أندية القدس.. تحديات وآمال * بقلم : خالد اسحق الغول
نشر بتاريخ: 01/01/2011 ( آخر تحديث: 01/01/2011 الساعة: 13:08 )
مع الحديث المتداول عن نهضة رياضية فلسطينية ناجمة عن حجر كبير تم رميه في مياه الرياضة الفلسطينية الراكدة ساهم في تفعيل العمل الرياضي وكان له دوره في تحديد مصائر بعض الأندية صعودا او هبوطا، تأزماً او انفراجاً. لا يستطيع اي متامل لواقع الاندية في مدينة القدس ان يغفل عما تعانيه من مصاعب جمة تصطدم بها رغم كل محاولاتها الدؤوبة من اجل القفز عنها وتجاوزها بكل ما لديها من وسائل للتحايل على الواقع وابتداع اساليب المواجهة والتحدي العنيد للمصاعب والتحديات .
ومن المصاعب والعقبات الموضوعية والذاتية التي تواجه الاندية الفلسطينية في مدينة القدس، نذكر ما يلي :
1 - تفتقر اندية القدس إلى الحد الأدنى من الخدمات الأساسية بفعل سياسة التمييز العنصري التي يمارسها الاحتلال ضد اهالي القدس وخصوصا الشباب والأطفال. ومع استكمال بناء الجدار الفاصل الذي يطوق القدس لم تعد توجد لشبابها وأطفالها ورياضييها أي فرصة لممارسة الرياضة وتنمية مواهبهم الا نادرا. ولا يوجد أي اهتمام من قبل بلدية الاحتلال في انشاء مرافق تلبي حاجات الشباب والاطفال ولاتسمح لاي جهة او مؤسسة وطنية فلسطينية بممارسة هذا الحق بحرية وبدون منع او اعاقة. وبفعل هذه السياسة الاحتلالية المبرمجة سدت الطرق أمام عشرات آلاف الشباب والأطفال من القدس امام تلبية حاجاتهم وتنمية قدراتهم وصولهم إلى ملاعب ومرافق رياضية كانوا يصلون إليها في السابق بسرعة وسهولة، وبات عليهم أن يخاطروا بأنفسهم وان يقطعوا مسافات طويلة من اجل الوصول إلى الملاعب وممارسة حقهم في اللعب والتدرب مما أدى إلى توقف الكثيرين منهم وانقطاعهم عن الرياضة حرصا على سلامتهم وعلى أوقاتهم التي يتم استنزافها عبثا. كما أن الأندية التي تضطر لقطع هذه المسافات الطويلة، تتحمل أعباء إضافية كبيرة تتعلق باجرة استخدام الملاعب وأجرة المواصلات التي تتزايد باستمرار.
2- تعاني مدينة القدس من نقص شديد في البنية التحتية الرياضية مثل مقرات مناسبة للاندية ومرافق اساسية وملاعب ومراكز للتدريبات بمختلف انواعها، كما توضع عقبات كبيرة أمام إمكانيات إنشاء اندية او مراكز رياضية فلسطينية جديدة ولا يسمح بالحصول على تراخيص بناء وتوضع تعقيدات هائلة أمام عمليات التسجيل وتفرض قيود وضرائب باهظة على الاندية القائمة الامر الذي لايمكن في ظله انتظام العمل الرياضي في الاندية وتحقيق الحد الأدنى من المتطلبات والحاجات الضرورية للشباب ومختلف الفئات العمرية في المجتمع . وفي حين تتاح الفرص لكثير من الاندية الاخرى خارج مدينة القدس لتلبية حاجاتها على عدة مستويات نرى اندية القدس محاصرة وتعاني من العزلة والتهميش اكثر من جهة وعلى اكثر من صعيد. ورغم ذلك فان هذه الاندية تكابد وتعاند وتتحدى كل الظروف والمصاعب وبعضها يسجل انجازات رياضية مميزة خصوصا في كرة القدم رغم كل الظروف والتعقيدات التي تمر بها القدس وانديتها.
3- تعاني الاندية الرياضية في مدينة القدس من نقص كبير في الدعم المالي وان توفر من قبل مؤسسات التمويل العربية والأجنبية فان التمويل لا يشمل انشاء او ترميم البنية التحتية للاندية وذلك بسبب الضغوط السياسية الإسرائيلية وبسبب الموقف السياسي الرسمي للدول المانحة. ولم يتم حتى الان اتخاذ الخطوات العملية المجدية من قبل المسؤولين عن متابعة شؤون اندية القدس من اجل تحسين اوضاعها وشروط عملها وتلبية حاجات ابناء واهالي القدس وخصوصا من الشبان والاطفال.
4- تعاني اندية القدس من نقص شديد في الكوادر الإدارية والفنية والمتدربة ذات الكفاءة العالية والقادرة على صياغة إستراتيجيات وبرامج عمل من شأنها المساهمة في إعادة بناء وتطوير العمل الإداري والمالي بشكل معاصر في داخل الاندية.
5- وجود تعارض واضح في داخل اندية القدس بين التوجه نحو التخطيط العقلاني المبني على دراسات علمية وبين العمل التقليدي المحافظ المبني على الارتجال والعشوائية واساليب العمل القديمة غير المتوائمة مع استحقاقات العصر. وللاسف الشديد فان الكثير ممن يتصدون لممارسة العمل الاداري في الاندية يرون في ذلك مدخلا للوجاهة والمخترة والاستزلام وليس للعمل الاداري الناضج والمثمر والفعال. وعدا عن نزعة المخترة الاجتماعية لدى اعضاء الهيئات الادارية في الاندية تتحول الاندية وانشطتها ذات الطابع الاستعراضي والاعلامي الى منابر للتلميع والبروز الاعلامي من قبل بعض الموظفين الرسميين لكي تتكامل نزعة المخترة والوجاهة الاجتماعية مع السياسية الرسمية.
