حلم الهجرة لدى شباب غزة يبدد كابوس البطالة والفقر
نشر بتاريخ: 26/01/2011 ( آخر تحديث: 26/01/2011 الساعة: 18:06 )
غزة- معا- من غادة غنام- لم يتوقع الشاب نضال الذي قضى خمس سنوات من عمره في دراسة الهندسة أن طموحاته ستتكسر على صخرة الواقع المرير وآماله في ظل الأوضاع الصعبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، وأنه سيفيق من حلمه الذي كلله بنجاحه الدراسي على كابوس اسمه البطالة والفقر واللحاق بصفوف المنتظرين للعمل، أو انه سينتهي به المطاف للعمل كمراقب على عمال النظافة لمدة ستة شهور.
تحدث إلينا وكانت علامات الإحباط تبدو على وجهه: "لا مكان لي في هذا البلد كنت أعد الأيام أنا وأهلي لكي أتمم دراستي وفعلا حصلت على درجة البكالوريوس بتقدير مرتفع.. ظننت أنه حان الوقت لكي أساعد أهلي في حياتهم فنحن أسرة كبيرة وبيتنا بالإيجار وأبي متقاعد عن العمل يأخذ جزء من راتبه لكن الأمل ضعيف جدا بالحصول على وظيفة فبت لا أرى بهذه البلد سوى الفقر والإحباط والحرب والنزاع بين الفصائل لذا قررت الهجرة إلى أي بلد يحتضنني فأنا أحاول بكل ما املك من قوة البحث عن طريقة للهجرة".
تشير الإحصائيات في مركز البحوث إلى أن عام 2010 وصلت نسبة البطالة إلى 80% فيما أشارت بعض الإحصائيات أن هناك سبعة آلاف شاب فلسطيني يهاجرون سنوياً بحثا عن لقمة عيشهم.
بعض الشباب الخريجين من الجامعات يرغبون في الهجرة ويظنون أنها الحل الوحيد لمشاكلهم وإنها كبسولة تخفف من روعهم حين يفكرون بهاجس البطالة والفقر.
لم يكن حال احمد البالغ من العمر 24 عاما والخريج من كلية صيدلة أفضل من سابقه فقال: "لقد أصبت بالإحباط واليأس من هذا الوضع فقد درست خمس سنوات وكنت انتظر لكي احصد ثمار جهدي الطويل فكان حلمي بان ارتدي المريول الأبيض يقترب يوما بعد يوم لكن الحلم شيء والواقع شيء آخر".
وأضاف:" أصبحت أبحث عن أي عمل فقط لكي اصرف على نفسي فأنا الآن اعمل بصيدلية عملت بها عن طريق الواسطة والترجي براتب خمسمائة شيكل بالشهر".
ثم ابتسم ساخراً: "وعدت بزيادة لذا وجدت أن الهجرة هي الحل الوحيد وها أنا الآن أحاول أن أهاجر على السويد".
أسباب الهجرة:
تقول بسمة حجازي مرشدة نفسية وأخصائية اجتماعية " أصبحت الهجرة هاجساً يسيطر على عقول معظم الشباب في غزة وآفة تنخر في عقول الشباب الغزواي بسبب الواقع المرير الذي يعيشونه والوضع المادي السيء الذي يعانون منه، وشعورهم بحالة من الاغتراب الذاتي في وطنهم لان طموحاتهم وطاقتهم اكبر بكثير ولا تتناسب مع الواقع الصعب الذي يعيشونه ولا تحتمله الفرص الصغيرة المقدمة لهم. والذي زاد الطين بلة فقدانهم الأمن والأمان وشعورهم بعدم الاستقرار.
وأضافت حجازي إن الجامعات تخرج كل عام آلاف الطلاب الذين ينتهي بهم المطاف في الغالب إلى الانتظار بطابور البطالة لحين حصولهم على شبه وظيفة.
وتابعت حجازي هذا بالإضافة إلى عدم قدرة الشباب الزواج بسبب غلاء المهور وقلة المساكن والزواج بأجنبيات والتي تعتبر بالنسبة لأي شاب صفقة مربحة لأنه لن يتكلف أي شيء بل على العكس سوف يأخذ إضافة إلى زوجة جميلة جنسية أجنبية وإقامة تريحه من عناء الحياة.
البحث عن فرصة:
أما احمد إبراهيم في الثلاثين من عمره فقال عن سبب هجرته إلى الإمارات: "فضلت الابتعاد بحثاً عن العمل فقد دفعت ثمن انتمائي السياسي غاليا"، مضيفاً:" ذهبت إلى المكان الذي يقدر الطاقات والمواهب الشابة ويحتضنها".
