السبت: 16/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

تبادل الاسرى .. بين التجاذبات السياسية والحسابات الدولية

نشر بتاريخ: 28/08/2006 ( آخر تحديث: 28/08/2006 الساعة: 20:03 )
بيت لحم- معا- اخذ الاحباط يقتل الجنرال المصري رأفت شحادة ومحمد ابراهيم اللذين يحاولان على مدى شهرين التوصل الى اتفاق لتبادل الاسراى بين المقاومة الفلسطينية التي تأسر الجندي الاسرائيلي غلعاد شليط واسرائيل التي تحتجز عشرة الاف اسير فلسطيني .

وطرح الوسيطان المصريان الكثير من المبادرات والافكار وعانوا قطع الاتصال مع اسري الجندي لفترات طويلة دون ان يحققوا تقدما ملموسا مما اشعرهم بالاحباط القاتل الذي انتقل سريعا للسفير المصري في تل ابيب محمد عاصم ابراهيم الذي اعترف خلال محادثات مع مسؤولين اسرائيليين بعظم الخطأ الذي وقعوا فيه عندما اعتقدوا بقدرتهم على اطلاق سراح الجندي الاسرائيلي خلال ايام بواسطة ضغوط خارجية يتم توظيفها للضغط على حماس ليكتشفوا ان حركة حماس مستقله اكثر مما كان يعتقد .

ولم يصب الاحباط المصريين وحدهم بل وصل الى كثير من المسؤولين الاسرائيليين الذين لا يرون النور في اخر النفق خاصة وان الحرب على لبنان حولت قضية الجندي غلعاد شليط الى قضية ثانوية معبرين عن اعتقادهم بان معالجة الاسرى في لبنان اسهل منها في غزة مستذكرين قضية الاسير "تتيلبوم" مدعين بان اسرائيل تعرف كيف تتصرف مع حزب الله في هذا الشأن، وهي المعرفة التي تفتقدها في الحالة الفلسطينية التي تعتبر اكثر تعقيدا لغياب العنوان الواضح متهمين ابو مازن واسماعيل هنية بلعب دور اعلامي في هذه القضية ليس الا وان حجم المعلومات التي يمتلكها رأسا السلطة يصل الى حد الصفر وكذلك قوة تأثيرهما على مجرى القضية .

وحسب المصادر الاسرائيلية هناك حقيقة واحدة لا تقبل النقاش في ظل الفوضى والدمار الذي تعيشه غزة وهي ان "غلعاد شليط" لا زال على قيد الحياة على الاقل من وجهة نظر الشاباك والصليب الاحمر وهي المنظمة الدولية الوحيدة التي اقتربت اكثر من غيرها من الجندي الاسير حيث نجحت بعد اسابيع من الاتصال بالدائرة الخارجية للمجموعة التي تحتجزه وعلمت منها بانهم يتعاملون مع الاسير الاسرائيلي بشكل لائق وانه في وضع جيد .

السؤال المهم المطروح حاليا هو لماذا فشل المصريون حتى الان ؟ والاجابة على هذا السؤال حسب المصادر الاسرائيلية تكمن في وجود مفتاح القضية خارج قطاع غزة فلو انحصر الامر في يد قيادة حماس داخل قطاع غزة لحقق الوزير المصري عمر سليمان ورجاله نجاحات اكبر لكن من يدير العملية هو خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس والموجود في دمشق .

وادعت المصادر الاسرائيلية ان غضبا عارما على سوريا ساد اوساط العاصمة المصرية منذ اليوم الاول لاسر الجندي الاسرائيلي تعاظم عجرفة الرئيس السوري بشار الاسد التي رافقت ايام الحرب على لبنان وعندما ادرك الرئيس المصري حسني مبارك بعد ايام من اسر الجندي ان الحل يوجد في سوريا ويجب عليه البحث هناك رفع سماعة الهاتف واتصل مع بشار الاسد الذي لم يرد على مكالمات الرئيس المصري لعدة ايام تلقى على احداها جوابا بان الرئيس نائم وعلى اخرى بانه داخل الحمام وثالثة بانه في اجتماع هام .

وحتى رغبة الرئيس المصري في ارسال عمر سليمان الى دمشق في رحلة اقناع قوبلت ببرود الا ان نجح في نهاية الامر في ارسال وزير خارجيته احمد ابو الغيط الذي لم يحقق اي نجاح يذكر مما استدعى دعوة مشعل الى زيارة القاهرة لكن نبأ الزيارة تسرب الى وسائل الاعلام مما ادى الى الغائها واستبدل باحد مساعديه محمد نزال الذي رفض بأدب مطالب المصريين الصارمة وعاد الى دمشق .

