الجمعة: 27/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

نور عودة طالبة جامعية.. تحدّت المرض الذي غير مجرى حياتها.. وناضلت لتبلغ اهدافها كانسانة عادية

نشر بتاريخ: 22/08/2006 ( آخر تحديث: 22/08/2006 الساعة: 14:06 )
رام الله- معا- كانت ساعة ظهيرة آن ذاك, واصوات خافتة قليلة تتهامس حولي, صادرة عن مجموعة يتراوح عددهم عدد اصابع اليد, يقفون في احد اروقة جامعة بيت لحم يتبادلون الحديث حول امتحان خرجوا منه للتو, صوت آخر غير مألوف تداخل مع سلسلة الاصوات التي عبرت اذني استدرت فرأيت احدى الطالبات تجر نفسها دافعة جسدها العلوي بكل ما اعطيت من قوه مستخدمة يديها في جر عجلات عربة ربما لم تخترها ارادتها في ان تكون جزءاً من حياتها.

نور ابراهيم عودة التي استهلت حديثها بذكر مشهد يترسخ في ذاكرتها، حادثه استشهاد والدها ابراهيم عودة الذي استشهد عام 1988على مرأى ومسمع عائلته في مخيم الدهيشة للاجئين جنوب بيت لحم:" حينها كنت ابلغ من العمر ثلاث سنوات خرجت بكل ما اعطاني الله من براءة كي اقول للجندي ان يترك والدي واذ به يضربني بقوه فسقطت على الدرج".

حادثه مر عليها ثمانية عشر سنة استرجعت خلال ثوان معدودة لتكون نقطة بداية لسلسلة من المعاناة اليومية التي تعيشها طالبة جامعية اصرت على اكمال حياتها الاكاديمية على الرغم من وضعها الصحي, فنور تعاني من مرض اكتشفت عوارضه لديها يوم استشهاد والدها فهذا المرض يدعى "ضمور العضلات الشوكي" مرض وراثي ينتقل من جيل الى آخر يتلخص في ضمور الخلايا الامامية للحبل الشوكي بسبب نقص البروتين الذي هو مهم في استمرار الخلية الامامية في اداء دورها فمع الوقت تضمر العضلات تلقائيا الامر الذي يؤدي الى وقف حركتها.

بدأت نور تتأثر من المرض ويظهر عليها وهي في الصف السادس الابتدائي لان حدة المرض تزداد بعد ان ينمو الجسم وتزداد حركة عضلاته، حينها كانت تمشي نور على اطراف اصابعها واستمرت على هذا الحال الى ان وقعت مرة اخرى وكسرت قدمها مما اضطرها ملازمة الفراش لمدة طويلة فازدادت حالتها تعقيدا لان عدم الحركة وضمور العضلات تزيد من الهشاشة في العظم حتى يبدأ العامود الفقري بالانحناء نتيجة لعدم اداء العضلات لدورها المتوقع المتلخص بالحركة.

فهذا ما حدث معها فعندما شفيت ساقها حاولت الوقوف على رجليها لم تستطع المشي, فكان الحل الوحيد لحالتها ان تستعين بكرسي العجلات لتتنقل وتمارس حياتها الطبيعية، حادثة كسر ساقها حصلت في السنة الثانية من دراستها في جامعه بيت لحم فهي طالبة في السنة الرابعة تدرس ادب اللغة الانجليزية.

اصرارها وقوة ارادتها ساعداها على الوقوف امام تحديات كثيرة فمما لاشك فيه ان وضعها الصحي سبب لها العديد من المشاكل الدراسية, فبعض المواد في المقرر تحتاج الى حركة مستمرة دون أية قيود تمنعها, فقيود نور تختلف عن أية قيود:" اذكر انه في السنة الماضية كان هناك مادة اجبارية تلخصت في ان نمثل جزء من قصة قد درسناها, فقد طلب منا ان نمثل ونقلد شخصية ما في القصة وعلى الرغم من صعوبة وضعي الا اني تحديت الواجب المطلوب مني واستطعت السيطرة على الشخصية وقلدتها".

