الثلاثاء: 01/10/2024 بتوقيت القدس الشريف
خبر عاجل
غارات إسرائيلية تستهدف الضاحية الجنوبية

"معا" زارت مخيم شاتيلا- عائلة سرور... الجرح ما زال ينزف

نشر بتاريخ: 11/12/2010 ( آخر تحديث: 11/12/2010 الساعة: 16:42 )
غزة - تقرير معا - هدية الغول - ثمانية وعشرون عاماً مرت، فما الداعي لفتح هذا الجرح؟ إنها صبرا وشاتيلا مجزرة نزف فيها الدم الفلسطيني ولا زال ينزف.. "معا" كانت هناك، لم تفتح الجرح لكنه فاجأها ليقول لم يا "معا" لا تنشرين عن جراحنا وأهاتنا التي لا زالت.

يطالب الضحايا الأحياء بأخذ الثأر لمن استشهد، لمن يدفن في مقبرة جماعية تغطيها "بسطات عشوائية" من الخارج، سوق خضار، ورجال يكدحون تحت الشمس غطوا على بوابة مجزرة صبرا وشاتيلا في العاصمة اللبنانية بيروت.

ماهر سرور شاهد حي على ذلك اليوم الذي قتلت فيه عائلته...هنا في هذا المنزل بقيت أثار مجزرة صبرا وشاتيلا فالطلقات النارية في جدرانه ما زالت حتى اللحظة والغرفة التي شهدت إبادة عائلة بأكملها ما زالت مغلقة حفاظا لتكون شاهد إثبات في يوم من الأيام قد يحتاجها الناجون من المجزرة أمام القضاء الدولي.

"كنا نعلم أن هناك مجزرة ستحدث قبل حدوثها" بهذه الكلمات سرد ماهر سرور قصته في مجزرة صبرا وشاتيلا بدءاً من تطويق المخيم وحتى خروج الجاني منه، ألم ممزوج بعواطف الحسرة، رغبة في الثأر والغضب من الصمت، مشاعر عائلة سرور "غيض من فيض" آلاف العائلات التي تنتظر رد اعتبارها في المحاكم الدولية.

توقف ماهر قليلا قبل أن يكمل حديثه، غصة الماضي تذكره بجراحه، فما حدث لاحقاً لابن الرابعة عشر آنذاك مفاجأة لطمت وجهه ليستيقظ من حلمٍ ليعود إلى آخر، فبعد خروج المقاومة وعد فليب حبيب المبعوث الأمريكي إلى المنطقة في حينها أنه لن يقترب أحد من الشعب بالفلسطيني وبهذا الوعد اطمأنت قلوب سكان المخيم وعادوا إلى أحضان بيوتهم آمنين فأصبحت البيوت مهجورة من ساكنيها الفلسطينيين لأنها كانت مهددة بالقصف.

تنبأ الأهالي باحتمالية ارتكاب مجزرة من وجود فرق ُملثمة الوجوه يتجولون في المخيم، لبساطتهم اعتقدوا بأنهم خلايا فلسطينية لحماية مخيماتهم ثم ما لبث أن أدرك الأهالي أن تلك الفرق تتبع مكتب الأمن للقوات اللبنانية والكتائب بقيادة إيلي حبيقة تترصد المكان.

عمليات القنص والقتل الصامت بدأت قبل المجزرة بساعات وقال ماهر "بدأ القصف على شاتيلا في أوقات العصر ولكن كان هناك ناس مقتولة برصاص الكتائب الكاتم" ففي الليلة الأولى عَمِد الجناة إلى اتباع منهجية "القتل الصامت" واعتمدوا على البلطات والسكاكين والأسلحة كاتمة للصوت حتى لا يشعر اللاجئين بما يحدث من تمهيد لتفننهم بالذبح.

