عذراً فيروز- نهر الأردن يحتضر
نشر بتاريخ: 04/01/2011 ( آخر تحديث: 04/01/2011 الساعة: 19:35 )
بيت لحم- تحقيق "معا" - مجرى ضئيل من المياه الملوثة، هو كل ما تبقى من نهر الأردن التاريخي المهدد بالاضمحلال خلال سنوات قليلة، إن لم تتخذ تدابير لإنقاذه.
فالنهر الذي كان يصب مليار و500 مليون متر مكعب من المياه العذبة سنويا في البحر الميت، لم يعد يحمل إليه سوى 20 إلى 30 مليون متر مكعب، الأمر الذي يؤدي إلى انحسار مياه البحر المالح وتدني مستواها بمعدل متر كل سنة في هذه المنطقة الأكثر انخفاضا في العالم، ليكون اختيار شعار "نهر الأردن يحتضر والبحر الميت يموت" ليس عبثا بل هو رسالة موجهة للجميع بضرورة إيجاد الحلول المناسبة لإنقاذهما قبل أن نخسرهما.
في تقرير لشبكة "معا" الإذاعية أعده الزميل محمد العزموطي يأتي صوت أبو علي (70 عاما) من مدينة أريحا وهو يستذكر أيام الصيد ليس في البحر كما المعتاد إنما في احد الأنهار الأكثر قداسة في العالم ويتذكر كيف كانت مياهه تغازل أقدم مدن العالم، إذ كان هذا النهر على مر العصور عنصر جذب للسياح بسبب جمال منسوبه، والحجيج بسبب قداسته، انه نهر الأردن الذي بات مجرى مياهه يتعرض للفناء بفعل الإجراءات الإسرائيلية المستمرة منذ عام 67 والمتمثلة بتحويل منابع النهر وتحويلها إلى بحيرة طبرية وسحب ما يتوفر فيه إلى صحراء النقب عبر ما يدعى الناقل القطري.
يصف أبو علي تلك المساحات الخضراء بفضل النهر إبان الخمسينات كانت تمتد من الضاحية وهي احد الأحياء إلى الشرق من أريحا إلى أن تصل النهر، فكانت مسرحا لانتشار البسطات التجارية في هذه المنطقة إلى جانب المساحات الخضراء على الجانب الأردني وانتشار العديد من الأديرة.
ويستطرد أبو علي:"إن النهر كان مصدر للأسماك حيث اعتاد الناس أن يصطادوا السمك من النهر ويقول ان عرض النهر كان يصل إلى 6 أمتار، ولم يعد ذاك النهر نهراً الآن".
برنامج "على الطاولة" والذي تبثه شبكة "معا" الإذاعية" تكفل بميكروفونه فتح القضية على مصراعيها، حيث توجهنا لسلطة المياه الفلسطينية وبالتحديد لمدير دائرة المصادر المائية المهندس ديب عبد الغفور.
ويقول المهندس عبد الغقور "نهر الأردن يعتبر من أهم المصادر المائية السطحية في الضفة الغربية وهو احد الحقوق المائية للفلسطينيين، لكن للأسف تم سلبها من قبل الاحتلال الإسرائيلي بعد عام 67، وتقدر تاريخياً كمية المياه التي تجري بالنهر قبل عام 1948 بـ 1400 إلى 1500 مليون متر مكعب سنويا كانت تتدفق إلى البحر الميت لكن هذه الكمية تناقصت بحسب آخر الدراسات لأقل من 30 مليون متر مكعب سنويا، ومن ابرز أسباب هذا التناقص تحويل مجرى النهر العلوي من قبل إسرائيل عن طريق الناقل القطري، وتشير آخر الدراسات إلى أن إسرائيل تحول أكثر من 500 مليون متر مكعب من مياه النهر عن طريق الناقل القطري الذي يصل النقب بالإضافة إلى وجود سدود عند المجرى العلوي من الجانب الأردني والإسرائيلي بالإضافة إلى العوامل الطبيعية وقلة الأمطار".
ويتابع إن هذا التناقص يؤثر على البحر الميت سلبا وله تأثيره على الحوض الشرقي من المياه الذي يعتبر احد الأحواض المائية الثلاث الموجودة بالضفة الغربية، وحول تأثير تناقص مياه النهر على المياه الجوفية في الحوض الشرقي، اوضح المهندس عبد الغفور إن ذلك اثر على كميات مياه البحر الميت واضمحلاله إذ أن هناك تناقص بمياه البحر تقدر متر سنويا، كما أدى هذا التناقص إلى زيادة كميات المياه المتدفقة من الحوض الشرقي عن طريق ينابيع الفشخة الموجودة على الجانب الغربي من البحر الميت، وهذا يؤدي إلى تناقص المياه في الحوض الشرقي من المياه.