وأردف:" أنا اعمل منذ ثمان سنوات واشعر بالارتياح وتقدير للذات فهناك فرق كبير بين الحياة التي كنت أعيشها والحياة التي أعيشها الآن فقد تغيرت حياتي كليا من الإحباط والخوف وفقدان الأمن إلى حياة كلها أمل وأمن وأمان وحياة كريمة لطالما حلمت أن أعيشها في بلدي".
عدوى الهجرة:
والمفاجئ أن عدوى الهجرة انتقلت لبعض الأطفال فالطفلة آيات التي تبلغ من العمر عشر سنوات قالت:" أتمنى أن اكبر بسرعة لكي أسافر من هنا إلى أي بلد جميل لا يوجد به قصف أو دمار أو قتال".
وأردفت:"أحلم أن أعيش في بلد مليء بالأشجار والأماكن الترفيهية "ثم صمتت لبرهة وتابعت "مكان لا يوجد فيه لا حماس ولا فتح ولا يهود".
يقول آخر :" اشعر أني أعيش بعلبة كبريت أو قفص صغير فانا مثل الطير المكسور الجناح الذي يمررون له الطعام والشراب، لا اعرف متى سأخرج من قفصي الصغير لأرى عالم أخر كله حرية هكذا" بدا أبو اشرف موسى كلامه وقد بدت على وجه علامات الإحباط واليأس ثم تنهد وتابع:" تحملنا العيش تحت العدوان وصبرنا وقاومنا لأن هذا واجبنا وكنا سعداء لأننا بأرض الرباط وتحملنا العيش تحت الحصار والفقر وحمدنا الله وصبرنا لكن ما لم استطع تحمله هو أن أدفع كرامتي ثمنا لانتمائي السياسي لذا قررت الرحيل إلى بلد يقدرني فالإنسان دون كرامة هو شبه إنسان".
لم يكن رأي عبير بشير التي تدرس الرياضيات في بداية العشرين من عمرها مخالفاً لرأي سابقيها فتحدثت قائلة: " كلي أمل أن أغادر هذا البلد والحل الوحيد لكي أسافر هو الزواج من شاب فلسطيني مغترب فانا متأكدة إني لو سافرت إلي أي بلد أخر سأحقق طموحاتي وسأحصل على وظيفة محترمة".
السيد أبو محمد إسماعيل في عقده الخمسين من مخيم الشاطئ دفعته الظروف المعيشية السيئة إلى التفكير بالهجرة إلى الإمارات حيث أنه وزوجته يحصلان على معاش لا يتجاوز 2000 شيكل ينفقانه على الطعام والحاجات المعيشية الأولية.
ويقول: " زوجتي مريضة ونحتاج إلى أكثر من ألف شيكل علاج شهري فكيف لي أن أدبر هذا المبلغ"، ويؤكد أن إقدامه على هذه الخطوة كان بدافع المعاناة الشديدة من الألم والمرض في ظل غياب دور الدولة ورفع أيدها عنا وعن علاجنا.
وأضاف: "مع العجز عن توفير ثمن العلاج، لم نجد أمامنا سوى أن نتوسل، ونقوم بالاستدانة لكي نوفر ثمن العلاج، فنحن نصبر على ألم الجوع لكن كيف نصبر على ألم المرض، خاصة وأن علاج التأمين الصحي لا يصلح سوى للاستخدام كمُسكّن".
وأردف لدي أبناء يدرسون بالجامعات يحتاجون إلى مصاريف باهظة لا اعرف كيف أدبرها في الكثير من الأحيان لم يبقي لي سوى خيار لهجرة على الرغم من تقدم عمري".
مخطط إسرائيلي...
أما الحاج أبو يوسف عبد الجليل في العقد السابع من عمره كان له رأي مخالف لجميع الشباب على الرغم من تفهمه موقفهم وتضامنه معهم، فقال إن الهجرة خطر على فلسطين ككل لأنها ستعطي الفرصة لإسرائيل للقدوم بمخططاتها وإنجاحها... فكل هذه الأشياء والتي من ضمنها الهجرة تصب في مصلحة إسرائيل التي كانت تهدف لها منذ زمن..
تعددت الأسباب والوجهة واحدة عبر الهجرة فهل ذلك حلا لمشكلة أو مشكلة تبحث عن حل ؟؟.