الإثنين: 25/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

خان يونس.. حلم التنمية والازدهار تلاشى.. ليحل مكانه الخوف من الدمار والخراب والصراع

نشر بتاريخ: 26/08/2006 ( آخر تحديث: 26/08/2006 الساعة: 13:58 )
خان يونس- معا- لم يكن في خاطر وحسبان الدكتور أسامة الفرا محافظ خان يونس حالياً ورئيس بلديتها سابقاً، أن الأحلام والبرامج والخطط التي أشرف على اعدادها لتطوير مدينة خان يونس التي عانت من سيطرة الاحتلال على ثلث مساحتها لتحسين مستوى الخدمات، وإنشاء مرافق صناعية وسياحية، سوف تتبدد مع بداية الانسحاب، على الرغم من كل الجهود التي بذلت لإعداد المشاريع وتجهيز المخططات والأماكن التي سوف تقام عليها المشاريع.

ولكن كل هذا التفاؤول والإقدام والجاهزية لإنجاز كل ذلك تبدد، وأصبح سرابا وحبرا على ورق كما يقولون, يأكله الغبار في الأدراج وعلى الرفوف.

أضغاث أحلام:
ويقول الفرا حول أحلامه الضائعة والمهدورة "أعددنا مخططاتنا لما بعد الانسحاب بناءً على الوعود الكبيرة المقدمة من الجهات الدولية المانحة, التي كانت تشجعنا على تركيز مشاريعنا في سد أهم احتياجاتنا في المدينة، ووضعت رؤية شاملة للمدينة، وتم تحديد المشاريع المطلوبة فجاءت المخططات انطلاقا من النقص الواضح عندنا واحتياجنا لسده بالمشاريع الحيوية، كالطرق الكبرى، وإنشاء ما يشه مدينة سياحية لما تتمتع به المدينة من ميزات تعتبر من أهم مقومات العمل السياحي، إضافة إلى الأراضي التي أخلتها المستوطنات كنا نتوقع أن نقيم عليها مشاريع زراعية ضخمة تساعد الاقتصاد الفلسطيني في النهوض".

التفاؤول الذي كان يسيطر علينا قبيل أيام من الانسحاب تبخر بعد اشهر قليلة فقط- يقول الفرا- ليحل محله تشاؤم من الوضع الذي وصلت إليه المدينة نتيجة تصعيد العدوان العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة، ومواصلة الاحتلال السيطرة على المعابر الحدودية لقطاع غزة، فطارت الوعود الدولية بتقديم المساعدات، وذهبت أرقام مئات ملايين الدولارات التي وعدنا بها أدراج الرياح، ولم تعد ترى تقدما في المدينة التي لم تستطع أن تحافظ على ما كانت عليه من نشاط اقتصادي ضعيف، وتوفر بعض الأمن الذي اضمحل لتصل المدينة إلى غابة تحكمها بنادق اختلطت فيها بنادق المقاومة مع بنادق الجريمة ولم تعد تأمن على نفسك بعد أن شرعت إسرائيل في تنفيذ مخططاتها التدميرية ضد قطاع غزة وفق المخططات التي كانت قد أعدتها إسرائيل للتدمير لتقابل مخططاتنا للتنمية والاعمار.

تخاذل المانحين ومحاربة الإسرائيليين:
ويوضح الفرا وعلامات التأثر والحزن بادية على وجهه أن المبررات التي ساقتها الدول والمؤسسات الدولية المانحة التي نكثت بالتزاماتها المالية للسلطة لتقيم مشاريع حيوية في قطاع غزة بأنها غير مقبولة بالمطلق، فتراجع تلك الدول عن مساعدتها ومنحها بحجة وجود حكومة فلسطينية غير مقبولة للعالم رغم إفراز الشعب لها ديمقراطياً، ما هى الا ضربة وصفعة قوية لكل القيم والأخلاق الإنسانية.

ويضرب الفرا مثالا واحداً على الخسارة الفادحة التي لحقت بواحد من المشاريع الزراعية المهمة، وهو مشروع الدفيئات الزراعية التي استلمها الجانب الفلسطيني من الإسرائيليين كما هي في المستوطنات، وأسست لها السلطة الفلسطينية شركة لإدارتها، وما أن بدأت الدفيئات تنتج الثمار حتى بدأت إسرائيل تحارب المشروع الاستثماري بقوة، فأصبحت تفرض الإغلاق الشامل على القطاع وتغلق المعابر الحدودية وتمنع تصدير خضروات الدفيئات إلى أسواق العالم، فتفسد الخضروات، ويوما بعد يوم أصيب مشروع الدفئيات بضربة قوية نتيجة عدم تصدير المنتوجات، وأصبح لدينا مشكلة أكبر، فالمزارع البسيط أصبح متضرراً من الكميات الكبيرة من الخضروات التي طفحت بها أسواق القطاع نتيجة طرح خضروات دفيئات أراضي المستوطنات في السوق المحلية فأثرت على إنتاج المزارع العادي الذي أصبح يعاني فوق معاناته.

