطفال الفلسطينيين بعد عام من الحرب" بضرورة تسليط الضوء على وجود تدخل مجتمعي لتحسين صحة الأطفال النفسية من خلال تطبيق ذلك في المدارس والمراكز المجتمعية الأخرى من قبل الأخصائيين والأطباء النفسيين المدربين.
ودعا د. ثابت إلى تدريب الآباء على الاكتشاف المبكر لمشاكل أبنائهم النفسية وكيفية التعامل مع هذه المشاكل من خلال تعديل سلوكهم والإصغاء إليهم، مشدداً على أهمية وضع برامج تزيد من قدرة الأبناء على التكيف مع الصراعات والحصول على وسائل أكثر للتكيف مما يمكن أن يكون مفيداً لهم.
وبين أن الدراسة التي أجريت لفحص تأثير الصدمة النفسية على الأطفال بعد مرور عام للحرب على غزة على عينة عشوائية من الأطفال قوامها 449 طفلاً من الذين شهدوا الحرب الإسرائيلية أظهرت أن ما نسبته 90.4% تحدثوا عن مشاهدة أشلاء في التلفاز وما نسبته 44.6% تعرضوا إلى الحرمان من الماء والطعام والكهرباء خلال الحرب وأن 33.5% تركوا منازلهم مع عائلاتهم وأقاربهم، وأن 29.8% شهدوا إطلاق النار من قبل الدبابات والمدفعية الثقيلة على منازل جيرانهم وأن 4.1% تم تهديدهم بالقتل وأن 4.1% تهددوا بالقتل باستخدامهم كدروع بشرية من قبل جيش الاحتلال لاعتقال جيرانهم.
وبدوره دعا د. سهيل دياب المحاضر في جامعة القدس المفتوحة في ورقة عمله والتي حملت عنوان "الآثار النفسية بعيدة المدى على الجانب التعليمي للأطفال ودور المدارس والمؤسسات التربوية في تعزيز التكيف النفسي" إلى توفير أجواء الأمن للأطفال وإعادة ترسيخ الشعور بالأمن والحماية بداخلهم من خلال تأمينهم بمكان بعيد قدر الإمكان عن الخطر وتهدئتهم وطمأنتهم باستمرار، والتحدث مع الأطفال عن الأوضاع التي تخيفهم، وتشجيع الأطفال على مواصلة أنشطتهم الاعتيادية اليومية وخلق بدائل لها وإن لم يتمكنوا من ممارستها.
وشدد د. دياب على أهمية مساعدة الأطفال على فهم إنطباعهم وردود أفعالهم تجاه المواقف والخبرات الصادمة وإتاحة المجال للأطفال وتفعيلهم في الأنشطة التي توجه طاقاتهم بشكلٍ مستمر كالرياضة والتعلم وإشراك الأطفال في أنشطة يومية وألعاب وأغاني وتأليف قصص وتقديم الإرشاد النفسي للأطفال والمدرسة والأهالي حول مفهوم الصدمات وأعراضها ومساعدة الأطفال على تجاوزها.
وأوصى بضرورة إعداد برامج تدريبية وتعليمية للمعلمين والعاملين في المؤسسات التعليمية للتعامل ومواجهة الظروف الطارئة، ووضع خطط وبرامج للتعليم وقت الأزمات والطوارئ وتوفير ما يلزم لهذه البرامج والخطط من مواد تعلم ذاتي ووسائل تعليمية لهذا الغرض.
من جهتها أوضحت الأخصائية النفسية ببرنامج غزة للصحة النفسية زهية القرا في ورقة عملها والتي حملت عنوان "متابعة لحالات تم التعامل معها بعد الحرب ... ملاحظات إكلينيكية" أنه في العديد من النشاطات الإرشادية للمعالجين بينت أن الأطفال لايتحدثون عن الحرب ومصائبها وكأنها لم تكن موجودة، وهذا عرض تجنبي وقد يكون تكيف مع الشدائد والصدمات، كما بينت أن المتضررين المباشرين ما زالت نفس الذكريات والمشاكل موجودة لديهم، لأن هناك مسائل مهمة لم تحل مثل المأوى والمأكل والتهجير لمكانٍ آخر يحتاج لآليات تكيف أخرى.
وذكرت القرا أن الكثير من الآباء مشوشون نتيجة إحساسهم بالعجز عن القيام بإدارة عائلة لتغيرات في طبيعة الأدوار، وعدم مقدرتهم على تلبية الحاجات المهمة للأطفال، ولشعورهم بالذنب لعدم استطاعتهم توفير حياة آمنة للطفل، ولوجود أطفال غير عاديين ومن الصعب التعامل معهم وتربيتهم.
وفي دراسة بعنوان "رسومات الأطفال الفلسطينيين بعد الحرب ... نظرة سيكولوجية" قال د. جميل الطهراوي المحاضر في الجامعة الإسلامية أن هذه الدراسة هدفت إلى معرفة حجم تأثر أطفال غزة بما عايشوه من أحداث مؤلمة أثناء الحرب، من خلال تحليل رسوماتهم مع استجلاء الفروف في الرسومات في ضوء متغيرات الدراسة، موضحاً أن عينة الدراسة تكونت من رسومات لـ 445 طفلاً من أطفال المناطق الشمالية في غزة التي عاشت أسوأ الظروف وقت الحرب، حيث أظهرت أن ما نسبته 82.3% من الأطفال قاموا برسم الحرب ومتعلقاتها، وأن 56.2% منهم استخدموا الكتابة لشرح بعض الرسومات والتي كانت في أغلبها تحمل رسالة مهمة وذكية، لإحساسهم أن ما رسموه لا يكفي لايصال ما يريدوا إيصاله للمشاهد.
