الثلاثاء: 24/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

رسالة المطران عطاالله حنا بمناسبة الاعياد الميلادية المجيدة

نشر بتاريخ: 28/12/2010 ( آخر تحديث: 28/12/2010 الساعة: 13:50 )
القدس- معا- بمناسبة الاعياد الميلادية المجيدة، التي تحل على العالم المسيحي هذه الايام، بعث سيادة المطران عطاالله حنا رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس رسالة لأبناء الطوائف المسيحية مهنئا، وقد وصل "معا" نص الرسالة.

وجاء في الرسالة التالي:-

كل عام وأنتم بخير. "ولد لنا ولد أعطي لنا ابن". هكذا أنبأ النبي أشعيا بميلاد السيد المسيح له المجد. ولد في بيت لحم، في مغارة، بعيدا عن الناس، والناس جاهلون ما حصل بينهم. وقد بشّر الملائكة رعاة بسطاء بما حصل. قال الملاك للرعاة: "إني أنبؤكم بفرح عظيم: ولد لكم اليوم مخلص". ثم أنبأ الله علماء وأمراء غرباء عن هذه الأرض المقدسة، فأتوا هم أيضا من بعيد ليسجدوا للملك الجديد الإله المولود كلمة الله الأزلي. ولم يَكشِف الله الأمر للقريبين ولا لحكام ذلك الزمن.

وقال يوحنا الإنجيلي الطاهر في المولود الجديد أذ يبيّن لنا من هو: "في البدء كان الكلمة والكلمة كان لدى الله والكلمة هو الله. به كان كل شيء وبدونه لم يُكوَّن شيء ممّا كُوِّن"، إلى أن قال: "والكلمة صار بشرا وسكن بيننا ورأينا مجده مجدا لابن وحيد ملؤه النعمة والحق"، ومن ملئه نحن كلنا أخذنا.

فالمولود الجديد للإنسانية كلها هو كلمة الله الأزلي. حلَّ بيننا وصار رفيقًا لكل إنسان في الأرض كلِّها، ولنا خاصة في هذه الأرض المقدسة. وما زال حاضرا بيننا. قال النبي أشعياء إن اسمه عمانوئيل أي الله معنا. الله دائما معنا، هذا ما يجب أن نتذكره دائما. ومن ثم لسنا وحيدين في مواجهة هموم حياتنا وتحقيق مساعينا، بل الله حاضر معنا وبحضرته القدوسة يقدِّس ويسند كل خطانا وأعمالنا.

وفي ضوء هذه الحضرة الإلهية، دعونا نتأمل في حياتنا اليوم في هذه الأرض المقدسة. أول ما يواجهنا هو أننا "نتحرك ونوجد" نعم، بإذنه تعالى وبقدرته وحبه الإلهي. ولكنَّنا من المحرومين حريتهم في هذه الأرض. فنحن نعيش تحت احتلال وظلم يُفرَض علينا في كل يوم. ولا يبدو لنا أن نهاية المعاناة قريبة.

بل ما زالت بعيدة في مخططات حكّام هذا الزمن. وها نحن نرى المحادثات تتعثر، ونشهد زيارات كبار هذا العالم يقصدون بلادنا، للنظر في وضع حد للاحتلال ومآسيه، ومع ذلك فإن معاناتنا هي هي، والاحتلال ما زال جاثمًا على صدورنا. يُمَنُّ علينا بتصاريح لنذهب إلى بيت لحم، مع أن الحق الطبيعي لكل إنسان أن يمثل أمام ربِّه ويعبده من غير أن يحتاج إلى تصاريح عسكرية. ميلادنا هو السعي في استعادة حريتنا والتوصل إلى نهاية للاحتلال وإلى عدل يطمئن إليه الجميع، جميع سكان هذه الأرض، نحن الواقعين تحت الظلم وهم الفارضين علينا ظلمهم وخوفهم. ولكننا نقول ونكرر أن طريقنا إلى الحرية هي وصية المحبة، وأن طرق المحبة هي طرق الله. وفي أرض الله هذه التي هي أرضنا، طرق الله هي التي توصلنا إلى العدل والسلام والحرية واستعادة الأرض وإقامة الدولة المستقلة، إذ تصبح القدس مدينة مقدسة للجميع، ولنا فيها حريتنا وسيادتنا. قال القديس بولس في رسالته الى تلميذه طيطس ((2: 12): "لنعيش في هذا الدهر برزانة وعدل وتقوى منتظرين السعادة المرجوة". قال أن "نعيش في هذا الدهر"، لا نخرج منه، بل نبقى فيه، نتجنب شروره ونضع فيه محبة الله وعدله. فنسهم في بنائه مهما كثرت الصعاب. ونلتزم العمل، لا نتخاذل فنقول: هذا ليس من شأننا، بل شأن كل إنسان هو شأننا، وكم بالحري شأن حريتنا وأرضنا. نقول للجميع: اسعوا وسيروا في طريق الحرية واجعلوا سعيكم طريق الإنسان الباحث عن الله، وعن ذاته وحريته وكرامته في الله سبحانه: بذلك نفدي أنفسنا ونحرر أنفسنا ونحرر ظالمينا أنفسهم من الشر الذي فيهم والذي يُثقِلون به علينا.

"إني أبشركم بفرح عظيم: قد ولد لكم اليوم مخلص". لنتأمل في أبعاد هذا النبأ وهذا الفرح العظيم، ولنجدد إيماننا بالله وبيسوع المسيح كلمة الله الأزلي وبكل ما أتانا به من نعم وقيم، وبالقوة التي يمنحنا إياها والمحبة التي يفيضها فينا، محبةً له ولجميع الناس. ولنستقبل بهذه المشاعر عيد الميلاد، عيد رب الأرباب يحل ضيفا علينا. وفي هذه المرة، لنجعله يولد بيننا، بين الناس يستقبلونه بمشاعر المحبة وبأعمال البر والعدل والمصالحة. لنستقبله في قلوبنا ممتلئة بالإيمان والمحبة وهما أفضل زينة، مع كل الزينة والأنوار الخارجية. لنستقبله وبحضوره وبقوته ومحبته نسعى لنكون مؤمنين أقوياء كراما وأحرارا ونُمِدّ مجتمعنا الفلسطيني كله بل مجتمع الأرض المقدسة كله بكل من فيه وبكل دياناته، نُشرِكُهم جميعا بالفرح الجديد وبالخلاص الذي أتانا به الله. كل عام وأنتم بخير.