الدكتور نادر الخطيب مدير جمعية "أصدقاء الأرض"، أكد أن نهر الأردن يتعرض لدمار بيئي يعود تاريخه إلى العام 1964، عندما أنهت إسرائيل المرحلة الأولى من بناء الناقل القطري وبدأت بتحويل ما يقارب 500 مليون مار مكعب من داخل بحيرة طبرية إلى داخل إسرائيل، وما يجري الآن أن منابع النهر العلوية المتمثلة بالحاصباني من لبنان وبانياس من الجولان السوري المحتل ودان من داخل الخط الأخضر كلها تصب في بحيرة طبرية ويتم تحويلها الى خارج حوض نهر الأردن.
يقول الدكتور الخطيب منذ عام 1992 لم نرى نقطة مياه عذبة تخرج من بحيرة طبرية الى نهر الأردن السفلي وما يجري حاليا تدفق للمياه العادمة وهي تبدو واضحة جنوب بحيرة طبرية في منطقة "يردنيت" حيث تقوم إسرائيل بضخ المياه العادمة والمالحة المحولة من بحيرة طبرية إلى داخل نهر الأردن.
ويضيف: "جنوب بحيرة طبرية يصبح اسم النهر نهر الأردن السفلي وهو يتغذى عادة من نهر اليرموك ومنابع نهر اليرموك تحول من قبل الجانب السوري والأردني من خلال السدود المقامة في المنطقة وقناة الملك عبد الله التي تقوم بتحويل المياه إلى شرقي النهر للزراعة".
يكشف الدكتور الخطيب ومن خلال الدراسات التي أنجزوها ان 50 مليون متر مكعب من المياه الملوثة تجري بالنهر وبالتالي فقد النهر أكثر من 98% من تدفق المياه التاريخي وهذا أثّر على البحر الميت الذي يشهد تبخيرا للمياه من قبل الصناعات المعدنية الإسرائيلية والأردنية جنوب البحر الميت، وهناك مخاطر تحيط بالبحر الميت تتمثل بالانهيارات الأرضية تمثلت بمئات الحفر، وهذا يسبب مخاطر بيئية جمة وإعاقة لأية عملية تطوير مستقبلية.
يضيف الخطيب: "كون النهر منطقة عسكرية مغلقة لا يدري المواطن ماذا يجري بالنهر، فالنهر حاليا مهدد بالاختفاء وتقوم إسرائيل حاليا ببناء محطة لمعالجة الصرف الصحي وبالتالي التدفق الحالي بالنهر سيشهد مزيدا من الانكماش خاصة في ظل الجفاف الحالي"، ودعا الخطيب إلى اتخاذ إجراءات عملية سريعة لإنقاذ النهر خاصة من قبل الدول التي تقوم بتحويل المياه العذبة التي تصب بالنهر وحوالي 50% من المشكلة تعود للجانب الإسرائيلي والباقي نتيجة تحويل منابع نهر اليرموك المغذي له.
ويؤكد الخطيب "ان ما يجري من مياه بالنهر حاليا غير صالحة وقال حتى منطقة المغطس التي يقصدها المسيحيون غير صحية تهدد صحة من ينزل الى هذه المياه. وحول التنوع الحيوي النباتي والحيواتي اختفى بنسبة 50% بسبب المياه الملوثة والمالحة".
بلدية أريحا وعلى لسان نائب رئيس البلدية عدنان حماد قالت بانها تتابع عن كثب ما آل إليه النهر والتلوث الذي حصل عليه، وانها تنظر الى النهر كإرث عالمي يهم الجميع فهو مكان عماد السيد المسيح ومنطقة جذب سياحي.
ويضيف حماد ان البلدية تعمل في هذا الوقت الذي يتزامن مع قرب الاحتفال بعيد الغطاس في النهر على مخاطبة المؤسسات المحلية والأجنبية لإعادة مياه النهر إلى مجاريها واخذ حصة الفلسطينيين من المياه بالنهر.
برنامج "على الطاولة" توجّه ايضا لوزارة السياحة الفلسطينية ممثلة بمدير الإعلام والعلاقات العامة فيها جريس قمصية للبحث عن إجابة عن تلك التساؤلات، حيث أكد قمصية ان وزارته متألمة لما يجري على النهر من اعتداءات، وأنها توجهت لمنظمة اليونسكو لاستصدار قرارات تدين الاعتداءات الإسرائيلية على هذا النهر المقدس، لكن إسرائيل وبصفتها القوة المحتلة ترفض تنفيذ أي قرار.
وأشار قمصية إلى جولة وزيرة السياحة مع الرئيس محمود عباس، مؤكدا أنها لا تألو جهداً في استغلال هذه الجولات لدعم التأييد الدولي للحق الفلسطيني في السيطرة على ثرواته ومصادره ومعالمه التاريخية والأثرية والدينية، مبينا ان إسرائيل لا تتحكم في منابع النهر فقط بل تمنع أي ممثل من السلطة الفلسطينية من المشاركة في أي احتفالات دينية في تلك المنطقة.