الأحد: 17/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

لنبدأ وحدتنا في ملاعب الرياضة * بقلم : خضر ابو عبارة

نشر بتاريخ: 03/10/2010 ( آخر تحديث: 03/10/2010 الساعة: 17:53 )
لا نأتي بجديد حين نقول ان الساحة الفلسطينية بمختلف تفاعلاتها وهياكلها الاجتماعية والاقتصادية وبنيانها السياسي والايديولوجي تعيش اسوأ ازماتها منذ ولادة القضية الفسطينية كقضية شعب يعيش مرحلة تحرر وطني وما زال يرزح تحت احتلال مباشر وعجز حتى الان عن تحقيق اهدافه الوطنية الاستراتيجية في الحرية والاستقلال وبناء الدولة.

فالازمات جزء بنيوي وطبيعي من المشهد السياسي والنضالي الفلسطيني على امتداد التاريخ الطويل لقضيتنا الوطنية وهي ليست بظاهرة جديدة او غريبة في ساحة سياسية شديد التعقيد وكثيرة الملابسات، ساحة تزخر بالعديد من المعادلات والاجندات والتفاعلات المحلية والمنطقية والدولية غير ان ما يجعلها الاسوأ في هذه المرحلة هو ازمة العلاقات الداخلية المستحكمة التي بدات بوادرها وارهاصاتها منذ عام 2007 اثر الانقسام السياسي والميداني الحاد الذي انتهى الى قيام سلطتين ( نظامين) احداها في الضفة الغربية والاخرى في القطاع.

غير ان قيام سلطتين منفصلتين ومتقابلتين جغرافيا وسياسيا وفكريا لم يشكل نهاية "الازمة" بل نقلها الى مستوى جديد اكثر حدة وادخلها في دهاليز وانفاق جديدة غير مالوفة وغير مسبوقة في الفعل الوطني الفلسطيني لها امتداداتها ومفاعيلها وانعكاساتها ليس على المساحات الزمانية والمكانية للمرحلة الراهنة او في ميادين العمل السياسي وحسب بل وتمتد لتطال مساحات استراتيجية اكثر عمقا في البنية الاجتماعية والاقتصادية والنفسية او المعنوية للمجتمع الفلسطيني. وليس حالة الاحباط واليأس والسخط والغضب فضلا عن تردي الاداء السياسي والاجتماعي والمؤسساتي وانعدام الثقة السائدة في اوساط العديدين من ابناء الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج لا سيما قطاع الشباب الا مظهرا من مظاهر ونتائج تلك الازمة.

ولا تهدف هذه المقالة الى القاء اللوم او تحميل المسؤوليات لهذا الطرف او ذاك، فهذا شان آخر، بقدر ما تهدف الى القاء الضوء على مفاعيل وامتدادات هذه الازمة وانعكاساتها على ظاهرة واعدة وفريدة ما زالت تشق طريقها وسط ظلام الازمة ووسط محاولات محمومة داخلية وخارجية للنيل منها. فرغم التعقديات التي تعيشها الساحة الفلسطينية والتحديات المتعاظمة الموضوعية والذاتية التي تحاصر وتحتجز طاقاتنا وامكانياتنا وملاكنا البشري فلا احد، يمنة او يسرة، يمكنه ان ينكر ان رياضتنا الفسطينية لا سيما كرة القدم تشهد حالة من النهوض والتطور النوعي اقتحمت من خلالها المحافل الرياضية العربية والدولية بنجاح ان لم نقل بامتياز حتى باتت جزءا لا يتجزأ من المنظومة الرياضية العالمية.

اننا نقف امام مرحلة جديدة من النشاط الكروي والرياضي الفلسطيني وهي مرحلة بدأت بانتخابات الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم واللجنة الاولمبية الفلسطينية ورصفت العديد من الانجازات كما حققت الكثير من النجاحات في ميدان الماسسة والبناء الاداري واعادة هيكلة هرم الفرق الرياضية وتوزيعاتها واقتحام قلعة الاحتراف وانتظام البطولات من دوري الكاس والدوري التصنيفي الشبابي والنسوي ودوري المحترفين فضلا عن تطوير البنية التحتية الكروية وتعزيز علاقات الاتحاد العربية والاقليمية والدولية حتى باتت الكرة الفلسطينية تحظى باهتمام خاص في المحافل الرياضية العربية والدولية (الفيفا) وهو ما تبدى في الزيارات التي حظيت بها فلسطين من قبل العديد من المسؤولين الدوليين والعرب واخص بالذكر السيد جوزيف بلاتر وبلاتيني والهمام بانتظار الزيارة التاريخية للسيد جاك روغ رئيس الاولمبية الدولية والتي ستستضيفه فلسطين لاول مرة خلال الشهر الجاري.

