الإثنين: 30/09/2024 بتوقيت القدس الشريف

لقاء حواري في غزة حول الحرية والإبداع .. شرط أم ضرورة

نشر بتاريخ: 15/10/2010 ( آخر تحديث: 15/10/2010 الساعة: 16:31 )
غزة -معا- نظم المركز القومي للدراسات والتوثيق بالتعاون مع شبكة شباب فلسطين الثقافية لقاء حواري حول " الحرية والإبداع شرط أم ضرورة " وذلك في مقر المركز بغزة .

وحضر اللقاء شرائح متنوعة من المجتمع الفلسطيني من شعراء ، ومثقفين ، وصحفيين وأدباء ولفيف من المهتمين بالحياة الثقافية والأدبية والفكرية .

وافتتح اللقاء الشاعر الشاب عمر فارس أبو شاويش ، مؤكدا في افتتاحيته على ضرورة منح الإنسان المثقف المساحات الواسعة من الحرية للتعبير عن ذاته لكي يستطيع أن ينتج أفكاراً بحجم منا مُنح من مساحات وتسخير قضايا مجتمعة ووطنه في كتاباته وأعماله .

وقدّم الشاعر أبو شاويش خلال حديثه، ضيف اللقاء الكاتب والباحث ناهض زقوت ، المدير العام للمركز القومي للدراسات والتوثيق ، كما رحب بالحضور وكل من شارك في اللقاء .

وقدم الكاتب والباحث خلال اللقاء دراسة بعنوان " الحرية والإبداع .. شرط أم ضرورة " ، وقال " لكي يحقق الإنسان توازنه في المجتمع، يجب بالضرورة أن تتوفر له ثلاثة أبعاد، هي: الحرية، والكرامة الشخصية، وتأكيد الأمل. وأشار إلى أن الحرية بالمفهوم المطلق لا وجود لها إلا في الذهن، أما في الواقع فلا توجد إلا حريات نسبية. إذ للحرية حدود تقف عند حرية الآخرين، فكما أنت تعتبر نفسك حرا، دع للآخرين حريتهم ولا تعتدي عليها تحت مسمى أنت حر. مثلا هل يحق لك التصنت على مكالمات الآخرين لأنك تملك الحرية في استخدام التقنيات الحديثة؟، هل يحق لك بيع أسرار بلدك للعدو، لأنك فرد حر؟. إن حرية هنا تحكمها قوانين الدولة التي تنظم العلاقة بين الفرد والمجتمع أو بين الفرد والدولة ".

وأضاف الكاتب والباحث زقوت " بأن مشكلة الحرية تتمثل لنا في أشد صورها مأساوية حين تشير إلى العلاقة السلبية بين الكاتب والسلطة الحاكمة. ويعد كتاب "كليلة ودمنة" أول كتاب يمثل علاقة الصراع بين الكاتب والحاكم. منذ القدم تعددت الأنظمة الشمولية التي عرفتها البشرية وتنوعت عبر الزمان والمكان، لكن تظل هناك عناصر ثابتة تتكرر في كل تجربة استبدادية، وتكون الثقافة والإبداع أولى ضحاياها. أهم هذه العناصر تأليه الحاكم ليصبح من حقه وحده اتخاذ كافة القرارات، مستند في حكمه على أعمدة راسخة من مؤسسات عسكرية واقتصادية ودينية وإعلامية، وأن الحاكم يعرف مصلحة شعبه أفضل من الشعب نفسه، وهنا لابد من إسكات الأصوات المثيرة للفوضى التي تخرج عن الخط الرسمي بفرض مجموعة من القوانين المقيدة للحريات، وخاصة حرية الرأي والتعبير " .