وقال احد المسؤولين الاسرائيليين المطلعين على قضية الجندي الاسير في تصريحات لصحيفة "معاريف" ان الوضع يشهد جمودا تاما مضيفا " ان الجهود المبذولة لم تفض الى شيئ والتملق المصري لحماس على مدى السنوات الماضية لم يجدهم نفعا وانفجر في وجوههم وبكل بساطة فان حماس لم تعد تعتمد على المصريين ولا ترى بهم وسيطا نزيها خاصة في هذه القضية ".

ومقابل المسار المصري الفاشل حتى اللحظة كانت هناك العديد من الخيارات الاخرى فقد حاول الفرنسيون عمل شيئا وكذلك الاتراك اعربوا عن رغبتهم الجامحة في التدخل وارسال مسؤولين كبار لمقابلة خالد مشعل الا ان اسرائيل رفضت هذه الاقتراحات وقابلتها ببرود خشية ان يشكل اي اتصال اوروبي مع حماس تأهيلا لها وقال مسؤول سياسي اسرائيلي لصحيفة معاريف " نستطيع استيعاب وبلع اتصال المصريين بحماس اما اتصال دول اخرى فهو امر عصي على البلع والاستيعاب ".

ورغم قصة الفشل المحبط واصل العديد من الدبلوماسيين جهودهم بعد اجتماعهم بعائلة الجندي الاسير واستماعهم الى مأساتها قرروا التجند لخدمة حل القضية وقال احدهم صاحب اتصالات عديدة وواسعه مع الطرف الفلسطيني ومن ضمنهم حماس بانه يلحظ تغيرا في الحركة كون غلعاد شليط اصبح يشكل بالنسبة لاسماعيل هنية وعدد اخر من مسؤولي حماس عبئا وليس ذخرا مضيفا " ان كل عملية تبادل ستتكون من صفقة شاملة تشمل وقف الطرفين لاطلاق النار وتخفيف الحصار الاقتصادي ".

واضاف الدبلوماسي الكبير بانه يجب ان لانستبعد خيار تليين الشروط الدولية المفروضة على حماس مؤكدا بان حماس ليست القاعدة مشددا على كونها حركة تحرر وطني وقال " في نهاية الامر حماس حركة وطنية منضبطة اثبتت قدرتها على الالتزام بوقف اطلاق النار ولا يمكن ايجاد سلطة فلسطينية خالية من حماس لان هذه الجنة اصبحت من الماضي ".

ولدى الدبلوماسي الكبير اقتراح محدد لحل معضلة الاتصال بين حماس واسرائيل يتمثل في عقد صفقة تبادل لا تظهر اسرائيل وكأنها تفرج عن اسرى فلسطينيين لمصلحة حماس ويمكن ان تظهر وكأنها تنفيذ لتفاهمات شرم الشيخ او تنفيذ لوعود اولمرت التي قطعها لابومازن ".

ورغم افكار الدبلوماسي الخلاقة الا ان قضية شليط عادت الى نقطة الصفر كون خالد مشعل الموجود في دمشق يحتكر القرار في هذه القضية دون ان تمارس عليه حتى الان ضغوطا قوية واصبحت الاجهزة الامنية الاسرائيلية على قناعة بان سوريا وايران هما اللتان تستطيعان ممارسة تلك الضغوط .

وقال دبلوماسي غربي قابل مشعل خلال الشهر الماضي ان قضية شاليط لا تؤثر على مشعل خلافا لما تفعله على اسماعيل هنية الذي اصبح يشعر بتهديدها لحكمه واضاف " ان خالد مشعل لا يشعر باي ضغط لانهاء القضية واذا كان الامر متعلق به لوحده فان القضية ستستمر اشهرا عديدة اذا لم تكن سنوات حتى يحقق هدفه باطلاق سراح الاسرى ".

وعلى الجانب الاسرائيلي من المتراس تحاول اجهزة الامن الاسرائيلية جمع المعلومات الاستخبارية دون ان تحصل على معلومة مهمة وحاسمة قد تشير الى مكان احتجاز الجندي الامر الذي يجعل من الخيار العسكري امرا مستبعدا جدا ومن الصعب الاعتقاد بان اسرائيل ستخاطر بحياة الجندي في عملية تبدو فرص نجاحها صفرا حتى لو توفر لديها تلك المعلومة .