مشاريع إستراتيجية ضخمة:
ويضيف الفرا بصوت يغلب علية الحزن والأمل نحو المستقبل: كانت هناك مشاريع ضخمة قيد التنفيذ، كمشروع إنشاء طريق شارع البحر ليربط المدينة ببحرها والذي تصل تكلفة إنشائه إلى عشرين مليون دولار، كان هذا المبلغ في خزينة السلطة الفلسطينية مقدم من (USAID) ضمن منحة بخمسين مليون دولار، طلبت المؤسسة من السلطة الفلسطينية بعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية بإعادة المبلغ كاملاً وهو ما تم بالفعل.

وكان الفرا قبل عام قد أعلن أن "حزمة المشاريع التي وصلت موافقة على تنفيذها في خان يونس خلال الأشهر الأخيرة (قبيل الانسحاب) يقارب حجمها حجم الأموال التي وصلت المدينة منذ سنوات طويلة، وبينها واحد من أضخم المشاريع التي تنفذ في فلسطين قاطبة، إذ تشكل مدينة الشيخ خليفة التي تكفل بإنشائها بمئة مليون دولار، وقدمها هدية للشعب الفلسطيني، أهم مشروع حيوي ينتظر تنفيذه في المدينة، فيما يعد مشروع إنشاء شارع صلاح الدين الدولي الشريان الرئيس لقطاع غزة، من أهم المشاريع التي خصص لتنفيذه 20 مليون دولار".

ويردف الفرا قائلا:" قبل عام إضافة إلى المشروعين الاستراتيجيين هناك مشاريع إنشاء أحياء سكنية لتعويض أصحاب المنازل التي دمرتها قوات الاحتلال في المدينة إبان الانتفاضة, ومنها مشروع لبناء 600 وحدة سكنية في مخيم خان يونس، ممول من الحكومة اليابانية بـ12 مليون دولار، وخمسة ملايين دولار قدمها برنامج الأمم المتحدة لإنشاء حي سكني آخر في المدينة، بينما وافقت الحكومة الايطالية على دعم البلدية بخمسة ملايين يورو لتأهيل البنية التحتية، إضافة إلى ستة ملايين دولار ستقدمها الحكومة للغرض نفسه، ودعم مماثل ستقدمه الوكالة الأميركية للتنمية لتطوير شوارع المدينة".

مشروع بـ160مليون دولار:
طموح الفرا لا يقف عند حدود الدعم الذي تلقته بلديته لتنفيذ المشاريع الحيوية المذكورة، إذ يتعدى الطموح إمكانية السلطة الفلسطينية المالية، فينطلق في مشروع لم يسبقه به احد من قبل لتأهيل مخيم المدينة ووسطها تأهيلا كاملاً، يحتاج إلى 160 مليون دولار أميركي، تسعى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الشريك في المشروع لتوفيره بعد الترويج الدولي له.

كل مخططات الفرا هذه ومشاريعه التي كانت أمامه على الطاولة هي اليوم في الرف يعلوها الغبار إلى أن تنجلي غبار الحرب العسكرية الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني الذي كان يحلم بأن تتحول مدنه إلى ورش عمل لإعادة اعمار وبناء ما دمره الاحتلال على مدار سنوات الانتفاضة.
هموم دموية أخري

ويوضح الفرا, أن تخاذل المانحين وأضاعة العديد من الفرص الثمينة من اجل انجاز المشاريع الوطنية لم يكن هو السبب الوحيد، في تبديد اماله في إنشاء مدينة خان يونس على الطريقة الحديثة، فالأحداث الدموية بين الشقيقتين حركة فتح وحماس كان سبباً مهما في تراجع الأمل نحو مستقبل أفضل.. فخان يونس كانت مسرحاً رئيسياً لعمليات قتال بين عناصر الحركتين منذ شهر مارس 2006، حيث قتل ما يزيد عن 14 شخصا من عناصر الحركتين ومؤيدوهما، وهؤلاء هم نصف قتلى الاشتباكات التي اندلعت بين حركتي فتح وحماس في قطاع غزة، فضلا عن مقتل نحو خمسة عشر فلسطينياً اخر في مشاكل عائلية استخدمت فيها الأسلحة النارية في اقل من ستة اشهر، في سابقة خطيرة لم تشهد لها المدينة مثيل من قبل.

ويقول الفرا:" كنا نعمل على مدار الساعة من أجل انجاز مشاريع وخطط لتقديمها للمانحين، أما ألان فنحن نعمل على مدار الساعة ونصل الليل بالنهار، لمتابعة ووقف النزيف اليومي، وتضميد الجراح، ومواساة اهالي القتلى والمنكوبين والثكالى.

ولا يخفي الفرا، خوفة من المستقب الغامض في ظل انسداد الأفق السياسي، وتدهور الأوضاع الاقتصادية والامنية في الشارع الفلسطيني، وفي ظل حالة الفقر والجوع التي أصابت كافة شرائح المجتمع، علاوة على أمكانية تجديد الأحداث الدموية المؤسفة بين حماس وفتح، والتي من شانها وضع القضية الفلسطينية ومستقبل الشعب الفلسطيني في مهب الريح.

ويضيف جل اهتمامنا تحول من التفكير الجدي في كيفية النهوض بواقع المدينة وإنشاء مرافق من شأنها لفت الأنظار وروس الأموال إليها، إلى التفكير بكيفية الخروج من الزاوية الخطرة التي حشرت فيها.