الإثنين: 23/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

كتب المحرر السياسي: استحقاق أيلول.. موعد مع الدولة أم "الثورة"؟!!

نشر بتاريخ: 06/03/2011 ( آخر تحديث: 07/03/2011 الساعة: 15:49 )
بيت لحم- معا- كتب ابراهيم ملحم- يدرك الفلسطينيون، وهم يرقبون بالكثير من الفخر، و الاعتزاز، والدهشة، هذا المخزون الهائل ،من النضج ، والوعي، والحكمة، الذي تكتنزه الثورات العربية المتنقلة ،على الهواء مباشرة، من مصر الى تطوان، ومن نجد الى يمن، أنهم لم يعودوا بعد 17/12/2010 " انطلاق الثورة التونسية "اصحاب" الحق الحصري" في اطلاق الثورات، والانتفاضات الشعبية، وإلهام الشعوب، بالتمرد على الذل، والطغيان، سواء تلك المسلحة باللحم الحي" انتفاضة اطفال الحجارة 87" او "بالذحيرة الحية " انتفاضة " 2000 " كما هو حال الثورة الليبية، التي وجدت نفسها، مضطرة لامتطاء الدبابات، ومضادات الطائرات،بعد ان توعدهم العقيد" بالنار الحمرا".

ويضع هذا الادراك، الفلسطينيين ، قيادة ، وشعبا ، امام تحديات جديدة ، وجادة ، تجعلهم ، يبحثون عن وسائل، واساليب ، لانتزاع حقوقهم تعيد لهم صدارتهم، وجدارتهم، في قيادة الثورات والانتفاضات الشعبية، وفق المعايير والمواصفات، التي حددتها الشرائع ، والقوانين الدولية، مستفيدين من بساط الريح المتنقل في الزمن العربي الجميل، الذي طالما رنت اليه عيونهم ،وتاقت اليه قلوبهم ، وصدحت من اجله حناجرهم بـ" وين الملايين" الشعب العربي وين..." بعد ان عانوا من حقب اليباس الثوري ، والتبلد القومي، في زمن عربي رديء كثرت فيه المواعظ ، والخيبات ، والانكفاءات ، والانكسارات، والاستخذاءات.

وامام هذا الوهج الجديد ،الطالع من عتمة الظلم ، والقهر ، والاستبداد ، يجد الشعب الفلسطيني نفسه، وهو يرقب سباق التتابع الماراثوني العربي، نحو الحرية ، والكرامة ، والعدالة الاجتماعية ، امام مخاضات شبيهة،بتلك التي سادت عشية انتفاضة 87 ، ليشعل ثورة في الموعد المضروب لاعلان الدولة،ان تراجعت الولايات المتحدة عن وعودها، وواصل الاسرائيليون مصادرة الحلم الفلسطيني باقامة الدولة ، عبر سياسات القهر ، والاذلال ،واقامة الحواجز التي باتت معابر تحكم الخناق على اعناق المدن ، واطلاق اليد ،لغول لاستيطان ، دون ادنى التفاتة للنداءات الدولية ، الداعية لوقف الاستيطان ،ومنح الشعب الفلسطيني حقه بالحرية ،والكرامة، والاستقلال.

فاذا جاء ايلول ،ولم يف الرئيس الامريكي بوعده ، يكون كمن حدد موعدا للثورة ، ثورة .. ضد من اخلف وعده ،ومن واصل بالاستيطان، والاحتلال ،مصادرة الحلم الذي يهجس به الشعب الفلسطيني ، وقدم من اجله التضحيات.

كان يمكن لتراجع الرئيس الامريكي عن وعده ان يمر مرور الكرام كما مرت وعود سلفه ، في زمن عربي غير هذا الزمن المدهش، والجميل الذي سيجعل المرور هذه المرة صعبا ،ان لم يكن مستحيلا، دون احتجاج من العيار الثقيل .

فاذا ما صدقت الوعود، واقيمت الدولة في الموعد المضروب،" فَبِها ونِعْمَتْ " والا فلا بد من غضبة الحليم ،في خريف غضب عربي، يدفع الفلسطينيون فيه من نزف جراحهم، ووجع معاناتهم ،حصة اضافية لعلها تكون الاخيرة ،قبل ان ينالوا حريتم وانعتاقهم ،واستقلالهم ،من عدوهم الذي يواصل سفك دمائهم ومصادر اراضيهم، واعتقال ابنائهم ، وانتهاك مقدساتهم .

