الأحد: 17/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

توفيت والدته وأنجبت زوجته وتزوجت ابنته ورُزِق بحفيد

نشر بتاريخ: 23/10/2010 ( آخر تحديث: 24/10/2010 الساعة: 11:26 )
طولكرم- معا- في بلدة الزيتون قفين قضاء طولكرم ولد الأسير مجدي عطية سليمان عجولي (49 عاماً)، في تلك القرية الوادعة التي اشتهرت بزراعة الزيتون وجودة زيتها والتي صادر منها الاحتلال آلاف الدونمات وشق من أراضيها جدار الفصل.

وإن اشتهرت قفين بالزيتون فهي أيضاً ترتبط باسم ابنها البار مجدي الذي أصبح رمزاً للأسرى وقضيتهم ليكون ضمن 123 أسيراً من عمداء الأسرى الذين مضى على اعتقالهم أكثر من 20 عاماً.

مركز أحرار لدراسات الأسرى وحقوق الإنسان يسلط الضوء من خلال هذا التقرير على الأسير العجولي الذي عرف عنه (أبو صهيب) منذ صغره الهدوء والالتزام في المساجد وحسن الخلق وتحمله للمسؤولية، في قسمات وجهه ارتسمت رجولة مبكرة، بعد أن أنهى دراسته الثانوية انتقل لدراسة الشريعة في جامعة الخليل، كيف لا وهو الذي عرف بحبه للدين والتفقه فيه، وهو الخطيب البليغ.

عرف عن الأسير العجولي كما تقول زوجته في لقاء خاص مع مركز أحرار لدراسات الأسرى تفانيه وإخلاصه وحبه لعمل الخير والتضحية، وليس أدل على ذلك من تركه للجامعة بعد وفاة والده ليعيل أسرته المكونة من ثمانية أفراد، شعر وقتها أن إخوته وشقيقتيه ووالدته أمانة في عنقه ومسؤوليتهم على عاتقه، كيف لا وهو أكبر إخوته ويحمل بين جنباته نفساً عزيزة مضحية، عمل في أكثر من مهنة، لم يتكبر على أي عمل يكسبه اللقمة الحلال، واستقر أخيراً عمله في مهنة التبليط.

ترك الأسير العجولي الجامعة لكنه لم يترك العلم والتفقه في الدين، فكان داعية إلى الله يخطب في الناس ويعظهم، لا يترك مجلساً أو تجمعاً إلا ووقف بين الناس هادياً وواعظاً، أحبه كل من عرفه وقدره، كما عرف أنه رجل إصلاح يصلح بين الناس، يحترمه الجميع ويقدرونه، يصل رحمه ويكرمهم، حتى صغار القرية أحبوه فكان يلقي عليهم السلام ويلاطفهم، أحبه المساكين والفقراء، فقد كانت يده خيّرة ومساعدة لهم.

مع انطلاقة انتفاضة الحجارة كان الأسير العجولي من أوائل المنتفضين، فكانت تجربة الاعتقال الأولى في سجون الاحتلال الإسرائيلي عام 1988 لمدة ثلاثة أشهر، لكن ذلك لم يثن من عزيمته، عاد يقف في وجه الاحتلال مرة أخرى فقد عرف عنه صلابة جأشه وشجاعة يتقدم فيها على أقرانه، ويعاد اعتقاله في 16/10/1989 ويحكم عليه بالسجن مدى الحياة، وكأن الاحتلال ضاق ذرعاً في هذا الشاب المبتسم الملتحي، غيبه الاحتلال خلف أسواره وزنازينه لكن لم يغيب إرادته كما تقول زوجته (أم صهيب) لمركز أحرار.

22 عاماً والزوجة الصابرة تنتظر زوجها الذي أنجبت منه ابنتين، أصغرهما أتت بعد أن اعتقل والدها ولم ينعم بلحظة رؤيتها يوم ولادتها حيث كان في زنازين التحقيق وقتها.

حرم الأسير العجولي من حضور زفاف ابنته الكبرى أو شهادة يوم قرانها كأي أب يحق له الفرح في هذه المناسبة، لكنه بقي يرفع شعار الفرح رغم الألم، وأن ظلام السجن لن يدوم.

كان يسعد عندما تأتيه البشرى بأنه أصبح جداً وله من الأحفاد ثلاثة أصغرهم سمي على اسمه.

تصف زوجته (أم صهيب) لمركز أحرار حفل زفاف ابنتها الذي لم يشهده والدها بالمؤثر، رجال قفين ونساؤها حضروا يوم عرسها، ووقف أهل القرية بجوارهم وكأنه عرس لابنتهم وأعز، واختلطت دموع الفرح بالحزن، كان عرساً مميزاً، وتضيف أنها بكت بكل حرقة وألم "ما ذنب ابنتي أن تحرم من والدها يوم زفافها ؟ أية جريمة اقترف زوجي؟ إنهم لا يحرمونه من الحرية فقط بل يحرمونه أيضاً من أسعد لحظات العمر"، وقالت أن زوجها قام يوم عرس ابنته بتوزيع الحلوى واحتفل مع إخوانه الأسرى ، وهي عادته دوماً في أية مناسبة تحدث.

ووصفت الزوجة الصابرة لأحرار أن أسعد زيارة ولحظة مرت على زوجها يوم أن زاره حفيده، يومها سمح له بأن يدخل إليه ويحمله، كانت عيونه تغرق بالدموع وأخذ يحتضنه بكل لهفة وشوق ويقبله، وقال لها وقتها: "إن هذه اللحظة من أسعد لحظات حياتي".

وأضافت (أم صهيب) لأحرار أن من أصعب اللحظات التي مرت على زوجها يوم وصله خبر وفاة والدته التي لم تترك ساعة إلا وكانت تدعو الله أن يفرج كربة ابنها البكر، توفيت وكلها شوق وحنين لاحتضان ابنها ، هذه كانت أمنيتها قبل وفاتها ، وكذلك كانت أمنيته.

فؤاد الخفش مدير مركز أحرار لدراسات الأسرى وحقوق الإنسان يقول لم تترك (أم صهيب) سجناً إلا وزارته، فعلى مدار 22 عاماً تنقلت في زياراتها لزوجها في مختلف سجون الاحتلال، حتى أصبح أمر الزيارة عندها عادة وأمراً طبيعياً وجزءاً من حياتها، فمع ساعات الفجر الأولى تخرج مع أفواج الزائرين من أهالي الأسرى لتبدأ قصة معاناة لا تنتهي من الانتظار والمماطلة والتفتيش حتى يكسب الأهالي 45 دقيقة من لقاء أحبتهم ومن خلف الزجاج، هذا المشهد يتكرر مع زوجة الأسير مجدي وآلاف أهالي الأسرى كل أسبوعين.

ويضيف الخفش أن العجولي يقبع في سجن "جلبوع" وكله أمل في بصيص النور، في ظروف وصفتها زوجته بالصعبة والقاسية، فالتغذية سيئة، والإهمال الطبي والتفتيش المذل للأسرى وأهاليهم إضافة إلى سوء المعاملة.