مبنى جامعة بيت لحم مريح وتتوفر فيه وسائل تساعدها على الحركة, فهناك مصعد تستخدمه عوضا عن الدرج الا ان البعض من الطلاب والمعلمين في الجامعه لا يأبهون لانتظارها طويلا امام باب المصعد فيفضلون احيانا انفسهم عليها ويتركوها تنتظر:" في احدى المرات كنت انتظر المصعد مع مجموعة من الطلاب واستاذ يدرسني لا اود ذكر اسمه فعندما وصل المصعد دخلوا جميعهم الى المصعد وبقيت احاول ان ادخل فكرسيي يأخذ حيزا في المصعد فنظر الي الاستاذ وقال "مش ضروري تطلعي انتظري الى ان يرجع المصعد مره اخرى".

حادثه كهذه تدل على ان الشخص الذي يجب ان يكون قدوة طلابه في التعامل يتصرف هكذا فكيف يتصرف من سيقتدي به.

على الرغم من هذا تعتبر نور ان الجامعة كل حياتها, فارتباطها بها يخفف عنها حدة ما تمر به, فما يخيفها نظرة العطف المجتمعية التي تراها اينما تواجدت, ففي داخلها هي لا تختلف عن احد لانها مشت من قبل ومارست حايتها بشكل طبيعي.

في الجامعة ذاتها تدرس ايضا شيرين عودة ابنة عم نور التي تعاني هي الاخرى من نفس المرض وتستخدم كرسي العجلات في التنقل وتقول نور:" ابنة عمي شيرين تمتاز عني ان شخصيتها اقوى من شخصيتي فأنا خجولة بعض الشىء لكن شيرين لا تسمح بان تتعرض لموقف مثل موقف المصعد الذي اتعرض اليه بشكل مستمر".

توقعت عائلة نور انها سترجع كما كانت تمشي وتمارس حياتها بشكل طبيعي لكنهم اصيبوا بالاحباط عندما عرفوا انها ستستعمل الكرسي عوضا عن قدميها فهي تعودت على الوضع على امل ان تجد العلاج لحالتها فقد جرب علاج مرض ضمور العضلات على فئران مخبرية في المانيا ونجح, لكنه لم يجرب حتى الان على الانسان وهي تأمل ان يجرب كي تتعالج وتمشي على قدميها من جديد وتشق طريقها دون مساعدة احد.

ابنة الحادية والعشرين لديها هوايات عدة تمارسها في وقت فراغها منها التطريز الفلاحي الرسم والخرز, وهي مستعدة ان تنشغل وقتا وطويلا في تحضير أي شىء فني يشعرها بانها انجزت شىء وهي جالسة، عائلتها لها دور كبير في تعزيز قوة ارادتها وتعاونوا معها كثيراً في بداية مرضها, فلم يتركها للحظه واحدة اخاها جاد كونه لازمها لمدة سنتين وترك اشغاله, لكي يتفرغ لمساعدتها في الجامعة فضحى بمعظم وقته ليكون معها كل يوم على مدى سنتين دراسيتين.

"انا انسانة طبيعية" تقول نور, ولا ينقصني شىء وما امر به هو وضع عابر اتمنى ان اخرج منه قريبا بعد ايجاد العلاج, لكن لي عتب على المجتمع الذي تنقصه التوعيه اللازمه في معرفة آليات التعامل مع حالتي, فاحيانا تواجهني صعوبة في الخروج الى الاماكن العامة لانها غير مؤهلة لوضعي ووضع غيري من مستخدمي الكرسي, فاختار في النهاية ان ابقى في البيت عوضا عن الخروج، تمنيت لو كان عندي كرسي كهربائي كي استمتع بالاستقلالية لاني اشعر احيانا اني عالة على غيري فكل شخص يحب ان ينعم بالخصوصية فانا لا استطيع ان اعتمد على نفسي وحدها لاني احتاج من يساعدها فظروفي وظروف عائلتي لا تسمح في ان املك مثل هذا الكرسي ولم الق أي جهة قد تدعم المرضى بمرض تضمر العظام على الرغم من عدم وجود علاج له حالياً.