اسير من بيت لحم يدخل عامه السابع والعشرين في سجون الاحتلال
نشر بتاريخ: 20/10/2010 ( آخر تحديث: 20/10/2010 الساعة: 18:57 )
بيت لحم -معا- سلطت وزارة الأسرى الضوء على عميد الأسرى في بيت لحم عيسى نمر جبريل عبد ربه "47 عاما" الذي دخل عامه الـ 27 في الاعتقال لينضم الى قافلة الأسرى الذين يقضون أكثر من ربع قرن خلف قضبان سجون الاحتلال والبالغ عددهم 126 أسيرا.
اعتقل عيسى عبد ربه سكان مخيم الدهيشة للاجئين يوم 20/10/1984 بتهمة الانتماء الى حركة فتح ومقاومة الاحتلال، وحكم عليه بالسجن المؤبد، وهو أقدم أسير فلسطيني في محافظة بيت لحم.
وقصة عيسى عبد ربه هي قصة مخيم الدهيشة الذي ولد وكبر فيه وكلاجئ طرد من قريته الولجة عام النكبة 1948، فنشأ في مكان يفتقد الى الملامح والهوية، الفقر والجوع وغضب اللاجئين وبؤسهم وهم يرسمون يوما بعد يوم وسنة بعد سنة طريق العودة والحرية، يحتفظون بأوجاعهم ومفاتيح بيوتهم، ويتوارثون الحكاية جيلا بعد جيل.
وكغيره من شبان المخيم الواقع على الشارع الرئيسي بين القدس والخليل، تصدى عيسى للجنود والمستوطنين وشارك في انتفاضة المخيم الذي سجل بطولات ومآثر لا حصر لها في مقامة الاحتلال، ولا أحد ينسى تمرد أهالي المخيم على حظر التجول وقيامهم بخلع الشيك الذي أحاط المخيم وحوله الى سجن.
وقال تقرير وزارة الأسرى أن عشرات الشهداء والمعتقلين والجرحى سقطوا على أرض مخيم الدهيشة، ولا يكاد يخلو بيت من معتقل، فقد سقطت توقعات قادة اسرائيل أن الكبار يموتون والصغار ينسون، فقد تحول مخيم الدهيشة الى قلعة صلبة ومدرسة لأجيال من اللاجئين والمعذبين الذين تحولوا الى فدائيين وقادة وأرقاما صعبة في مواجهة المحتلين.
الأسير عيسى عبد ربه وهو يرى كيف طرد أهالي المخيم بحجارتهم وإرادتهم الحاخام العنصري " موشيه ليفنغر" الذي نصب معسكرا أمام المخيم متحديا أكثر من 15 ألف مواطن يسكنون فيه، ليرحل هذا الحاخام أمام صمود وجبروت شبان المخيم وإصرارهم على التمسّك بحقوق الشعب الفلسطيني العادلة.
والدة عيسى عبد ربه "أمونه" 80 عاما، والتي واصلت الليل والنهار، وسنة وراء سنة وهي تلاحق ابنها من سجن الى سجن، لم تنقطع عن زيارته، مشحونة دائما بالأمل وهي تقول: لن يغلق السجن على احد.
هذه الأم العظيمة التي لم تترك اعتصاما ولا إضرابا عن الطعام ولا مسيرة تضامنية مع الأسرى إلا وشاركت فيها ورفعت صوتها مع سائر الأمهات تطالب بإطلاق سراح الأسرى وإنهاء معاناتهم.
لقد كبرت في السن، وأصابها المرض، ولم تعد قادرة الآن على الحركة إلا على كرسي متحرك، ومع ذلك تصرّ أن تذهب إليه في كل زيارة قائلة: سأراه حتى الرمق الأخير، لن أغيب عنه ولن يغيب عني.
لقد تأملت والدته كثيرا أن يطلق سراح الأسرى في صفقة شاليط وفي المفاوضات السياسية، وعندما التقت مع الرئيس أبو مازن في الإفطار الجماعي في شهر رمضان الماضي مع سائر أهالي الأسرى القدامى قالت له: هم أبناؤك وأولادك وينتظرون منك أن تضغط وتعمل على إنهاء معاناتهم الطويلة، وأطلقت في وسط المقاطعة زغاريدا تمتزج فيها الدموع مع الأمل والحنين الى غد أجمل بلا معاناة وعذاب .
لقد تعرض عيسى خلال 27 عاما الى العزل والقمع والتنقل من سجن الى سجن، وكان دائما يخاف على كل ما يكتبه ويرسمه في السجن من المصادرة على يد السجانين، فقام بإخراج يومياته وخربشاته وصور زملائه بالسجن الى والدته التي تحتفظ بها في صندوق مع مفتاح البيت القديم في قرية الولجة.
وزير الأسرى عيسى قراقع الذي يزور أم عيسى دائما يقول: الغرفة التي تعيش فيها أم عيسى عبارة عن سجن، صور عيسى وأسرى كثيرون معلقة على الحيطان، وهدايا رمزية عديدة منتشرة في أنحاء البيت، كراسات و كتب ورسائل عديدة تحاول أم عيسى أن تقرأ منها على جميع من يزورها.
27 عاما في الظلام، وعيسى لازال يروي حكايته مع المخيم، حتى صار المخيم أكبر من مساحة لإيواء الناس المطرودين بفعل القوة والاحتلال،صار كائنا يتحرك في الزمان والمكان، يستمد من الماضي قوة الحاضر واشراقة المستقبل، وفي كل زقة فيه ترى شعارا وصورة وتسمع أغاني الأولاد وهم ينشدون للسلام القائم على العودة والحرية وحق تقرير المصير.