وحتى تاذن تلك اللحظة ،امامنا نموذجان من الثورات الشعبية الاولى : سلمية على غرار الثورتين التونسية والمصرية ، والثانية: مسلحة بـ"الذخيرة الحية" على غرار الثورة الليبية .. في الاولى النتائج مبهرة والاكلاف منخفضة ، اما في الثانية ،فالاكلاف عالية، ودامية، والنتيجة ما زالت غامضة ،واحسب ان لدينا من مخزون الحكمة ،والتجربة ما يكفي للاختيار .

ولعل التساؤل الاهم ، الذي يقفز امامنا ،حول ما سيكون عليه موقف السلطة الوطنية ،في حال هبوب رياح الغضب الشعبي، ضد الاحتلال .وضد السياسات الامريكية المنحازة له ،للاجابة على هذا السؤال تبرز ثلاثة سيناريوهات:

1-ان تبادر السلطة نفسها ، او شخصيات منها، على غرار ردة الفعل ضد الفيتو ، الى تسيير المظاهرات، وتنظيم الاعتصامات الاحتجاجية.

2-او ان تمنع السلطة مثل تلك التحركات .

3-او ان تقف موقف الصامت والمراقب ،لما يجري، وتطوراته، ومالاته.

في الحالة الاولى ستتهم بالتحريض وتطالب بالوقف الفوري له تحت ، التهديد، والوعيد.

وفي الثانية ستتهم بقمع الحريات ،ومنع المسيرات ،وهو ما لن تقدم عليه السلطة ،بعد ان نفذ مخزون حلمها ولم يبق في قوس صبرها منزع ،وبان لها مرج مفاوضاتها مع عدوها .

اما في الثالثة فستتهم بالتواطؤ، وستطالب من الولايات المتحدة واسرائيل، بتحمل مسؤولياتها لوقف "اعمال الشغب"، قبل ان يتدخل الاحتلال للقيام بالمهمة نيابة عنها ، وهو ما يعني اعادة احتلال الضفة، ستلجأ خلالها لاراقة الدماء ،لاحراج السلطة امام شعبها ،في محاولة لاستجلاب ردود فعل من جنس ادواتها، لتتهم الثورة بـ" الارهاب "والظهور امام العالم، بمظهر الضحية!

في الحالات الثلاث ،ستجد السلطة نفسها امام مقاربات جديدة ، محمولة على استخلاصات عميقة ، من تجارب المفاوضات الطويلة ،بحصادها المر ومن تسونامي التحولات المفاجئة في الوطن العربي، والتعاطف الدولي غير المسبوق مع مطالبها المشروعة بالدولة المستقلة ،مقاربات سترد اسرائيل عليها بالحصار ، ولكنها هذه المرة لن تنجح في تأليب العالم على القيادة الفلسطينية، التي "لاحقت العيار لباب الدار" وحصلت على اجماع دولي بادانة الاستيطان ،قبل ان يجهضه الفيتو الامريكي ،مثلما ستجد الولايات المتحدة نفسها هذه المرة ، محرجة في مسايرة السياسات الاسرائيلية ،ضد شعب منتفض، بلحمه الحي ،يدعو الاحتلال الى ان يرحل الان.. والان وفق مفردات السياسة الخارجية الامريكية تعني امس.

ولعل الموقف الشجاع الذي اتخذته الرئيس عباس مدعوما من القيادة الفلسطينية ،برفض الضغوط الامريكية الثقيلة، لثنيه عن التوجه لمجلس الامن،بمشروع قرار يدين الاستيطان ،وحصول القرار على اغلبية 14 من اصل 15 عضوا ،قبل ان تحبطه الولايات المتحدة بالفيتو، يعطي اشارات لا تخطئها العين ،ازاء المنحى الذي ستاخذه القيادة في مواجهتها لسياسة التسويف، والمراوغة الاسرائيلية ،والانحياز الامركي الاعمى لتك السياسة.

من يراقب ردود الفعل الاسرائيلية ،ازاء الثورات العربية،وارتداداتها، يدرك ان "خريف الاحتلال" قد اقترب ،ان لم يكن في ايلول، ففي تشرين، او كانون..... ومَن يَعِشْ يَرَ!.