وأكد الكاتب زقوت بان السلطة، أية سلطة، تسعى لفرض أيديولوجيتها على أفراد المجتمع، أي تعمل على ثبات النظم الاجتماعية، لذلك ترفض كل رأي يخالف أيديولوجيتها وفكرها السائد، وبما أن الكتاب والمفكرين يسعون إلى تغيير النظم الاجتماعية الراسخة، يأتي خوفها منهم فتقمع حريتهم خوفا من أن تغري كتاباتهم الناس بالتمرد على ما تلزمهم إياه من قيود بالضرورة، لهذا تنظر إلى الكاتب/ المبدع دائما بعين الريبة والخشية. وقد تعرض العديد من الكتاب والمفكرين للاعتقال والتعذيب بسبب أفكارهم وآرائهم المخالفة للنظام الحاكم.

وأشار إلى انه ليس دائما السلطة الرسمية هي القامعة للكتاب والمفكرين، والإبداع بوجه عام، بل ثمة مراكز عديدة في المجتمع سواء أكانت تابعة للسلطة أو تمثل مركز قوة في المجتمع تبدي دورها أيضا في قمع حرية الكاتب. مثلما حدث في محاكمة د. طه حسين، واغتيال المفكر فرج فودة، ومحاولة اغتيال الروائي نجيب محفوظ، واضطهاد المفكر د. نصر حامد أبو زيد، ومحاكمة كتاب ألف ليلة وليلة، كلها جاءت، كما قال، من أفراد أو هيئات دينية.

أما عن الإبداع وعلاقته بالحرية فقال "حينما نتحدث عن الإبداع، نتحدث عن الحرية، فالحرية شرط للإبداع، كما أن الإبداع شرط لكي تصبح أفعالنا ذات طابع حر. هل يستطيع المبدع أن يبدع أو يخترع العالم في أجواء قمعية؟. إن العلاقة بين الإبداع والحرية تعبر عن نفسها في تجاوز صورة الحياة السائدة التي تكرسها أدوات الاتصال في المجتمع. ورغم تلك العلاقة الشرطية، فالإبداع من أجل الحرية ليس هو التلقائية والعفوية، وإنما يقوم الوعي والثقافة بدور خلاق في تقديم مقاصد المبدع، ورؤيته تجاه قضايا المجتمع وتحديد فكرة المصير لهذا المجتمع، مما تجعلان المبدع يتجاوز ذاته الضيقة ليعبر عن مجتمعه، ويستشرف صورا جديدة في التفكير والسلوك والحياة، أي يصبح لديه القدرة على التغيير "

وأشار الكاتب والباحث إلى أن أساسيات الحرية الإبداعية تتمثل في المخالفة لما هو سائد، ونقد المجتمع بما يحتويه من عادات وتقاليد بالية. وقد أعطي أمثلة لسيطرة الكنيسة في العصور الوسطى ودرها في قمع الإبداع والعلم، وقتل المخالفين لسلطتها أو محاكمتهم بتهمة الزندقة والكفر، كما حدث مع كوبرنيكس، وجاليليو، وغيرهم. وأشار إلى أن كتاب أوربا عاشوا فترات طويلة من الاستبداد والقهر، وناضلوا طويلا حتى حصلوا على حريتهم الإبداعية التي أدهشت العالم.

وختم الباحث حديثة بان الحرية ليست ظاهرة، أو واقعة، أو حالة، بل هي فعل مكتسب يعبر عن نفسه من خلال الصراع التركيبي بين المبدع وأدواته الإبداعية من ناحية، ومجتمعه من ناحية أخرى. فالحرية الإنسانية رغم شرطها للإبداع، تقوم على المعرفة والثقافة، لان الجهل لا ينتج حرية، فالمبدع الذي يجهل تاريخ أمته ليس حرا بل عبدا لمن يزرع في ذهنه تاريخ أمته. والحرية الإبداعية لكي تتحقق تمر بمرحلة من الصراع والتناقض حتى تصل إلى مرحلة الوجود الضروري التي فيها يصبح اختيارها لذاتها مجرد تعبير زمني عن حقيقتها الأزلية، فكرة الوعي بالمصير.

وجرى في الجولة الأخيرة من الجلسة نقاشاً واسعاً وقوياً حيث أثارت مداخلة الباحث جدلاً كبيراً بين الحضور ما بين معارض ومؤيد لشرط الحرية في الإبداع .