نور يبدو صامتاً...
نشر بتاريخ: 17/01/2011 ( آخر تحديث: 17/01/2011 الساعة: 13:57 )
غزة- خاص معا- المشهد يبدو جميلاً للغاية، رجل وابنه الأكبر يقومان برفع ما علق بالزرع من حشائش متطفلة، المعنى لديهم يزلزل وجدانهم فهم ينظفون بشكل يومي قطعة أرض، كانت قبل عامين بيتا لهم تحميهم وتحتضن ضحكاتهم ولعبهم وفرحهم، وتتجول به الأم والأبناء الذين ...استشهدوا.
نور كان حينها يبلغ من العمر خمسة عشر عاماً، سمع صوت انفجار مدوٍ ظنَ أنه بمنطقة خالية، ولكنه شاهد عن قرب بيتهم ينهار، هرع إليه فقد كانت هناك الأم رندة فايز محمد الحو وأشقائه الأحب إلى قلبه ضياء الدين " 14" عاماً، رنا " 12"، بهاء الدين " 4.5" والصغرى رولا عام وثلاث شهور فقط، أخذ يجمع صارخاً أشلاءهم قبل أن ينهار من هول الجريمة، وحتى العام الثاني على استشهادهم بضربة صاروخ واحدة – يفضل نور الصمت على الحديث والركون إلى مكان بعيد أمام شاشة الكمبيوتر والمشي وحيداً مطأطئاً.
عامان ولا زالت أثار حرب الاحتلال الإسرائيلي على غزة تتكشف، في كل زاوية من القطاع قصة لمن استشهد وآلام والذين حوصروا في منازلهم ولم يتمكنوا من إسعاف وإنقاذ أحبائهم، في كل دقيقة لا زل يذكر نور ووالده كيف كان البيت يعج بالضحكات، وكيف انهار في رمشة عين وقتل المحتل فيه الحياة.
في ليلة لا زال يذكرها الأب جيداً تراشق الأطفال مع والدهم بالمياه، حتى ابتلت ملابسهم وفراشهم، تضاحكوا متسائلين كيف سيمضون ليلتهم، افترشوا الأرض ببعض قطع القماش وناموا نومة هنيئة.
الأب فايز نور صالحة الذي يبكي فقدانهم في داخله، أربعة وأمهم التي عايشت معه الجراح وبنت البيت وقاسمته كسرة الخبز وأحبت فعل الخير، فقدهم بقصف إسرائيلي في ليلة التاسع من يناير 2009 في حربه على غزة، وأبقت له على ابنتيه الكبريين ربا ورشا "12"و" 9" اعوام فقط ونور الذي يبلغ الآن 17 عاماً.
"نحن نحب الحياة" هذا ما يحاول الأب فايز أن يعلمه لابنه نور، وأن لدى الشعب الفلسطيني وسائل يمكن بها أن يعيش ويحقق حلمه بالحرية والدولة، ولذلك فقد قام بتنظيف الأرض وزرعها، وحراستها ليل نهار.
"زرع أخضر" يحاول الأب أن يجعل من مكان البيت المقصوف جنة خضراء، تبعث الأمل في نفوس ثلاثة من أبنائه نجوا من جريمة الاحتلال التي أتت على أشقائهم وأمهم في بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، وحين يبدأ العمل يتبادل الوالد مع ابنه الحديث حول الأحداث الجارية محليا وعربياً وآخرها ماذا فعل محمد بوعزيزي بنفسه كي يحقق الحرية لشعبه التونسي، ليقول والده: "يابا أحنا بنقدر نعمل أكتر منه بدون ما نحرق نفسنا".
عن هدفه من زراعة الأرض يقول لـ "معا":" النبات مليء بالحياة وأريده أن يمثل لأبنائي إشراقة أمل ويبعث فيهم الأمل بحياة أجمل".