هدى غالية تروي بصوت متهدج حكاية الموت الذي حصد عائلتها على رمال الشاطيء
نشر بتاريخ: 02/08/2006 ( آخر تحديث: 02/08/2006 الساعة: 19:02 )
غزة- معا - لم يبق لك شيء يا هدى... لم يبقوا لك شيئاً... كلهم رحلوا ... كلهم أسلموا أنفاسهم على رمل الشاطئ ... نزفوا دماءهم عليه ليصير أحمر يا هدى كالمرجان المغتصب من أعماق البحر ... كلهم نزفوا يا هدى ... نزفوا ساعة واستراحوا ... وبقيت كي تنزفي العمر كله ... ألماً وحسرة... كي تنزفي العمر كله كمداً وهماً ولوعة فراق ...
هدى تروى الحكاية ...
"ما كُنّاش بدنا نروح على البحر و لا عاملين خطة للرحلة... أجا زوج أختي أماني وعيلته علينا و قال بدنا نروح على البحر... صابرين أختي قالت يابا بدنا نْروح على البحر معاهم , ووافق أبوي ... تسابقت مع إخواتي الصغار إلى آخر الشارع ، لمكان السيارة اللي بدها تودينا للبحر ... علشان نجري ونلعب على الرمل ... كلهم سبقوني ، علشان كنت تعبانة ... وصلنا كلنا وركبنا السيارة ... وصرنا ندوّر على مكان فاضي على الشط".
وتضيف" كنت مبسوطة كتير في البحر... و قعدنا نجري ونلعب على الرمل ... ونسبح في البحر ... وكان البحر كويس و المية هادية و ماكانش هناك أي مشاكل... سبحنا يجي ساعة و بَدو اليهود يقصفوا و شردت الناس من أول صوت قذيفة... اتصل أبوي بالسواق علشان يِجي بَدري و احنا بَعَدنا عن الشط و استنينا السيارة على الشارع... قعدنا مجموعتين... البنات في ناحية و أبوي و زوج أختي و أخوي لوحدهم جنبنا في الناحية التانية ..."
و بدأت هدي في التوقف عن الكلام لصعوبة الموقف و بعد تهدئتها أكملت قائلة " "كنت لافه نفسي بالبطانية علشان كنت طالعة من الميه... و بعدين أجت القذيفة" و قالت " كنت قاعده مع كل العيلة.. صابرين, و هيثم, و أماني, و أمى ومرة أبوي, و كلهم وكلهم... وبعدها شفتهم متقطعين حولي... مش مصدقة عيني ومش عارفة مين همة المقطعين جنبي... في هذه اللحظة رحت أصوّت عند الأسفلت وبدور عليهم وين راحو... معقول المقطعين أهلي.
رحل الأحبة كلهم يا هدى وبقيتِ وحدك ... بقيت على الشاطئ مغروسة في رمله ... مشرئبة كالمنارات القديمة ... تنادين التائهين ... ها أنا ... لا زلت هنا ... لا زلت احمل الناقوس وأُشعل القنديل ... عودوا أيها التائهون ... عودوا فالشاطئ يتسع لكم رغم ازدحامه ... رغم دمائه ولونه الأحمر ... ارجعوا ، لا زلت أفتح ذراعيّ للعناق وامسح الرمل عن شَفتيّ ، أتهيأ لتقبيل العائدين ....
هُدى تُتم الحكاية...
وانا بَدَور لقيت أبوي ممدد على الرمل و صرت أصرخ يابا... يابا.. المسعفين أجو ... المسعفين أجو... وباَطَلع على ابوى ... وهنا سالت دموع هدى بغزارة ...
ولما شِفت أبوي هيك خِفت وحسيت حالي دايخة ... وفي هذه اللحظة... وبعد ماحملوه و حملونا في الأسعاف ورحنا علي مستشفي الشهيد كمال عدوان... كنت مصاوبة في رجلي و لفوها إلي... و طلًعوني من المستشفي بعد العشاء. و كانوا كُلْهم... أمي و كل أخواتي وضعهم صعب في المستشفي وعرفت هناك انو ابوىْ استشهد ومَرت أبوى وخَواتي علياء (24) سنة و الهام (15) سنة وصابرين (4) سنوات و هنادي (1.5) سنة , واخوي هيثم (4)شهور.
واستمرارا للعمل في مجال مساعدة الأطفال المصابين بالصدمات النفسية الناتجة عن ممارسات الاحتلال الإسرائيلي من قصف متواصل لقطاع غزة و خاصة منطقة الشمال فقد قمنا برنامج غزة للصحة النفسية والمجتمعية - مركز غزة - بعمل زيارة لبيت الطفلة هدي غالية.
تبين بعد المقابلة الاكلينيكية للطفلة هدى انها تعانى من استمرار تذكرها للحدث بشكل كوابيس تتعلق بما شاهدته من مناظر قاسية جدا , والدها عندما استشهد ,أشلاء اخوتها , ذراع أختها المقطوعة , الدم والرمال الحمراء ... تتجنب العودة لشاطئ البحر , وتتجنب كل ما يذكرها بالحدث , لا تستطيع النوم بسهولة , لا تستطيع التركيز , وتستثار بسهولة وتشعر أنها متحفزة ومترقبة حدوث شئ غير متوقع وسئ , أحيانا تعاني من صداع خاصة عندما تتذكر والدها.
وتم عمل تفريغ انفعالي لها، وسيتم عمل برنامج علاجي لها لمساعدتها على الشفاء من كرب ما بعد الصدمة الحاد , وتم تقديم الدعم النفسي لأعمامها لما أصاب عائلتهم من آلام وأحزان نتيجة العدوان الاسرائيلي عليهم.