نشر بتاريخ: 01/01/2011 ( آخر تحديث: 01/01/2011 الساعة: 16:52 )
تشهد الساحة الفلسطينية في ايامنا هذه حراك رياضي واهتمام شعبي بالرياضة بشكل غير مسبوق، و يظهر اهتمام رسمي على مستوى السلطة الفلسطينية والمؤسسات الرياضية والإعلام بإعطاء دور كبير للرياضة لما لها أهمية بتنمية المجتمع الفلسطيني خاصة أنها تستهدف فئة الشباب، ولكن هذا الاهتمام يتطلب نظرة استراتيجية شاملة للوصول الى الأهداف المسطرة من أجل المجتمع والقضية الفلسطينية.
النظرة الإجتماعية للرياضة:
تحتل الرياضة في سلم الأولويات الإجتماعية في فلسطين مكانة ثانوية من حيث الأهمية؛ إذ لا يعطي الفرد والمجتمع لممارسة الرياضة أهمية تذكر، فنظرة المجتمع الفلسطيني للرياضة سلبية بإعتبار انها مسألة هامشية وتتعلق فقط بمضيعة الوقت أو الترويح عن النفس.
الرياضة الجماهيرية:
تمثل الرياضة الجماهيرية جميع الأفراد على إختلاف طبقاتهم الإجتماعية والإقتصادية والذين يمارسون الرياضة لأهداف صحية ونفسية وترفيهية، والمعلوم أن الرياضة الجماهيرية تعكس صورة نمط حياة لدى مجتمع يعتبر ممارسة الرياضة جزء من حياته اليومية.
وبما أن نظرة المجتمع الفلسطيني للرياضة سلبية إلى حد كبير، فمن المنطق أن تكون الرياضة الجماهيرية بمستوى ضعيف استنادا إلى نسبة أعداد السكان الممارسين للرياضة، حيث تشير الدراسات أن نسبة الشباب الممارسين للرياضة حوالي 97%.
دور المؤسسات التعليمية:
تضم المؤسسات التعليمية أكبر عدد من الأطفال والشباب الفلسطيني من ذكور وإناث والذين يمثلون النسبة الأعلى من حيث عدد السكان، وهذه المؤسسات يعول عليها أن تكون الإطار الذي يعمل على تربية وتثقيف الأجيال لإعدادهم إلى مستقبل واعد ومشرق، لكن للأسف فإن مؤسساتنا التعليمية لا تقوم بواجبها بالحد الأدنى في إعداد التلاميذ والطلبة من الناحية الرياضية والبدنية، ويتلقى الطالب في المدارس الفلسطينية حصة رياضة واحدة فقط أسبوعيا يستغلها الطلبة في أحيان كثيرة لقضاء وقت فراغ ولهو لا فائدة منه، وهذا يقودنا إلى إدراك أن الرياضة والتربية البدنية ليست من اهتمامات تلك المؤسسات والتي تتحمل القسط الأكبر من المسؤولية في تراجع الصحة العامة والمستوى الرياضي .
الظروف السياسية والإقتصادية:
ما من شك أن الإستقرارين السياسي والإقتصادي يلعبان دورا هاما في تنمية أوجه الحياة عامة، وسيطرة الإحتلال الصهيوني على كل مقدرات الشعب الفلسطيني وأراضيه وتشتت أبناءه في مختلف البلدان تحد إلى درجة كبيرة من تطور الرياضة الفلسطينية، والرياضة تحتاج إلى ميزانيات كبيرة لتوفير المنشآت الرياضية والملاعب والأدوات المناسبة لممارسة الرياضة، وفي ظل الحصار الإقتصادي الظالم على شعبنا الفلسطيني يصبح الحلم الرياضي الفلسطيني أقرب إلى المستحيل، ناهيك عن وجود مئات الرياضيين القابعين في سجون الإحتلال.
وتزداد الأمور تعقيدا مع الإضطرابات السياسية والأمنية الداخلية التي تؤثر على الوضع الرياضي خاصة لما تفرزه هذه الأزمة من خلق فجوة إجتماعية بين الرياضيين المنتمين إلى هذه الجهة أو تلك.