بشهقة تبعتها دمعة لم تكن سهلة النزول أراد ماهر أن يكمل بشجاعة قال بصعوبة "بقينا في البيت لمساء الخميس وطلب منا الوالد أن نأتي بقريبتنا وأخوتها من "ملجأ أبو ياسر" وكان هناك قنص وقنابل مضيئة في السماء حتى أنها تشعرك أنه النهار ولم يخطر في بالنا انها مجزرة مسبقة التخطيط.... مررنا بين الجثث، لم ندرك أنها جثث "حل صمته قليلاً" ثم أضاف "استغربنا أن ينام الناس في مثل هذا الوقت خارج الملجأ على الأرصفة... دخلت إلى الملجأ وظلت سعاد أختي صاحبة السنوات الـ17 في الخارج، لم أجد أحداً في الملجأ واستغربت لانه كان مليئاً قبل ذلك " بعد مكوثه بالملجأ عدداً من الدقائق خرج ماهر ليجد سعاد بعيدة عنه ما يقارب 20متراً تصرخ "اهرب شافونا".

تحت وابل من رصاصات الكتائب هرب ماهر وسعاد إلى أن وصلا إلى منزلهما حيث أعلما أبيهما بما شاهدا وتيقن الوالد أن هناك مجزرة تحدث من أثار الدماء على أحذية ماهر وسعاد اللذان كانا يركضان على الجثث دون أن يدركا فطلب الوالد أن يلتزما الصمت حتى لا يتسرب الخوف إلى باقي أفراد العائلة.

كأي إنسان يتملكه الفضول لمعرفة ما يجري حوله صعدت الجارة برفقة ماهر إلى سطح المنزل لمشاهدة شريط المعاناة الذي حُفِر في ذاكرته حتى الآن أردف ماهر "حاولت أن أسرق بعض النوم لكن لا مجال في خضم دوامة الأحداث السريعة، صعدنا إلى السطح لنشاهد ما يحصل ونقرر بعدها إن كنا سنبقى في المنزل أم نغادره كانوا متمركزين على تلة قريبة "شافونا وبعد لحظات سمعنا احداً يطرق الباب".

"10 أفراد و13 مسلحاً داخل غرفة ضيقة وتهديد بالقتل وشتائم وتعصب عنصري ظاهر "هكذا كانت الصورة الأولى لمحاولة إبادة عائلة سرور التي أخذت منحى الهمجية المطلقة، فبعد تطويق المنزل بالكامل ورص العشرة أفراد بصف واحد انهالت طلقات الرصاص العشوائية فكان الأب أول من يتلقى في ظهره رصاصة المخزن الأولى والباقي في صدره... صوت الطلقات والصراخ والضجة التي عمت أرجاء المنزل أعطتا لماهر فرصة الاختباء الآن أصبح ماهر يجاهد نفسه ليخرج الكلمات من بين شفتيه "أثناء الضجة هربت إلى الحمام وأخذت معي أخي إسماعيل 9 سنوات، اخوتي الباقون رأيتهم يتساقطون واحدا تلو الآخر والرصاصات تدخل أجسادهم... كنت أراقبهم من الحمام".

استمر إطلاق النار على أهله حوالي 10 دقائق وأكد ماهر "كانت لحظة خوف.. فضوا كذا مخزن وجاءت بعض الطلقات في الحائط والأرض لكن أغلبها في جسد أهلي بشكل مركز وليس عشوائياً... أختي شادية صاحبة السنة والنصف بقيت على قيد الحياة حين عم السكون المنطقة.. بدأت بالبكاء وأخذنا ننادي عليها لتأتي إلينا إلى الحمام فأخذت خطواتها باتجاهنا حتى وصلت إلى أمي وأبي وهناك أخذت نصيبها من الرصاص لأنها ببساطة بكت".

"التفنن في القتل" تلك الهواية التي اعتمدها الجناة في هذه المجزرة وصل حدته حينما رجعوا مرة أخرى ليتأكدوا من مقتل الجميع... أكمل ماهر القصة رغم بشاعتها... اختبئنا ساعة في الحمام.. ريقنا جف... وضعت إسماعيل خلفي حتى إذا تم تقنيصي فأموت فوقه وينجو هو.

