اسرائيل اليوم
نشر بتاريخ: 25/02/2011 ( آخر تحديث: 25/02/2011 الساعة: 18:00 )
- :
يوسف القرضاوي كبير مُفتي الاسلام المتطرف والذي أحل العمليات الانتحارية عاد في الاسبوع الماضي الى القاهرة ليقود "الاخوان المسلمين" الى السلطة
في 18 شباط 2011، عندما كانت المظاهرات في المدن المصرية قد خفتت وانتقل الانتباه العالمي الى ما يحدث في البحرين وليبيا، وقع في القاهرة واحد من الأحداث المهمة في السنين الاخيرة وهو أن الزعيم الديني الأهم في العالم الاسلامي، يوسف القرضاوي، عاد الى مصر بعد مكوثه عشرات السنين خارج وطنه، وخطب خطبة على الملأ في ميدان التحرير أمام مليونين من المؤيدين.
كانت مدة الخطبة 27 دقيقة، وكان يمكن ان تبدو للأذن غير الخبيرة معتدلة وجارية على النمط. خُصص أكثر كلام القرضاوي لقضايا مصرية داخلية، وكان عنده كلام ودود يقوله في الجيش المصري الذي هو المعادل الرئيس للاخوان المسلمين.
امتدح القرضاوي الجيش لأخلاقيته، ولأنه اختار في اللحظة المناسبة ألا يطلق النار على المتظاهرين. لكنه كمن بين السطور تهديد: "قال لي الاخوة هنا لا تؤيد الجيش المصري لأننا لا نعلم هل يفي بوعوده بنقل السلطة"، قال القرضاوي للجماهير. "لكنني أجبت ان هذا غير ممكن. فالحديث عن جيش مستقيم وأخلاقي وبطل دافع عن مصر دائما. لا اعتقد انه سيخون كلامه وشعبه ودولته".
عندما يُقال هذا الكلام أمام مليونين من المصريين، فله معنى خاص قوي بالنسبة لقادة الجيش الذين فهموه.
لم تغب اسرائيل عن خطبة القرضاوي. فقد بيّن الداعية ابن الرابعة والثمانين ان الفلسطينيين ايضا هم بين منتصري الثورة المصرية ووعد بأن "معبر رفح سيُفتح أمامكم"، كأنه يُقر حقيقة محسومة (بعد ذلك تغير ذلك الى طلب من الجيش المصري ان يفتح المعبر). وأنهى القرضاوي كلامه بوعد ان يحظى هو ومستمعوه قريبا بالصلاة في الاقصى وأجابه الجمهور في الميدان بصيحات آمين عالية.
كان عند القرضاوي للزعماء العرب الذين ما يزالون في كراسيهم رسالة واضحة أن العالم العربي تغير، كما قال لهم وانه لا يمكن وقف مسار التاريخ. على الزعماء ان يُجروا حوارا حقيقيا مع شعوبهم، وألا يحاولوا تسكينهم بوعود باطلة. وليس عرضا ان هذا بالضبط هو الكلام الذي قاله البيت الابيض في الاسابيع الاخيرة. علم القرضاوي، وهو من القادة المُضرسين والخبراء في العالم الاسلامي، انهم يستمعون الى كلامه باهتمام كبير على مبعدة آلاف الكيلومترات ايضا من ميدان التحرير.
جالٍ بارادته
وُلد القرضاوي في سنة 1926 في مصر، لعائلة من الفلاحين فقيرة ورعة. وتبين تفوقه في الدراسات الاسلامية في صغره. وقد أنهى دراسته في جامعة الأزهر بامتياز، وبعد ذلك أصبح من هيئة التدريس.
إنضم القرضاوي قبل ذلك الى حركة الاخوان المسلمين ووعظ من قبلها في منطقة سكنه. وقد ركّز منذ نهاية الاربعينيات ومدة الخمسينيات نشاط الاخوان المسلمين في الأزهر؛ وتعلقت اعماله الرئيسة بتجنيد متطوعين ونشاط احتجاج سياسي.