6- عدم استقلالية اندية القدس في ادارة شؤونها بفعل هيمنة القوى السياسية عليها، والمماحكات المستمرة بين الفصائل السياسية مما يؤثر على الاندية ويخلق فجوة واسعة بين اهتمامات الناس في المجتمع والهيئات الادارية ويفضي الى استبعاد او استنكاف الكفاءات الرياضية القادرة على ادارة شؤون الاندية بكفاءة ومهنية وتخصص.
7- الضعف الشديد في التواصل المجتمعي بين اندية القدس والمجتمع وقلة التفاعل مع حاجات المجتمع واهتماماته على المستويات الأخرى غير الرياضية. والانهماك بالشأن الرياضي على حساب الشؤون والاهتمامات الأخرى قلل بشكل واضح من الزخم المجتمعي للاندية ومن الالتفاف الجماهيري حولها. حيث كانت الأندية في السابق مليئة بالأنشطة والفعاليات، وتقدم خدمات كبيرة للمجتمع بمختلف فئاته وشرائحه وفي مجالات عدة تشمل الأنشطة الثقافية والاجتماعية والتربوية، وأنشطة للأطفال وتنظيم مهرجانات فنية وفلكلورية متنوعة. وكذلك الاحتفال بالمناسبات الدينية والاجتماعية والوطنية وغيرها من المناسبات.
8- في ظل هذه العقبات الكبيرة التي تمنع وجود انشطة وبرامج في اندية القدس تلبي حاجات الشباب وتنمي مواهبهم وتفجر طاقاتهم فانهم يجدون انفسهم مضطرين للبحث عن خيارات وإغراءات ربما تكون بعضها غير وطنية وتلعب دورا تخريبيا في وعي ووجدان وانتماء الشباب وتجعلهم حائرين بين تلبية الحاجات الخاصة وتنمية الطاقات الذاتية التي يبحثون عنها من جهة والموقف الوطني من هذه الخيارات المتاحة في ظل انعدام البدائل المقبولة من جهة أخرى.
9- من بين اكثر اندية القدس التي تتعرض للمخاطر وتواجه اعقد الظروف واصعب المعيقات نادي سلوان الرياضي الذي يخضع لأبشع عملية تضييق وخنق لمقره مما يحرم اعضاءه وجماهيره من ممارسة أبسط حقوقهم في النشاطات الرياضية والاجتماعية والثقافية والفنية والخيرية، ويفقد الكثير من الفاعلية والحيوية، خصوصا بعد أن تم الاستيلاء على الأرض الملاصقة له وأقيمت عليها نواة استيطانية تلتهم لأرض في سياق مخطط يهدد مقر النادي ويجعله عرضة لمصير مجهول ويبقيه مستهدفا على صعيد اهدافه ومشاريعه وجماهيره وقطاع واسع من أبناء بلدة سلوان.
- رغم كل ما ذكر سابقا من معيقات ومصاعب تعاني منها اندية القدس إلا انه توجد فرص وامكانيات كبيرة للتخفيف من عبء هذه المصاعب اذا ما تضافرت الجهود والامكانيات، ووجد التفسير والفهم الصحيح للرؤى والاهداف والغايات التي تسعى الاندية الى تحقيقها. وتوافر الفهم الدقيق للفرص المتاحة امامها والادراك الواضح والاستيعاب العميق لنقاط الضعف ونقاط القوة الكامنة في الاندية. واذا ادركت الاندية طبيعة التهديدات الخارجية والداخلية التي تقف امامها وحاجات واهتمامات وميول الناس في المجتمع الذي تنشط فيه. واذا توافر الحد الادنى من المقومات البشرية والمالية واللوجستية لتنفيذ الخطط التي تضعها الاندية، وتوافر عنصر الثقة والانسجام بين الاندية والمجتمع.
ان امام اندية القدس مهمات صعبة وشاقة، وعليها ان توحد جهودها جميعا من اجل مواحهة التحديات والاستحقاقات الكبرى التي تقف امامها ولن تنجح في ذلك الا في ظل وجود كفاءات وخبرات محلية قادرة على وضع خطط وبرامج عمل، وتنفيذ هذه الخطط والبرامج. وتوافر عنصر الثقة والانسجام بين الجهات المسؤولة في النادي والهيئة العامة والاهالي في المجتمع. وضمان استقلالية الاندية وهيئاتها الادارية واعتماد انظمتها ولوائحها الداخلية كمرجعية لتحديد مسار خططها وبرامجها، وتوافر عنصر الكفاءة والتخصص والمهنية العالية لدى أعضاء الهيئات الادارية، والقدرة على الاستفادة القصوى من الموارد البشرية وغير البشرية المتوافرة في المجتمع المحلي، والمعرفة بحاجات الفئات المستهدفة وبأولويات المجتمع المحلي لكي يتم وضع الخطط والبرامج والمشاريع التي تتلاءم وهذه الحاجات والأولويات.
وقبل كل ماسبق من معيقات ذاتية، فان اهم عنصر يجب مراكمة الجهود لكي يتحقق ولكي يفتح الطريق امام نهضة رياضية حقيقية في القدس هو الاستقلال التام والقدرة على وضع سياسات رياضية مستقلة متحررة من قيود الاحتلال، ولن يتأتى لشباب واطفال القدس ان ينعموا بهذا الواقع الا بعد الاستقلال السياسي الفعلي والحقيقي والملموس، بعيدا عن كل مظاهر الرمزية والاحتفاء المعنوي.