تغييب الكفاءات:
بالرغم من قلة الكفاءات الرياضية، إلا أن ظاهرة تغييب وتهميش الكفاءات الرياضية الأكاديمية الموجودة عن الساحة الرياضية الفلسطينية له تأثير سلبي على الأداء الرياضي، وبدلا من وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، استغلت المناصب الإدارية والفنية في المؤسسات الرياضية الوطنية من قبل الأحزاب السياسية والجماعات العشائرية بوضع أشخاص ليس لهم علاقة بالرياضة والذي يكلف الخزينة المالية دفع رواتب ونفقات كان الأولى أن تنفق على تطوير الرياضة والرياضيين، والذي بدوره عكس المستوى التنظيمي والإداري السيئ للفرق الرياضية الفلسطينية في مناسبات رياضية محلية ودولية.
كما أن بعض النوادي الرياضية، وضعت شخصيات لا تمتلك أي خلفية علمية رياضية في مراكز رياضية تحتاج الى أكاديميين و كفاءات رياضية لها الخبرة بهذا المجال، ولكن للأسف ظاهرة المحسوبيات هنا تلعب الدور الأساسي في شغل المناصب.
الخلافات الرياضية:
عكست الخلافات التي برزت بين الوزارة والأولمبية أثرها على الساحة الرياضية الفلسطينية، فعدم وضوح الصلاحيات لكلا المؤسستين بسبب غياب قانون رياضي واضح جعل المجتمع الرياضي يغرق في خلافات وتجاذبات رياضية أدت الى تراجع الرياضة ميدانيا وإداريا، وكذلك الخلافات التي نسمع عنها يوميا بوسائل الاعلام شكلت صورة قاتمة للواقع الرياضي.
الإعلام الرياضي:
تحتل وسائل الإعلام بكل أشكالها مساحة كبيرة في التأثير على الرأي العام وتوجيهه، والإعلام الرياضي الفلسطيني يلعب دورا هاما في هذه المساحة، ولكن المادة الإعلامية المقدمة للجمهور الرياضي والجمهور العام تقتصر في أغلبها على نشر الأخبار الرياضية للمؤسسات والنوادي والفرق الرياضية ولا يلاحظ إهتمام كبير من قبل الإعلام بحل المشاكل الرياضية والمساهمة في تطوير الرياضة وتثقيف وتوجيه الجمهور الرياضي والعام بشكل علمي وموضوعي.
إنه لمن العبث تخيل لاعبينا على منصات المنافسات الدولية أو حتى العربية متوجين بالذهب أو الفضة أو البرونزية، فإذا حصل ذلك فما هي إلا بطولات-أصلا- من المستوى الضعيف التي لا ترتقي إلى المستوى العالي، وهذا ليس تقليلا من شأن لاعبينا أو مدربينا بل هو منطق الحقيقة التي يجب أن نتقبلها ونعمل على أساسها، فالوصول إلى المنافسات العالمية بأبطال فلسطينيين يحتاج إلى خطة منهجية و تدريب وعمل سنوات وجهد متواصل وميزانيات كبيرة وكفاءات عالية ودائمة التطور وإمكانيات كبيرة نفتقدها بل ونفتقد إلى ابسطها، وهذا لا يعني أن نقف مكتوفي الأيدي متفرجين، بل أن نتحرك ونعمل بما هو متاح.
الدول التي تحصد المراكز الأولى في المنافسات الدولية الكبرى مثل الألعاب الأولمبية و كأس العالم مرت بمراحل كثيرة وأخذ ذلك منها عشرات السنين وكلفها الكثير،كما وتتوفر لديها إمكانيات وجامعات رياضية وملاعب في كل مدينة وحي، ناهيك أنها دول مستقرة اجتماعيا وأمنيا وسياسيا على عكس أوضاعنا في فلسطين.
الخروج من هذه الازمة الرياضية ليس بالأمر المستحيل، لكن الإستمرار في تكرار الأخطاء وعدم التعلم منها ضياع كبير، والأجدر هنا أن تكون اهدافنا الرياضية تصب في خدمة قضيتنا الفلسطينية وتوحيد أبناء الشعب الواحد في الداخل والشتات.