وقع أحد الأحداث الحاسمة في حياة القرضاوي في سنة 1961 عندما أرسله الأزهر الى قطر كي يرأس معهد الدراسات الدينية في الامارة، وهذا عمل ما زال يتولاه حتى هذا اليوم. كان يفترض ان تطول الارسالية اربع سنين فقط، لكن القرضاوي اختار ان يجعل قطر منزله الدائم وألا يعود للنشاط السياسي المرهق في مصر.
اقتُرح عليه مرارا كثيرة ان يكون "المرشد العام" للاخوان المسلمين في بلده لكن القرضاوي رفض. إن اعتقاد انه جلا عن مصر وان السلطة المصرية تطلبه قد ساعد على انشاء الهالة حوله، لكن الحقيقة هي ان القرضاوي كان يستطيع العودة لمصر لو انه كان معنيا بذلك. بل انه في واقع الامر جاء الى القاهرة في 31 من آب 2006 وخطب في اتحاد الصحفيين من غير ان تعتقله السلطات أو تضايقه.
قُرن اسم القرضاوي على مر السنين بأساطير كثيرة أشاع بعضها أشياعه. زُعم انه ممنوع من دخول الولايات المتحدة، وان الامريكيين يشكون بلا انقطاع لقطر وجوده في الدولة. لكنني في فترة مكوثي في قطر قالت لي السفيرة الامريكية، اليزابيث ماكيون، انها اعتادت لقاء القرضاوي؛ وأن الزعيم الورع قال لها من جملة ما قال إن ابنته تدرس في لندن وأنها لا تضع على رأسها غطاءً. "لم يُقدم قط طلب سِمة دخول، ولو قدم لأخذ"، لخصت السفيرة قولها مبتسمة.
قدّر الامريكيون كما هي الحال في قضية "الجلاء" أن سبب الاشاعات هو محاولة القرضاوي تعزيز صورته في العالم الاسلامي بأنه يعارض الغرب والزعماء الفاسدين الذين يعملون تحت رعايته.
حوّل انشاء قناة "الجزيرة" في 1995 القرضاوي من زعيم ديني مصري الى أهم مُفتٍ اسلامي في العالم. بدأ القرضاوي يشارك في البرنامج الاسبوعي في القناة المسمى "الشريعة والحياة"، الذي اعتاد فيه ان يجيب على الاسئلة التي يرسلها اليه المشاهدون. وقد جعلته شعبية البرنامج العظيمة شخصية عامة مركزية في العالم العربي، وشخصية ذات قيمة كبيرة في نظر حكام قطر. إن تأييده لهم قد منح السلطة القطرية التي تهوى المجد الغربي الشرعية الاسلامية التي تحتاجها كثيرا؛ ومقابل ذلك حظي القرضاوي برعاية الأمير السخية.
بيد ان القرضاوي لم يكتف بالكلام على الدين. فقد كانت أكثر الاجزاء إثارة في البرنامج تتعلق بالسياسة الاقليمية وبالولايات المتحدة وباسرائيل بطبيعة الامر.
الى جانب نصر الله
في منتصف التسعينيات كان القرضاوي بين الزعماء الدينيين المسلمين الأبرز الذين شجعوا العمليات الانتحارية. في تلك الفترة كنت مشاركا في نشاط مع فقهاء معتدلين حاولوا محاربة الظاهرة بفتاوى مضادة.
في 1999 عندما وصلت لأعمل في قطر رئيسا لمفوضية اسرائيل في الامارة، التقيت رئيس جامعة قطر وطلبت ان يُنظم لي لقاء مع القرضاوي. قال لي مُحادثي مبتسما: "القرضاوي ذخر قومي، ليس مُدارا من الجامعة بل من قصر الأمير". فهم بعد ذلك انه قال أكثر مما ينبغي، وأوضح لي ان القرضاوي عضو في الجامعة حقا لكنه لا يُعد في الهيئة الفاعلة.
