الجيش الاسرائيلي يتفاخر بعدد القتلى اليومي الذي يوقعه بين الفلسطينيين / بقلم : ب. ميخائيل / يديعوت احرونوت
نشر بتاريخ: 16/07/2006 ( آخر تحديث: 16/07/2006 الساعة: 19:09 )
- (المضمون: لأول مرة يتفاخر الجيش الاسرائيلي بعدد القتلى اليومي الذي يوقعه بين الفلسطينيين، وهنا لا بد من ربط ذلك بسياسة التصفيات لأنه في الحالتين يعني القتل دون حكم ولا حاكم - المصدر).
مثل هذا لم يكن عندنا أبدا. فقد كنت شابا، ثم أصبحت كهلا، ولم أر "عملية" فارغة تماما من محتواها، وبعيدة عن الخجل، وطائشة في اعمالها وشفافة تماما في دوافعها المخفية والتي قيل عنها "اشجار السنديان" (بالرغم من ان الاسم "ابقار السنديان" ستكون أنسب لها".
فقد سمعت رئيس الاركان يهلل ويمدح الاعمال العظيمة التي يمدحها ويشد على ايديهم. ولكني ابدا، وطوال حياتي لم اسمع ولم أر رئيس اركان يقف قبالة عدسات التصوير ويعد ويذكر ارقام الجثث والقتلى الذين حصدتهم قواته وآلته الحربية بمثل هذا الفخر والاعتزاز.
فهو يقول "حتى الان - 50 - العدد". يقول بأعين لامعة ومبهرة، وكأنه يفتخر بعدد النقاط التي سجلها فريق رياضي يدربه في احدى مباريات كرة السلة. ولاضافة شيء صغير لهذه الطريقة الممجوجة، فقد اتضح ايضا، وحمدا لله - بانه كان يضخم هذا الرقم. وكأنه يريد مباركة من اليد التي تظلل هذه الاعمال. فالارقام الحقيقية كانت (37 قتيلا حتى ساعة ذلك اللقاء الصحفي الذي تفاخر به)، فقد كان الاجدر به أن يسمع ذلك من فم الفلسطينيين، اصحاب الشأن.
وقد سمعت كثيرا من الجنرالات الاسرائيليين - ايضا - مزيدا من هذا المديح. ولم اسمع في حياتي جنرال (يوآف جلانت) يتعهد وهو يستعرض قواه بالقول "بعد شهر أو شهرين سوف يمنى الفلسطينيون بمئات من القتلى الاضافيين".
وفجأة يتضح بان هذا، هو الانجاز الواحد والوحيد لهذه "العملية" وهو أن "تقتل". وتكثيف عدد النقالات التي تحمل الجثث. ولكي يحرق المزيد والمزيد من الحقول كما تفعل طائرة تقوم برش المبيدات فوق الحقول، ومزيدا من تسديد فوهات البنادق، المدافع والقناصة.
وهذا لم يكن جزءا من برنامج او خطة كانت قد اعدت سلفا لمثل هذه الاعمال التي انجروا اليها الان. ولكن ليس الا اعمالا كانت وتطورت لارضاء حالة من الغضب لدى الجمهور ويريدون بهذه الطريقة ان يلبوا هذا المطلب للناس الذين لم يطلبوه منه.
وكلما قام الجيش بقتل المزيد، فهم (الفلسطينيون) سيطلقون المزيد من صواريخ القسام، "وكلما ارتفعت اكوام الجثث لديهم، فان اليوم الذي سيطلق فيه سراح الجندي شليت سيبتعد اكثر فأكثر.. وكلما تفاخر جنرالات الجيش اكثر بعدد القتلى الذين تقتلهم المدافع، فان عدد الذين سيكونون مستعدين لتفجير أنفسهم ليعودوا الى ميادين وساحات المدن الاسرائيلية (وكل انتحاري من هذا النوع - والويل لمن نسي ذلك فانه سيحصد عشرة اضعاف من القتلى والاصابات من تلك التي يحدثها سقوط عشرات والاف صواريخ القسام التي سبق وان اطلقت خلال السنوات الماضية وحتى الان). ولكن الجيش يعيش في ذاته فقط. ويتعامل جديا مع بلورة كذبة عدد القتلى التي يصنعها بيديه، وهو وحده يرفع ويرقي كل القتلى الى درجة "مسلح" او في بعض الاحيان الى رتبة "مطلوب" بعد مقتلهم وبذلك يريد اقناعنا بهذه الارقام والاعداد التي يطلقها.