بعد عرض أهم الأسباب التي كانت دائما وراء الإخفاق الرياضي الفلسطيني بشكل عام، نلاحظ أنها متداخلة وكل سبب له علاقة مع الأسباب الأخرى أي أنها ليست بمعزل عن بعضها البعض، وفي مثل هذه الحالة لا بد وأن نجتهد لكي نجد مخرجا لهذا المأزق الرياضي، وبما أننا كفلسطينيين نعرف أكثر من غيرنا وضعنا الراهن، فنحن الأقدر على إيجاد الحلول الواقعية لهذه الأزمة الرياضية.
نحو استراتيجية التطوير الرياضي الذاتي
المقصود بالإستراتيجية هنا هو وضع كافة الإمكانيات الفلسطينية الرياضية المتاحة من بشرية ومادية في إطار منظم للعمل لفترة زمنية طويلة قصد الوصول إلى هدف رياضي عام، والذي يتمثل في بناء قاعدة رياضية فلسطينية( رياضة جماهيرية) في كل مكان يتواجد فيه أبناء شعبنا سواء في داخل الوطن أو الشتات.
1- التركيز على تأسيس رياضة جماهيرية تتمثل في جميع طبقات المجتمع من ذكور وإناث لأهداف صحية وإجتماعية وثقافية وترفيهية ستكون بمثابة قفزة نوعية لم تشهدها أي بلد من الدول النامية، حيث سيكون دائما لدينا مخزون رياضي بشري هو الأساس في تطور الرياضة التنافسية، وهنا يجب التركيز على التثقيف الرياضي الجماهيري.
2- نشر الوعي الثقافي الرياضي وحث أفراد مجتمعنا الفلسطيني من ذكور وإناث على ممارسة الرياضة خاصة الرياضات التي يمكن أن يقوم بها الإنسان لوحده مثل رياضة المشي والجري والألعاب الشعبية ككرة القدم والطائرة وتنس الطاولة والتي لا تحتاج إلى أموال كبيرة.
3- تطوير التربية البدنية والرياضة في المؤسسات التعليمية من مدارس وجامعات ومضاعفة عدد حصص التربية البدنية والرياضة .
4- تطوير دور الإعلام الرياضي والعمل على تقديم مادة إعلامية تثقيفية للجماهير في الرياضة.
5- إعادة النظر بشكل دوري في مواد قوانين المؤسسات الرياضية والعمل على تعديلها بحيث تعمل على تسهيل عملية الممارسة الرياضية وفتح الأبواب لجميع الأفراد للاستفادة من الخدمات الرياضة التي تقدمها.
6- تحفيز الطلبة خريجي الثانوية العامة على التوجه لدراسة الرياضة والتربية البدنية.
7- تطوير كليات ومعاهد التربية البدنية والرياضة حتى تكون مصدر تزويد المجتمع بكفاءات علمية رياضية بمستوى قادر على المساهمة في المشروع الرياضي الوطني.
8- إعادة النظر في السياسات الإدارية والمالية والأهداف للمؤسسات الرياضية خاصة وزارة الشباب والرياضة والاولمبية والاتحاديات الرياضية.
9-تفعيل دور البلديات والمؤسسات الغير رسمية والعمل على بناء علاقات داخلية بين تلك المؤسسات وتوقيع اتفاقيات تعاون في المجال الرياضي فيما بينها.
10-وضع قانون رياضي يوضح دور جميع المؤسسات والهياكل الرياضية وطرق عملها بشكل واضح ومرن يتناسب مع الوضع و الواقع الرياضي الفلسطيني.
11- الحد من ظاهرة المحسوبيات .
12- التواصل بين أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات من خلال تبادل الخبرات الفلسطينية الموجودة في الاردن ولبنان وسوريا والبلدان الأخرى، وتنظيم فعاليات رياضية تجمع أبناء الوطن.
[email protected]* متخصص في الإدارة الرياضية