لاسرائيل دور مركزي في خطابة القرضاوي الدينية والسياسية، لانها تُمكّنه من توحيد جميع فصائل الاسلام. بعد انسحاب اسرائيل من لبنان كان القرضاوي هو الذي منح زعيم حزب الله، حسن نصر الله، الشرعية في العالم السنّي. فقد عاد القرضاوي في ظهوره في التلفاز في سنة 2000 بعد انسحاب اسرائيل من لبنان وقال ان كثيرين في العالم السنّي يعارضون نصر الله خطأ لأنه شيعي. "إن حسن نصر الله مسلم حارب اسرائيل وانتصر، وينبغي تأييده تأييدا تاما"، قال القرضاوي.
تغيّرت لغة القرضاوي في السنين الاخيرة وكان من جملة اسباب ذلك أن نجاح نصر الله جعل نسبة كبيرة من اعضاء "الاخوان المسلمين" في مصر يتحولون الى الاعتقاد الشيعي.
عندما زار القرضاوي وطنه في 2006 بعد انقضاء حرب لبنان الثانية أطلق التهديد التالي: "يا اخوتي، أنا اؤيد علاقات أقرب وأوثق بين أهل السنة والشيعة وأنا اؤيد مقاومة حزب الله، لكنني لن أسمح لهذا التأييد ألبتة أن يكون تسويغا لتغلغل شيعي في الدول السنيّة، لأن هذا سيفضي الى صراع مدني ويُشعل حريقا يحرق كل شيء". في تلك الفترة قدّر مركز ابحاث "ابن خلدون" في مصر عدد الشيعة في الدولة بمليونين.
لم تؤثر هذه التغييرات التكتيكية في فتاوى القرضاوي، التي بقيت من الأكثر تطرفا في العالم الاسلامي. وقد بالغ أكثر من مُفتين كثيرين آخرين، وقضى بأنه يحل حتى قتل يهودية حامل، لانها تحمل في رحمها الجندي الاسرائيلي في المستقبل. ولم يكن شك حتى في مجالات اخرى في تصوراته: فقد سمح القرضاوي للزوج المسلم "بأن يضرب زوجته ضربا غير شديد لتأديبها"، وقال انه يجب إلقاء اللوطيين من فوق برج عالٍ.
الكابوس الغربي
استعمل القرضاوي مثل قادة مسلمين كثيرين غطاء منظمات الزكاة ليدفع الى الأمام بتصوراته السياسية. فقد انشأ القرضاوي في أيار 2001 بعد انتفاضة الاقصى: "اتحاد الزكاة" لدعم الشعب الفلسطيني. والاتحاد – الذي يقع مكتبه الرئيس في السعودية – هو صندوق اقتصادي متعدد الأذرع، يؤلف بين صناديق وجمعيات زكاة اسلامية لا تعمل في البلدان الاسلامية فقط بل في الغرب ايضا. يمكن ان نجد بين الجمعيات البارزة التي تؤلف الاتحاد "لجنة دعم الشعب الفلسطيني" في السعودية و"صندوق دعم الشعب الفلسطيني" في الاردن ("المناصرة")، وصندوق "آي.اتش.اتش" في تركيا، الذي كان مسؤولا عن ارسال القافلة البحرية الى غزة في أيار الاخير. وزيادة على صناديق اخرى تعمل في اوروبا والولايات المتحدة، يرعى الاتحاد فرعا لبنانيا تسيطر عليه حماس وتؤيده من جملة من يؤيده، ايران.