ولاعتزازنا ارادت مجموعة من صغار الضباط بين حين وآخر ان تفسر وتشرح للناس بان عملية القتل هذه ليست الا مبررا وطريقة لـ "جباية الثمن" وان هذا يمكن توجيهه "لالف زاوية" وانه يمكن ان "يعلمهم درسا" وذلك لكي "يتعلموا" درسا جديدا وعبرة لا تنسى ولكي يفهموا أخيرا معنى ان يحاولوا العبث مع الجيش. وكأنه لم يقتل حتى الان الالاف من الفلسطينيين، وأنهم لم يتعلموا أي درس او عبرة طوال هذه السنوات التي مرت على الصراع مع اسرائيل. وكأنه يوجد "ثمن" من أي نوع ومستوى كان لم يكونوا قد تعلموه - حتى الان - مع هذا الاحتلال طوال عشرات السنين، ولانهم اهملوا هذا الدرس او نسوه اراد الجيش ان يذكرهم به من جديد حتى لا تزول من مخيلتهم معاني قدرة هذا الجيش، وان لا يفكروا "ابدا" باهمال هذه الحقائق ومحاولة الخروج عليها.
وكان يوجد أصلا أي شيء من نوع "هم" الخارجين او المارقين على القوة السيطرة عليهم بهذا النحو او ذاك، وكأنه لا زال هناك ما يمكن تعلمه او نسيانه ومعرفة ما يمكن عمله وفعله من جديد... او كان هؤلاء لا زال أمامهم من الوقت ما يكفي ليتعلموا "ماذا يحق وماذا لا يحق، وما المناسب وما غير المناسب ليفعله الفلسطينيون"، وبذلك فانهم (جنرالات الجيش) الوحيدون الذين سيعلمون هذا الشعب ما الذي يجب عليه أن يفعله، وما الذي يجب أن لا يقترب منه، ويبلورون كل ذلك للشعب الذي يضربوه!.
هذه ليست المرة الاولى التي يقوم بها الجيش الاسرائيلي بتفريغ غضبه وحالة الفشل وعدم القدرة على وضع الحلول على غيره. وهذه ايضا ليست المرة الاولى التي ينجح فيها هذا الجيش بجر هذا النظام المتعب الذي يكون قد فشل في اتخاذ القرار السياسي الجريء الذي لا بد له أن يواجهه ويتخذه. ولكن، كما هو معروف، فان هذه هي المرة الاولى التي يُكيل فيها هذا الجيش المدح لنفسه علانية وبجرأة عن عدد القتلى الذين يقتلهم كل يوم، هذا ما لم يكن يفعله من قبل، وهذه هي المرة الاولى التي يفعلها دون أي خجل أو تردد، بل يتحدث صراحة وبفخر عن عدد الجثث التي يكوّمها يوميا بعد عمليات القصف. هذه القسوة وفظاعة التصرف والاسلوب غير الانساني في طريقته، هي في الحقيقة شيء جديد بدأ يتميز به هذا الجيش، ولم تكن من صفاته.
إن الذين لا يجدون تفسيرا ووضوحا لهذا التطور الذي طرأ على سياسة وتصرفات الجيش، ويُبدون الاستغراب من هذا التجديد في سلوك وفهم الجيش، لا بد لهم من أن يعودوا الى الوراء قليلا ويفهموا الرابط والعلاقة بين هذه التصرفات (التفاخر بعدد القتلى اليومي) وبين القبول والتشجيع لسياسة "التصفيات" التي انتهجتها المؤسسة العسكرية الاسرائيلية منذ سنوات ايضا، وهذه عملية محاكاة وتشبيه لأمرين كان لا بد من الوقوف عندهما، لأن تطورهما هو ما نراه في هذه الايام، فعندما يحصل على "ترخيص بالقتل" دون تردد ولا تعويق في تلك العمليات، فان النتيجة ستكون المزيد من القتل، بهذه الطريقة أو تلك، وبذلك أخذوا يتصرفون وكأنهم "الإله" الذي يصدر الأحكام على العباد ويُنهي حياتهم، ولا أحد يستطيع منع تنفيذ الأمر الذي يصدر عن الرب الذي يكتب الحياة والموت والنهاية. هذا ما ذهب اليه الجيش الاسرائيلي في أحكامه وتفاخره بما يفعل، دون حُكم ولا حاكم، دون محاكمة ولا قضاة، هذا هو القتل بـ "دم بارد"، وهذا ما يجب التفكير به والتوقف عنده.