وحتى لا يوزن تقييمنا في اطار المبالغة او المجاملة او الاطراء وتجنبا لتحميل كلماتنا ما لا تحمله من تاويلات ومعان غير معانيها الحقيقية فاننا نسعى الى توخي الموضوعية والدقة في الاحاطة باسباب نجاح هذه الظاهرة او من يقف وراءها. اذ لم يكن لهذه الظاهرة ان تنجز ما انجزته حتى الان وان تخترق جدار التعقيدات والتحديات والحصار المفروض على حركة شعب برمته لولا اجتماع وتزاوج عوامل ثلاث مترابطة ومتداخلة انطوت على قوى مؤثرة وفاعلة تتمثل في قوة النفوذ الوطني والاجتماعي وقوة المال وكريزما قيادية وهي عوامل التامت معا والتقت في شخصية رئيس الاتحاد الذي التقط حلقة هامة من حلقات العمل المجتمعي التي تحظى باهتمام قطاع واسع من جماهيرنا وانتقل بها من حدودها الضيقة الى فضاءات العالم الواسع.

ولعلني اضيف بعدا آخر وعاملا هاما من عوامل النجاح تمثل في اخراج الرياضة من معادلات السياسة والحزبية والفئوية الضيقة ما اضفى بعدا وطنيا ساهم في استقطاب الوان الطيف الفلسطيني السياسية والاجتماعية والفكرية وجعل منها مصدر قوة بدل ان تكون مصدر ضعف وانقسام.

لقد ساهمت الرياضة حتى الان في تجاوز العديد من العقبات وتخطت العديد من العراقيل التي كان من المستحيل تجاوزها في ظل الوضع الراهن حين استندت الى افق وطني واسع في نسج علاقاتها المحلية والخارجية وحين نأت بنفسها عن خطايا السياسة ومفاعيلها وحين بدت بوتقة مفتوحة تنصهر فيها كل الطاقات والخبرات والامكانات بعيدا عن نظام المحاصصة فبدل ان تخضع لاملاءات السياسة وتشظياتها باتت معولا من معاول الوحدة والانسجام والتنسيق حتى يمكننا القول ان ما فرقته السياسة محليا جمعته الرياضة، وان على مستوى ضيق حتى الان، وما لم تحققه السياسة في ميدان العلاقات الدولية انجزته الرياضة كما سبق واسلفنا.

غير ان تقييمنا هذا يبقى عاجزا مقطوع السياق وغير قادر على الاحاطة بكل الظاهرة ما لم نرى النصف الاخر من الكاس، اذ يبقى هذا النهوض ناقصا، احادي الجانب ويقف على رجل واحدة ما لم تكتمل الحلقة الاخرى من العمل وما لم ينتقل مفاعيل هذا النهوض الى الركن الاخر من الوطن. صحيح ان غزة الوطن الواحد ما زالت محاصرة سياسيا واقتصاديا وعسكريا غير انها بالمقابل ما زالت معزولة عن تفاعلات وانعكاسات هذا النهوض الرياضي ليس بحواجز جغرافية او احتلالية بل بحواجز سياسية داخلية تثير الحزن والالم وهو ما يستوقفنا ويستوقف الالاف من الرياضيين بل والملايين من ابناء شعبنا الذين ينظرون بعين الامل والرجاء بعودة الامور الى نصابها الطبيعي والتحام شطري الوطن.

واذا كانت قنوات السياسة قد اغلقت او تحطمت تحت وابل القصف الفئوي والتشرذم السياسي المتبادل فان بوابات كثيرة وكبيرة ما زالت مشرعة على مصراعيها لاحتضان ابناء الوطن بشطريه، واوسعها واكبرها في المرحلة الراهنة هي بوابة الرياضة وهي دعوة مفتوحة الى كل المخلصين والحريصين والرياضيين في الوطن الواحد في الشطرين الشرقي والغربي من الوطن ان يعملوا من اجل انجاز هذه المهمة التي يمكن ان تكون مدخلا حقيقيا لاعادة البناء من جديد وعلى اسس جديدة غير تلك التي اودت بعلاقاتنا السياسية الى الهاوية.

ان اندية غزة ومؤسساتها الرياضية مدعوة للعمل من اجل استعادة وحدة الوطن رياضيا والمشاركة في عملية البناء والانضمام الى المؤسسة الرياضية الواحدة التي باتت صرحا تشهد له كافة الاوساط. كما ان المستويات السياسية في كلا الشطرين مطالبون بتوفير كل الظروف والتسهيلات من اجل التئام الشمل الرياضي خطوة على طريق التئام الشمل السياسي. فرغم الانجازات التي تحققت رياضيا ما زال امامنا مشوار طويل من العمل الجاد والمسؤول لتكريس مؤسسة رياضية تحتكم الى النظام والقانون وترتهن في بنائها الى افق وطني واسع يمهد الطريق امام انجازات كبيرة يمكن ان يضع فلسطين على خارطة الانجازات الرياضة العالمية.