وبين الطهراوي أن الدراسة هدفت إلى معرفة حجم تأثر الأطفال بما عايشوه من أحداث مؤلمة أثناء حرب غزة من خلال تعبيرهم بالرسم الحر، وتحليل كيفية تعبير أطفال غزة عن الحرب التي عايشوها في رسوماتهم، واستجلاء الفروق في رسومات الأطفال في ضوء متغيرات الدراسة، موضحاً أن أهمية الدراسة تنبثق من كونها تمثل نوعاً من التوثيق لما تعرضت له مدينة غزة من أحداث خلال الحرب عليها، كما أنها تشكل إضافة إلى الدراسات العربية القليلة التي تناولت رسومات الأطفال، خاصةً في المجتمع الفلسطيني الذي عانى أطفاله من الحرب ومن الحصار الذي كان قبل الحرب وامتد بعدها.
وأوصى بزيادة الأنشطة الخاصة بأهمية استخدام الفن واللعب للتخفيف عن أطفال غزة، وبزيادة الحصص الدراسية التي تهتم بالتربية الفنية والرياضية، وتزويد المدارس بالإمكانيات والأدوات اللازمة لممارسة مثل هذه الأنشطة، مشدداً على ضرورة توصية الآباء بالعمل قدر الإمكان على زيادة الاهتمام بالترويح عن أبنائهم واصطحابهم إلى المتنزهات أو شاطئ البحر والتخفيف من مشاهدتهم لنشرات الأخبار والبرامج التي تتحدث عن الحرب.
وفي الجلسة الثانية التي كانت بعنوان "برامج التدخل لمساندة الأطفال الفلسطينيين بعد الحرب" التي ترأسها د. تيسير دياب من برنامج غزة للصحة النفسية، أكد د. فضل أبو هين مدير مركز التدريب وإدارة الأزمات في ورقته والتي حملت عنوان "أنشطة التدخل النفسي لمؤسسات المجتمع المدني بعد الحرب على غزة" على ضرورة الاهتمام بمزيد من التوثيق العلمي للآثار غير المرئية للحرب على غزة والانفتاح على العالم الخارجي وذلك برفد غزة بالخبرات والإمكانات العلاجية وتقوية التنسيق بين المؤسسات العاملة في تقديم خدمات نفسية واجتماعية لتفادي الازدواجية في تقديم الخدمات.
وقال أبو هين أن المؤسسات العاملة في مجال التدخل النفسي هي بحاجة لتضافر الجهود لتدريب طاقم مهني وفني وتطوير الإشراف على المؤسسات والعاملين في حقل الخدمات النفسية للارتقاء بالخدمة لمستوى عالي، مشدداً على أن هذه المؤسسات بحاجة لمشاريع طويلة الأمد لمد قدرتها على تقديم الخدمة المجدية والفاعلة، كما أنها بحاجة لتفعيل نظام الوقاية والتوعية المجتمعية للسكان في ظل ظروف الخطر والمحنة.
وفيما يتعلق بدور الأونروا في تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة قال منسق التدريب ببرنامج الصحة النفسية المجتمعية بالأونروا أحمد ثابت أن معاناة الشعب الفلسطيني تزداد يوماً بعد يوم في كافة مناحي الحياة بسبب الاحتلال والحصار المفروض على غزة، وقد نتج عنه تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية مما يزيد من صعوبة الوضع النفسي للأسر الفلسطينية والذي ينعكس سلباً على الأطفال ويعرضهم لمشكلات نفسية.
وأوضح ثابت أن الأونروا بصفتها من أكبر المؤسسات التي تقدم خدمات للاجئين الفلسطينيين فإنها قامت بجهود كبيرة لتخفيف المعاناة عن الأطفال، مشيراً إلى أنه ولوقايتهم من أية آثار سلبية قد تهدد سلامتهم النفسية، قامت بتزويد برنامج الصحة النفسية المجتمعية بما يزيد عن 120 مرشداً للصحة النفسية.
من جهته قدم جاسم حميد من مؤسسة ميرسي كور ورقة عمل بعنوان "أدوات تقييم مبنية على المشاركة لبرامج الدعم النفسي الاجتماعي في قطاع غزة" استعراض خلالها استبيان قام بإنجازه والباحثة نهى بشير من برنامج غزة للصحة النفسية أوضح فيه أن النتائج الرئيسية للاستبيان الخاص بالأطفال أظهرت أن أكثر من 50% من الأطفال شهدوا الحدث العنيف وأن 25% منهم فقدوا أحد أفراد أسرهم، وأن حوالي 30% انتقلوا من مكان سكنهم إلى مكانٍ آخر وأن 90% من الأطفال ذكروا أن الأصدقاء الحقيقيون هم عامل وقائي وأن حوالي 60% من الأطفال ذكروا أن حضورهم للمناسبات الدينية جنباً إلى جنب مع أسرهم قد تساعدهم على التكيف.