المؤشر المشجع على الجانب الاسرائيلي يتمثل في تعيين اولمرت لرئيس الشاباك السابق عوفر ديكل الذي يعتبر خبيرا في شؤون الاسرى والمخطوفين على رأس الطاقم الذي يعالج قضية الاسرى ووضع تحت تصرفه كافة اجهزة الدولة الذي يعقد اجتماعات اسبوعية لطاقم الاسرى المكون من الاستخبارات العسكرية والشاباك والموساد ويقوم بتركيز المعلومات الاستخبارية ويتصل بعائلة الجندي شاليط ويفكر في الحلول الممكنة ويتمتع بقدرة الاتصال الحر مع رئيس الوزراء وطاقم مكتبه حيث يصل الى مكتب رئيس الوزراء كل يوميين ويجتمع مع اولمرت او مستشاره العسكري او رئيس طاقم مكتبه ويضعهم في اخر تطورات القضية .

وخرج احد الدبلوماسيين الامريكيين الذي التقى ديكل بانطباع بان رئيس الوزراء الاسرائيلي قد منح عوفر ديكل هامشا واسعا للتحرك ولم يمنعه من شيئ سوى خلق اي اتصال او علاقة بين موضوع شليط والجنود الاسرى لدى حزب الله .

وتحدث احد المسؤولين الذي التقى ديكل عن روح جديدة بكل ما يتعلق بموضوع الجندي الاسير غلعاد شليط تتمثل في الاستماع للاقتراحات التي سبق رفضها والانفتاح على اية افكار جديدة .

لكن السؤ ال المهم والحاسم يتمثل بالثمن الذي يوافق اولمرت على دفعه مقابل حرية شاليط ؟ وهذا الامر غير واضح حتى الان خاصة وان قضية تبادل الاسرى الاخيرة مع حزب الله وما مثلته بالنسبة للجمهور الاسرائيلي وما منحته من تشجيع لحزب الله والفلسطينين لا زالت تسكن وجدان حاشية اولمرت لذلك لايمكن لاولمرت ان يوافق على صفقة تبادل اسرى باي ثمن حيث يقول مقربوه بان اعادة الاسرى لا تشكل انجازا بحد ذاتها لذلك يجب القيام بالامر على افضل وجه مضيفين " الاهم ان نقوم بالامر على الوجه الصحيح واذا اطلقنا سراح 500 اسير لصالح حماس لا يوجد تأكيد بان الوضع سيكون افضل وستكون له الكثير من الاثار السلبية ".

الطرف الوحيد الضائع والمنسي في هذه القضية هو رئيس السلطة الفلسطينية ابو مازن الذي لا زالت اسرائيل تفضل عدم الحديث معه منذ عملية اسر الجندي ولم تجر معه اي اتصال هاتفي واحد ولم تتلق منه اي اقتراح جدي يمكن الاشارة اليه في خضم هذه القضية وجميع الرسائل التي عمد مستشاروه ايصالها الى اسرائيل كانت عبر الوسطاء خاصة وزراء الخارجية الاوروبيين الذين يحتجون على رفع علامة النصر عند زيارتهم رام لله .

وقالت اوساط مقربة من رئيس الوزراء الاسرائيلي ان ابو مازن يدرك ابعاد اطلاق سراح الجندي مؤكدة ان اسرائيل اوضحت هذه الابعاد من خلال قنوات اتصال كثيرة مضيفة " اذا احضر بو مازن غلعاد شاليط سنكون سعداء لكن هذا الامر لا يبدو في الافق "
مسؤولين سياسيين اخرين يرون بقطيعة ابو مازن مكمن الخطأ ليس فقط لان اسرائيل خسرت مسارا اضافيا يمكن ان يؤدي الى اطلاق سراح الجندي وانما لدفنها بهذه القطيعة رئيس السلطة التي قد تنهار مؤكدين ضرورة اعادة ابو مازن الى واجهة الاحداث قائلين " يجب اعادة ابو مازن الى صورة الاحداث باسرع وقت والمشكلة ان الوقت سيكون قد فاتنا عندما نقرر ذلك لاننا نعتقد بان حركة الاحداث تنتظرنا حتى نأخذ قرارنا ".