ينسق "اتحاد الزكاة" تحويل التبرعات من سائر الجهات المرتبطة به الى جمعيات الزكاة الفلسطينية والى حماس. والمال الذي يتم تحويله بواسطته يبلغ من بين جملة من يبلغ اليهم، عائلات المنتحرين والسجناء الأمنيين، ويُستعمل لدعم المؤسسات الدراسية ومنها تلك التي تحرض تحريضا منهجيا على دولة اسرائيل وتشجع النشاط الارهابي الموجه على أهداف اسرائيلية. من المعقول فرض ان يحاول القرضاوي الآن زيادة جدوى السياسة المصرية الرسمية نحو تأييد أبرز للنضال الفلسطيني؛ ومن المؤكد أن دعوته الى فتح معبر رفح توميء الى ما سيقع في المستقبل.
يمثل القرضاوي بمعان كثيرة "الكابوس" الغربي المتعلق بمستقبل مصر: بأن يكون صورة سنيّة – مصرية عن ثورة آيات الله في ايران تسقط قوة اقليمية اخرى في أذرع الاسلام السياسي. كان القرضاوي حتى السنين الاخيرة يشك في القدرة على إحداث تغيير سياسي في مصر، وفضل تعزيز صورته من قطر. يمكن ان تشهد عودته الى مصر على انه يؤمن بأن ميزان القوى في الدولة قد تغير، وأن الاخوان المسلمين يقفون أمام نافذة فرص تاريخية.
القرضاوي مثل زعماء مسلمين كثيرين يؤيد الآن الديمقراطية. وهو يدرك الطاقة الكامنة فيها من وجهة نظره، كمن يقف على رأس القوة السياسية الأكثر تنظيما في الدولة. إن دعوته في ميدان التحرير الى تغليب الديمقراطية على الدولة لم تنبع من تصور سياسي ليبرالي، بل من حساب تكتيكي بارد. وهكذا ينبغي أن نفهم ايضا المدائح التي وجهها في خطبته للأقلية القبطية في مصر. والدليل على ذلك ان القرضاوي عاد بعد ذلك فورا للحديث عن دور مصر الخاص باعتبارها الدولة الوحيدة المذكورة في القرآن اربع مرات. يوجد من يلاحظون في الايام الاخيرة تباشير اعتدال عند "الاخوان المسلمين"، وهذا امر طبيعي أن تصدر اصوات مختلفة عن منظمة عدد مؤيديها أكثر من نصف مليون. بيد ان القرضاوي هو "الاخوان" أكثر من كل شيء، وكانت خطبته في ميدان التحرير ترمي الى ايضاح هذا للعالم.
إن الجيل الشاب المثقف، المربوط بالانترنت والمتصل بالعالم بواسطة الفيس بوك والتويتر، لا يُملي النغمة في السياسة. فليست له قيادة أو مؤسسات أو تمويل أو قدرة تنظيمية. وكل اولئك موجود عند "الاخوان المسلمين"، وبكثرة. وللقرضاوي نفسه ورقتا لعب أخريان: قناة "الجزيرة" التي ستستمر على تمكينه من الوصول مباشرة الى كل بيت مسلم، ومال أمير قطر الذي أنفق عليه حتى اليوم وسيساعده في المستقبل ايضا. ففي الخلاصة عند الطرفين ما يكسبانه من العلاقة بينهما.
إن الذي يقف بين القرضاوي والاخوان وبين تحقيق رؤياهم هو الجيش المصري، العالم جيدا بخططهم السياسية. ونتيجة المعركة بين الطرفين تتعلق كثيرا بالدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة وهي المشغولة الآن بتقدير من جديد لسياستها مع مصر. ينبغي الأمل ان يكون متخذو القرارات في عواصم الغرب قد استمعوا ايضا للاصوات التي انطلقت يوم الجمعة الاخير من ميدان التحرير وأن يكون ذلك من بين سائر التقديرات.
كان في الماضي رئيس مفوضية اسرائيل في قطر
وهو اليوم رئيس منتدى شرق اوسط حكيم