"هاجر 7سنوات، شادية سنة ونصف السنة، شادي 3سنوات، فريد 8سنوات، بسام 11 سنة"... لقوا حتفهم في معاناة هذه العائلة التي وضعت كنيتها أمام اسم مقترفو هذه الجرائم في محكمة العدل الدولية من بقي على قيد الحياة هم سعاد التي تلقت ستة عشر رصاصة في ظهرها تركتها نصف مشلولة.

بعد نجاته من محاولات قتله برفقة ضحايا آخرين، شاهد ماهر تفاصيل ما حدث في المجزرة بلا تفريق بين رجل أو امرأة أو أطفال الكل أخذ نصيبه من الألم ووضع بصمته في المأساة.

وأشار ماهر " في كل مكان كنا نرى جثث الرؤوس والأيدي والأرجل مقطوعة وأحصنة مقتولة فوقهم واخذوا بنات حتى يغتصبوهم ونحن ننتظر أن يعودوا... كانت هناك أذية نفسية للبيت... وقتل الأطفال مقصود حتى يبقى جرح في الإنسان مدى العمر... كانوا يرموا الجثث في مكب النفايات في (النورمندي) ومكب (الاوزاعي) وكثير من الجثث لم تظهر ولم يتم التعرف عليهم".

العام 2001 كان بمثابة نقطة تحول في حياة أصحاب المجزرة _التي استمرت لثلاثة أيام متواصلة بلا توقف_ كونهم شهود عيان عليها، ففي ذلك العام رفع أفراد عائلة سرور قضية على وزير الجيش الإسرائيلي "ارائيل شارون" المسئول الاول عن الجريمة فهو صاحب العقل المدبر والمحرض والمنفذ للمجزرة أمام القضاء البلجيكي وحتى ذلك الوقت كان يحق محاكمة مرتكبي الجرائم استناداً لقانون "ملاحقة مجرمي الحرب" إلا أن القضية توقفت لأنها لم تحصل على الدعم الكافي وبذات الوقت صدر قانون يلغي القانون السابق وكأن القضية أُغلقت قبل أن تُحل واكتفوا بإنشاء لجنة للتحقيق في المجزرة.

لم يتوقف ماهر عن سرد ما جرى لعائلته وشعر بألم جرحٍ لم يندمل وذاكرة يصعب مجاراة معانيها أردف قائلاً:" حتى الآن نحن أصحاب مجزرة صبرا وشاتيلا... لم تنتهي معاناتنا ومأساتنا، والمسئول عن المجزرة القوات اللبنانية بجميع الأحزاب المسيحية بالإضافة إلى شارون كونه المحرض والمخطط والحامي للقوات اللبنانية بسلاح أمريكي مبينا ان القضية في بلجيكا توقفت لانها لم تحصل على دعم كافي مشددا " ومن أراد أن يدعمنا يريد أن تكون القضية باسمه مثل "حماس" التي عرضت ان تدعم القضية ولكن بشرط أن تظهر إعلامياً الأمر ذاته بالنسبة لمنظمة التحرير الفلسطينية (م ت ف).

في الختام دعا سرور كلاً من حركتي فتح وحماس إلى إنهاء الانقسام "المجزرة كان هدفها إرهاب الشعب الفلسطيني والمسئول عنها أخطأ حين اعتبر أن التهديد يجدي نفعاً بينما يزيدنا إصراراً على الحياة والاستمرار في النضال".

يُذكر أن التقارير التي أوردت عدد الشهداء في الذبحة كثيرة ولا يوجد تلاؤم بينها حيث أن الفرق بين المعطيات كبير جداً ففي رسالة من ممثلي الصليب الأحمر لوزير الدفاع اللبناني قيل أن تعداد الجثث بلغ 328 جثة وفي تقرير لجنة كاهان ذكر ان عدد القتلى بلغ ما بين 700_800 نسمة في حين أشار تقرير اخباري لهيئة الاذاعة البريطانية إلى 800 قتيل، الصحفي الاسرائيلي الفرنسي أمنون كابيلوك فقال في كتاب نشر عن المذبحة أن الصليب جمع 3000 جثة بينما جمع افراد المليشيا 2000جثة اضافية مما يشير الى 3000 جثة في المذبحة على الاقل.